Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/03/2007 G Issue 12577
مقـالات
الثلاثاء 16 صفر 1428   العدد  12577
(سمينٌ) سابقاً.. (لطيفٌ) دائماً
أنور عبدالمجيد الجبرتي

* كنت، سأتحدث عن كِتاب (سعوديون في أمريكا) الذي تفضل الأخ اللطيف (تركي الدخيل) بإهدائي إياه، ولكن (تركي الدخيل) اعترض انتباهي بالإشارة إلى كتابه السابق (ذكريات سمين سابق) ولم أكن قد قرأته من قبل.

* عرفت (تركي الدخيل) سميناً، لطيفاً، ظريفاً و(رشيقاً) ورأيته مؤخراً مشاهدةً، وبعد متابعة لبرنامج (إضاءات) في قناة العربية فوجدته قد ألقى عن كاهله وعن ركبتيه أكيالاً من الشحم واللحم، ولكن لم يختلط فيما فقده من وزنه لطفه وظرافته، وسرعة بديهته ووسامة محياه.

* أنا متحيز للأشخاص البدناء، ولا أذكر أنني صادفت في حياتي بدناء سيئين. معارفي (السمان) كانوا دائماً طيبين، ظريفين، ولا أدري لماذا ترتبط السمنة، في أغلب الأحيان، بالطيبة، خفة الدم، ورهافة الظل، ولعلَّ في ذلك تعويضاً ومعادلةً، فيما نفقده ونكتسبه، والحياة تعطي وتأخذ، وتجرح وتداوي.

* أحياناً أتخيل بعض البدناء الذين أعرفهم فأرتعبُ لفكرة فقدانهم لأوزانهم. سيبدون ذابلين، مرهقين، (هافتين) كأنهم مرضى يتعالجون بأدوية مريرة قاسية. ماذا سيكون منظر عماد الدين أديب لو فقد نصف وزنه؟ هل سيكون هو عماد الدين أديب الذي نعرفه؟ لا أذكر إذا كان الأخ عماد الدين أديب طويلاً أو قصيراً، فبدانته ومشيته التخينة تأكل معظم طوله، أخوه عمرو أديب كان بديناً أصلع وقد (خسَّس) نفسه؛ وأذكر برنامجاً رمضانياً على قناة (أوربيت) كان عمرو أديب يظهر فيه مع الممثل الراحل علاء ولي الدين، ومقدمة البرامج الجميلة الغائبة نيرفانا، وكانت تبدو بينهما كالعصفور المحشور بين دبين قطبيين هائلين ومع ذلك فقد كان الحضور جميلاً لأن الرجال (السمان) يبدون مسالمين مأموني الجانب في أغلب الأحيان. رحل علاء ولي الدين وديعاً وسميناً، وفقد عمرو أديب كثيراً من وزنه، ولم يفقد الكثير من حضوره التلفزيوني ولعل ذلك هو الاستثناء.

* يحكي (تركي الدخيل) الحياة الصعبة للأشخاص (السمان) أطفالاً وشباباً ورجالاً تتحطم تحتهم مراحيض الفنادق، ولا تلتف حولهم أحزمة الطائرات، ولا تتركهم لشؤونهم تعليقات الثقلاء والوقحين والناصحين المملين الزائفين؛ ويُعلِّمُ (تركي الدخيل) الأشخاص السمان، على نحو مباشر، وغير مباشر، دروساً مهمةً وطريفةً في الصبر والمواجهة ويجمع لهم دروساً نثريةً وشعريةً، وأصولاً فقهيةً ومفارقاتٍ اجتماعيةً وثقافيةً.

* ألقى (تركي الدخيل) عن كاهله شخصاً يزن تسعين كيلاً وبقي كما يقول مع رجل رشيق يزن تسعين كيلاً أخرى.

* علَّمنا، تركي الدخيل في كتابه كيف نحسن الإنصات لأبنائنا المباركين، فقد بدأ رحلته الشاقة مع فقدان الوزن عندما سمع ابنه يقول له: (متى أكبر، يا بابا، كي أكون (دباً) مثلك؟) فعقد العزم على ألا يكون سميناً حتى لا يقتدي به ابنه فيعاني من المشاكل التي واجهها.

* وعلَّمنا تركي الدخيل بين ثنايا الكتاب أن نلهج بالثناء ونشعر بالامتنان لدعاء أمهاتنا فهو ابن رضي، ولا أشك، أن ذلك الدعاء كفَّ به وشرحَ كثيراً من القبول الذي يحظى به عند الناس.

* لم أكن منصرفاً إلى الحديث عن (ذكريات سمين سابق) ولكن عن (سعوديون في أمريكا) ولعلَّ الربط هنا يأتي في فصل خصصه تركي الدخيل وكان عنوانه (أمريكا السمينة) يتحدث فيه عن الأخطار السمينة التي تواجه أمريكا، وهي في نظر البعض أعظم خطراً وأشد فتكاً حتى من الإرهاب؛ يعطي أرقاماً مفزعةً ويصف أطباقاً خطيرةً تقطر سمْناً وشحماً وسكراً يألفها الأطفال وينشؤون عليها ولا يستطيع الكبار مقاومتها والتخلي عنها وهذه السمنة الشهية المفزعة في الطعام هي شيء من أمريكا التي أحببناها وأحبها أطفالنا عندما ذهبنا إليها شباباً منذ حوالي ربع قرن وذهب إليها الأخ (تركي الدخيل) عام 2000م فوجدها أكثر سمنةً وأحلى سكراً؛ وعلى كل حال إنه مقدرٌ علينا نحن السعوديين والعرب أن نستطعم أمريكا - كما هي - دهناً شهياً يحتوي سماً وحلوى لذيذةً تكتم مرضاً وتكنولوجيا متقدمةً واقتصاداً مزدهراً وقوةً عسكريةً هائلةً تجمع وعداً ووعيداً وخوفاً وطمعاً.

* ولا سبيل لنا إلا أن نأكل من هذا وذاك ونتعايش معهما؛ ونسأل الله السلامة.

* (السعوديون في أمريكا) قصة طويلة مثيرة بدأت فصولها المكثفة مع الستينيات من هذا القرن مع جحافل الطلاب المبتعثين بعد توتر العلاقات العربية ولحق بها أخونا تركي الدخيل مع بدايات القرن الجديد.

كل سعودي عنده قصة أمريكية كثير منها متشابه ومشترك وبعضها فريد ونادر ومثير والحديث في هذا يطول.

* فاجأني (تركي الدخيل) بأنه ذهب إلى (يوجين - أوركون) تلك المدينة الجميلة الحالمة قريباً من ضفاف (الباسفيكي) في شمال غرب الولايات المتحدة الأمريكية، هذه المدينة هي (مدينتي) الأمريكية مكثتُ فيها سبع سنوات وزاملت فيها إخواناً سعوديين نجباء، واستمتعنا معاً بزمن أمريكي جميل واكتسبنا تجربةً علميةً ومعيشيةً وحضاريةً ذات أهمية بالغة.

* كتبتُ يوماً عن (زمان الوصْل في يوجين) تلك المدينة الأمريكية الحالمة الخضراء تتوارى كحسناء حيية بين غابات وادي نهر (ولاميت) وتستلقي على ضفاف أنهاره وجداوله، تغتسل في الخريف بأمطاره وتتدثر في الشتاء بثلوجه، ثم تكتسي زهراً وعشباً وحُبَّاً عندما يزورها الربيع الطازج النقي البهيج فتبدو عروساً لا أجمل منها ولا أبهج. وأهل (يوجين) الأمريكيين الطيبين وأساتذة جامعة (أوريجون) المهنيون المنصفون كانوا رفاقاً يجدر أن نذكرهم ونشكر لهم.

* في الفصول الأخيرة من (سعوديون في أمريكا) يقدم تركي الدخيل اعتذاراً وشرحاً عند الحديث عن (أمريكا) التي أحبها، لأنه كان يخشى من اللومِ والتصنيفِ المتسرعينِ في ظروف سياسة صعبة لم تترك الإدارة الأمريكية الحالية فيها إلا القليل من الأصدقاء والمحبين، ومعظم هؤلاء من الذين عرفوا أمريكا الطيبة والأمريكيين الطيبيين واحتفظوا بذكرياتهم الجميلة ونظرتهم المنصفة رغم أنف الإدارة الأمريكية وسياساتها الخارجية، ورغم أنف المحافظين الجدد والمسيحيين الصهاينة.

* وأقول لأخي تركي الدخيل إننا سنكون غير منصفين ولا متوازنين إذا لم نتحدث عن أمريكا الجميلة التي عشنا فيها وأحببناها وخاصة عندما يسود سوء الفهم، وتطغى العواطف، مع فهمنا أن الأغلبية الساحقة من العرب والمسلمين لم تُتَحْ لهم فرصة التعرف على (أمريكا) متعددة الوجوه فهم لا يرون إلا وجهها الخارجي الذي يغيب عن ملامحه أغلبية الأمريكيين من ذوي الملامح الطيبة.

* يجب ألا ينتهي المقال عن (سعوديون في أمريكا) دون الحديث عن (أبو صالح) الطالب السعودي الذي فتح بيته وجعله مضافةً للسعوديين، يصنع القهوة ويطبخ (الكبسة) ولا يرد طارقاً على بابه ولا يصد قاصداً لبيته. كُلُّ جيل من الطلاب السعوديين وكل مدينة جامعية أمريكية كان معهم فيها (أبو صالح) السعودي وأذكر أنه عندما كان يزور الأستاذ (عبدالعزيز المنقور) الملحق التعليمي - متعه الله بالصحة - كان يقصد بيت (أبو صالح) السعودي، ويدعو إلى اجتماع معه وعشاء على (كبسة) سعودية، في بيت (أبو صالح) السعودي، أو (بيت الأمَّة) كما كانوا يدعونه أحياناً لا حرمنا الله أينما كنا من بيت ل (أبو صالح) يجمعنا ويؤنسنا ويطعمنا في أزمنة الغربة.

* الحديث عن (السعوديون في أمريكا) يطول ولا أملك مساحةً ولا أريد إملالاً ولكنني أدعوكم لقراءة هذا الكتاب، والكتاب الآخر وقد كتبهما تركي الدخيل بقلم رشيق في عبارات جذابة وروح لطيفة وخفة دم متفوقة وقد كان دائماً هكذا كما عرفته.

* أدعو أبا عبدالله - تركي الدخيل - أن يستمع إلى نصائح عبدالله الصغير المبارك برعاية الله وإلى الاستزادة من دعاء أم صالحة طيبة مباركة فلقد تطيبنا بضَوْع بركاتهما بين صفحات الكتابين عسى الله أن يطرح عنك دائماً أثقالك التي لا تريدها ويوردك الأمكنة والأزمنة التي تحبها ويجعل لك قبولاً عند كل قارئ ومشاهد.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد