Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/02/2007 G Issue 12547
مقـالات
الأحد 16 محرم 1428   العدد  12547
مدخل جديد للتوطين
السعودة.. دعوا شعارها يكون آخر الأجندة
د.صالح بن سبعان (*)

لم يخالطني الشك قط بأن شعار السعودة بالطريقة التي نرفعها به، وما يصاحبها من قرارات عاطفية، غير مجد، ولا يمكن أن يحقق النتائج التي نرجوها رغم أن الهدف منه استراتيجي وحيوي، تمليه علينا أسمى دوافعنا الوطنية، ورغم أنه واحد من أهم القضايا التي ينبغي ألا نكف عن التفكير فيها بجد وعمق، لما لهذا الطوفان البشري من العمالة الوافدة من آثار سلبية تهدد كيان الدولة اقتصادياً وأمنياً وثقافياً.

وقد تناولت بالبحث والتحليل - وفي أكثر من مكان - مخاطر هذا الطوفان من الجوانب كافة التي ذكرتها، من ناحية، كما تناولت نتائج السعودة - وبالطريقة التي نتعامل بها مع هذا الشعار -، باعتبار أن السعودة من أكبر وأهم الإجراءات الوقائية ضد تداعيات وآثار هذا التدفق البشري، من ناحية أخرى.

وكان رأيي ولا يزال، أننا في الأغلب ظللنا نتعامل مع السعودة كشعار، ونطرحه كترضية اجتماعية، وليس كهدف استراتيجي، لا نعالج عبره فقط مشكلة احتلال العمالة الوافدة لسوق العمل مقابل تنامي وتزايد نسب البطالة بين أبناء الوطن.

وإنما - أيضاً - لأن النهوض الحقيقي بالوطن يجب أن يتم بسواعد أبنائه، وإلاَّ فما معنى التنمية البشرية، إذا كنا نتحدث عن تنمية حقيقية شاملة، تعنى بالإنسان، وتتم على يديه، ويكون هو غايتها؟!

والحال أن ما نحتاجه بالفعل ليس مجرد رفع شعار السعودة تحت تأثير العاطفة الوطنية، إذ لا بد أن يسبق ذلك التفكير في كيفية تأهيل المواطنين بالمستوى الذي يجعلهم مؤهلين لاحتلال مواقعهم في سوق العمل.

بعد أن ثبت وتأكد بشكل واضح أن تطبيق السعودة بالصورة اللاواقعية التي أربكت القطاع الخاص، كما أربكت، وربما بشكل أكثر وزير العمل والدوائر ذات الصلة، قد فشلت تماماً.

وسبب الفشل الأساسي هو أننا تعاملنا مع القضية كشعار يهدف إلى الترضية الاجتماعية، ثم إننا في محاولات تحقيقه وتطبيقه ركزنا على تحقيق الكم من التوطين - وعلى الورق - دون التحقق من النوعية والكفاءة المطلوبة لتلبية احتياجات سوق العمل الفعلية والنتيجة - كما هو متوقع - كانت أن القطاع الخاص، وهو الذي عليه المعول الأكبر في عملية التوطين بحكم أنه يمتص (95) في المائة من حجم العمالة في سوق العمل، وجد نفسه في وضع مربك وصعب للغاية، جراء قرار رفع نسبة التوطين (الإجباري) من (5) في المائة إلى (10) في المائة ثم إلى (20) وإلى أن وصلت إلى (75) في المائة، مع الإهمال التام بحاجة القطاع الخاص للعمالة السعودية المؤهلة وذات الكفاءة اللازمة لتشغيل الشركات والمصانع والمستشفيات والمرافق الإنتاجية والخدمية كافة.

الحيرة التي أربكت القطاع الخاص وهو يجد نفسه في هذا الموقف، امتدت إلى الدكتور غازي القصيبي الذي يمسك بيديه ملف (العمل) المعقد، لدرجة جعلته يصرح في الأسبوع الأول من هذا الشهر (محرم) بأنه لو كان في موقع صانع القرار لما جدد لنفسه!! وللرجل ألف حق!

فبعد مواجهات وجدل بين الوزارة والقطاع الخاص، وما تمخض عنه من عقوبات بالغرامة وشطب السجلات والإنذارات تطبيقاً للأنظمة، وجد أن عدد التأشيرات التي أصدرتها وزارته خلال عام واحد ارتفع بنسبة (30) في المائة، في الوقت نفسه الذي يتزايد فيه عدد العاطلين وطالبي الوظائف، وتتراجع فيه الوزارة عن قرار سعودة سائقي الليموزين، مثلما تراجعت من قبل عن سعودة قطاع الذهب وحلقة الخضار، وتؤجل قرار تأنيث محلات بيع الملابس النسائية بسعوديات.

ويبدو لك من الواضح أن سبب هذه الربكة يكمن في عدم تجسير الفجوة بين الوزارة والقطاع الخاص، رغم اشتراكهما وتلاقيهما في الهدف، وهو توطين سوق العمل. إلا أن الوزارة تصدر قراراتها منفردة، رغم اللقاءات التي تتم في إطار العلاقات العامة بين القطبين الرسمي والأهلي، بين حين وآخر، ولكن غياب التنسيق بينهما يبدو واضحاً ولا يحتاج إلى اجتهاد.

فالقطاع الخاص يدرك ولا شك دوره الوطني في توظيف العمالة الوطنية، إلا أن له هو أيضاً متطلباته الضرورية في هذه العمالة وفي مواصفاتها العلمية والعملية من حيث التأهل والاستعداد وليس من العدل أن نطالب بإعالة جيوش من العطالة، بعضهم ينقصهم التأهيل، وبعضهم ينقصه الاستعداد للانخراط الجاد في سوق العمل.

حسناً، نحن الآن أمام مستجدات طرأت على مشهد السعودة الشائك هذا. فعما قريب ستشهد سوق العمل غزواً من رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، ووفقاً لقوانين التجارة العالمية التي صرنا أعضاء فيها ستشتد المنافسة في سوق العمل على التوظيف، وهذه القوانين كما نعرف تفتح الأبواب - بهذا القدر أو ذاك - في وجه الكفاءات الأجنبية التي تحتاجها النشاطات الاستثمارية الأجنبية والمشتركة. فحرية انتقال رؤوس الأموال وتدفقها في ظل هذه المنظومة الدولية، ترافقها وتلازمها - بالضرورة - حرية في تدفق وتنقل الكفاءات والقوى العاملة ذات المواصفات المطلوبة تخطياً للحدود القومية والوطنية.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن سوق العمل السعودية ظلت تشهد خلال الأعوام الأربعة الأولى لخطة التنمية السادسة نمواً مطرد الزيادة على الطلب في الوظائف. حيث شهدت العمالة المدنية نمواً سنوياً متوسطاً بمعدل (2) في المائة، تزايدت بموجبه العمالة السعودية بنحو (628.1) ألف عامل من (2.54) مليون عامل في بداية الخطة، إلى (3.17) مليون في نهايتها، وبمعدل نمو سنوي بلغ (4.5) في المائة.

ووفقاً لميزانية العام الحالي، والتي اعتمد فيها مبلغ (140) ملياراً للمشاريع التنموية والخدمية، من أصل (380) ملياراً خصصت من (400) مليار هي حجم الإيرادات العامة للميزانية، كمصروفات، فمن المتوقع وفقاً لهذه المعطيات أن يتنامى ويزايد معدل الطلب للوظائف في سوق العمل.

هذا بالطبع غير النشاطات الاقتصادية الأخرى المصاحبة، والتي يمكن أن يعطي تحرك الهيئة العامة للاستثمار مؤشراً على ما ستكون عليه نتائجه وتأشيراته على معدلات ومستويات الطلب على الوظائف من سوق العمل، ففي اليوم الذي أكتب فيه هذا تخطط الهيئة في اجتماعها مع وفد هونج كونج بالرياض لاستقطاب استثمارات أجنبية ومشتركة بأكثر من (300) مليار ريال.

هذه المعطيات تفرض علينا بالضرورة أن نجري تعديلاً في أولويات أجندتنا إذ لم يعد مطلب السعودة الذي يرفع كشعار عاطفي وبالطريقة التي يطرح بها مجدياً بعد أن أثبتت الوقائع الماثلة فشله في تحقيق حلم توطين سوق العمل، وواضح فيما أظن أننا يجب - بعد إزاحة هذا الشعار إلى الوراء مؤقتاً - أن نشحذ عقولنا وهممنا وأن نشمِّر عن سواعدنا، من أجل العمل على تأهيل أبنائنا علمياً وعملياً وتربوياً وثقافياً لدخول سوق العمل واقتحامه بقوة وكفاءة وجدارة.

وهذا، كما أشرت أكثر من مرة، وفي أكثر من مقام ومكان يحتاج منا إلى تخطيط شامل ومتكامل، لا تستأثر به وزارة العمل وحدها فيجد وزيرها نفسه في موقف من يريد النفاذ بجلده، بل تشارك فيه كل الجهات ذات الصلة، المباشرة منها وغير المباشرة من مؤسسات حكومية وأهلية وعلماء وخبراء من المجالات والتخصصات كافة التي لها علاقة بهذه القضية الوطنية الكبرى.

ويحسن بنا أن نسارع ونسابق الوقت، لأنه وإن كان من ذهب إلا أنه صارم وقاطع كالسيف.

وبالله التوفيق..

(*)أكاديمي وكاتب سعودي

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS

تبدأ برقم الكاتب«7692» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد