Al Jazirah NewsPaper Monday  05/02/2007 G Issue 12548
مقـالات
الأثنين 17 محرم 1428   العدد  12548
بيريز..
في عاصمة قطر
السفير: عبدالله بشارة

وفقاً لما نشرته جريدة القبس (الكويتية) في عددها الصادر يوم الخميس الموافق الأول من فبراير 2007، فإن مراسل صحيفة يديعوت الإسرائيلية سأل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني - أمير دولة قطر - إذا كان ممكن نشر تفاصيل اللقاء بين الأمير وبيريز - السياسي الإسرائيلي المخضرم، فيرد الأمير كل شيء علني عندنا، ليس لدي مشكلة.

أما بيريز فيقول: لا يوجد ما نخبئه، مضيفاً أن الأمير رفض التعهد بضمان أي شيء بالنسبة لرفع مستوى العلاقات القطرية مع إسرائيل، وأن أمير قطر أظهر اطلاعاً على ما يجري في إسرائيل، وأن حماس أكثر مرونة مما تبدو، لا تأبهوا بالتصريحات.

وقد ذهب بيريز إلى قطر للمشاركة في حوار مع عشراتٍ من الطلاب والمتدربين من الخارجية القطرية، وان المتدربين أظهروا حب استطلاع للقاء بيريز وطرحوا عليه أسئلة موضوعية حول اللاجئين الفلسطينيين وعودتهم إلى داخل إسرائيل، وعن الموقف مع سوريا، ويعلق البريطاني الذي أدار الحوار بأن الحوار مشوق لكنه لم يأتِ بشيء جديد.

وحول المباحثات مع أمير قطر، يقول السياسي الإسرائيلي إن الأمير اقترح إجراء محادثات مباشرة مع حماس لكنه قال إن إسرائيل لن تمنح حماس فرصة إجراء مفاوضات سلام مباشرة ما لم تعترف الحركة بالدولة العبرية، وان اللقاء جرى في أجواء ودية للغاية وان المسؤولين توصلا إلى تفاهمات في تقويم الأوضاع في المنطقة وان اللقاء كان بالغ الأهمية بالنسبة لقضية السلام.

ويثير هذا اللقاء الكثير من الملاحظات بعضها إيجابي وبعضها غير ذلك، وتتواصل التعليقات حول مدى ضرورة مثل هذا اللقاء وحول انعكاساته على الاتصالات الجارية لاستئناف المفاوضات، مع ملاحظة أن الذين يعترضون أكثر حرصاً على الاستجابة لحضور المؤتمرات التي تستضيفها قطر.وهناك قراءات جديرة بالاهتمام في هذا اللقاء:

أولاً: انه أول لقاء علني على هذا المستوى في إحدى عواصم دول مجلس التعاون التي تتحفظ عادة في اتخاذ مبادرات خارج الإطار المتعارف عليه، والتي تعتبرها الصالونات السياسية العربية من الأقاليم العربية المضمونة في الالتزام بالإجماع العربي المتفق عليه، والتي لا تخرج عن دائرة المألوف والمقبول ولا تتجاسر على ممارسة دبلوماسية الصدمات والمواجهات وأن عواصم الخليج العربية التي منحت إسرائيل مكاتب لها فيها التزمت بالاحتفاظ بالحد الأدنى والاعتيادي من الاتصالات بعيداً عن الإعلام وعزوفاً عن اتخاذ ما يثير الاهتمام.

وفوق ذلك فإن زيارة شخصية بمكانة بيريز وتاريخه الطويل في العمل الاستراتيجي والسياسي يعتبر خروجاً عن الإطار المألوف وجديراً بالمتابعة والاهتمام ولا سيما أن قطر بنت علاقات متينة وذات خصوصية مميزة مع حماس حيث استضافت قيادتها في الدوحة، وتواصلت معها في مساعي تذليل العقبات حول تشكيل حكومة فلسطينية واحدة، كما احتضنت قطر مسؤولية التنسيق مع كلٍ من سوريا وقيادة حماس (خالد مشعل) وجماعة أبو مازن. ويعزز الدور القطري المقعد الذي تحتله في مجلس الأمن وبما يتيح لها المشاركة المباشرة في صياغة القرارات والبيانات الصادرة عن المجلس والتفاوض نيابة عن السلطة مع الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن، والعضوية موقع مهم يتيح لها التأثير والتعديل في المزاج والاتجاهات داخل مجلس الأمن.

ثانياً: لنقل ان القيادة القطرية لها مرئيات خاصة ترسمها خطوط المصالح القطرية التي وضعتها حماية لهذه المصالح وتأميناً للحفاظ على استقلال الدولة وسلامة سيادتها وترابها وأمنها الوطني، وهي حسابات خاصة تراها قطر تتلاءم مع استراتيجية المصالح العليا، وأبرز تموجات هذه الاستراتيجية الانفتاح القطري على جميع المنافذ العالمية والتواصل والتحاور مع كل العواصم، مع تشييد شبكة واسعة من الارتباطات مع مؤسسات سياسية وتعليمية وثقافية وفكرية عبر الكرة الأرضية، واستضافة مؤتمرات دولية سواء عبر الأمم المتحدة أو عبر منظمات إقليمية بترتيبات قطرية خالصة.

وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى انفتاح الأبواب، وفي مواقع جغرافية مختلفة، ووسط ايديولوجيات متصارعة، لتدخل قطر بما لديها من مسعى ومن حسن نوايا ومن رصيد لتشارك في ترطيب الأجواء وفي تخفيف التوتر وفي الإسهام نحو مسيرة الاعتدال والتوافق.

ويتضح ذلك وبشكلٍ قوي في تصريحات بيريز عند عودته من قطر، مشيراً إلى تأكيد الأمير القطري أن ما تقوله حماس داخل الغرف يختلف عن تصريحاتها، وأنها بحاجة إلى تشجيع من إسرائيل حتى يصبح الخطاب الحماسي الخارجي معتدلاً ومنسجماً مع الخطاب الداخلي.

كما يلاحظ أن المساعي العربية العلنية محصورة في كلٍ من القاهرة وعمان وربما تضيف الدوحة - عاصمة قطر - دعماً لهذه المساعي وتفرز ديناميكية تعجل بالاتفاق الفلسطيني وبعودة المفاوضات وتشكّل رديفاً قوياً للتحركات الدولية والإقليمية، حيث تسعى إندونيسيا إلى عقد مؤتمر دولي في منتصف هذا الشهر من أجل دفع حماس إلى اتخاذ مواقف معتدلة تقترب من القبول الدولي، وذلك للاستفادة من مكانة إندونيسيا كبلد إسلامي معتدل، كما تتحرك المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في جولة إلى كلٍ من القاهرة والرياض وأبوظبي والكويت بهدف تفعيل دور اللجنة الرباعية الدولية في ضوء رئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي، كما يذهب وفد مصري رفيع المستوى يضم رئيس الاستخبارات الوزير عمر سليمان ووزير الخارجية أحمد أبو الغيط اليوم إلى واشنطن لإجراء محادثات مع الإدارة الأمريكية حول سبل تحريك عملية السلام ووضع أفق سياسي للحل النهائي للقضية الفلسطينية.

كما تظهر مؤشرات من واشنطن أن لديها خطة سياسية جادة لتحقيق الدولة الفلسطينية بعد اقتناع واشنطن بضرورة وضع أفق سياسي للحل بعد أن كانت تتعامل مع القضية بمفهوم أمني فقط، كما تتجه الأنظار إلى مدينة مكة المكرمة لمتابعة الاجتماع المقرر بين قيادات حماس وفتح للتوصل إلى اتفاق سياسي جدي ونهائي يضع مصالح الشعب الفلسطيني في المقام الأول بعيداً عن المصالح الحزبية والفئوية الضيقة وبعيداً عن الأجندات والمواقف السياسية المختلفة، وبضغط وإصرار عربي ودولي على إنهاء الاقتتال وتحمل المسؤولية الوطنية بجدية وبزعامة ناضجة ومقبولة لدى العالم.

ثالثاً: تأتي زيارة بيريز ولقاؤه مع الأمير القطري، مع الاقتناع الإقليمي والدولي بأن حل القضية لن يأتي دون مشاركة عالية ومؤثرة وبدعم عربي صريح وواضح لا يعطي السلطة الفلسطينية الملاذ الذي كانت تجده من العرب دون إصرار منهم على تحمل تبعات المسؤولية التاريخية في اتخاذ القرار الصعب. وقد تسبب نهج الملاذ العربي الآمن للتردد الفلسطيني في ضياع الفرص التاريخية الكثيرة، وكما يقول الكاتب جهاد الخازن في عموده في صحيفة الحياة الصادرة في 29 يناير 2007 إن الرئيس كلينتون أخبره بأن أبو عمار قبل اتفاق الإطار - كما عرضه الرئيس الأمريكي عليه - عاد إلى غزة للتشاور مع جماعته وعند العودة تدخل بعض مساعدي عرفات وطالبوا (بعد بدها غلوة) وهذه عبارة تُقال عن القهوة المغلية.

ولا جدال أن الضغط العربي أمر حيوي لإبراز الواقعية وحدود الممكن في قائمة الطلبات الفلسطينية، وربما من المفيد أن تفهم القيادة الفلسطينية سواء من حماس أو فتح وزعامة أبو مازن أن موضوع فلسطين اقترب من نهاية المطاف، وأن مسلسل الأعذار والتأجيل انتهى خصوصاً أن المصالح العربية المتباينة والمختلفة وأولوياتها تبدلت بشكلٍ لا يرغب أحد بأن يبقى أسيراً لما تريده قيادة فلسطينية.

هناك زخم دولي لإيجاد حل مقبول لن ينصف الفلسطينيين وإنما يعطيهم شيئاً لن يحصلوا عليه دون الدعم الدولي، وإذا ضاع الجهد الدولي فسيضيع الملف الفلسطيني .

abdullah_bishara@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد