Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/03/2007 G Issue 12586
مقـالات
الخميس 25 صفر 1428   العدد  12586
في الطريق إلى قمة الرياض
رغم الأسئلة المقلقة ثمة ما يدعو للتفاؤل
د.صالح بن سبعان*

لا أعلم لماذا يروج بعض الكتاب والمحللين استبعاد توجيه ضربة عسكرية أمريكية- إسرائيلية للجارة الإسلامية إيران، في وقت لا تكف جهات مختلفة من الحليفتين عن التصريح عن هذه النية، بل وكشف السيناريوهات المحتملة للضربة، والإعداد العسكري واللوجستي لها على مرأى ومسمع من العالم؟!

أذن دعونا من هذه الأوهام، فلا إسرائيل ولا أمريكا يمكنهما أن تسمحا بقوة نووية في هذه المنطقة مكافئة أو شريكة أو رادعة للنووي الإسرائيلي، فهذا الهدف على رأس أولوياتهما الإستراتيجية.

وفي ضوء هذا دعونا نقرأ زيارة الرئيس الإيراني للمملكة العربية السعودية، ومن هذا المنظور تكتسب أهميتها الاستثنائية التي استحقت هذه المتابعة المكثفة من كافة الأطراف المعنية بملفات المنطقة الساخنة في فلسطين المحتلة، ولبنان المتوتر، والعراق المحترق، والأطراف ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بكل ملف من هذه الملفات.

إلا أن الملف العقدة التي تلتقي عندها كل هذه الملفات هو الملف النووي من ناحية والكيفية التي تريد به أمريكائيل معالجته.

فتوجيه ضربة إلى إيران ولا شك سيحدث تأثيراً كبيراً وعميقاً على سائر هذه الملفات، بل وسيتجاوزها بما سيحدثه في منطقة الخليج بالدرجة الأولى.

صحيح أن برنامج إيران النووي، ولأكثر من سبب ولعدة اعتبارات يسبب قلقاً لدول الجوار الخليجية التي لا ترغب في أن تصبح ساحتها حلبة سباق من هذا النوع. ولكن تقلق هذه الدول -من ناحية أخرى- الحلول التبسيطية الساذجة الأمريكية الكارثية، التي تحاصر، وتحصر نفسها في خيار القوة العسكرية كحل، بعد أن أعلنت على لسان كيسنجر موت الدبلوماسية واستغناءها عن السياسة الخارجية، وعدم حاجتها لها!

هذا هو واقع الأزمة الذي تتحرك فيه، بحكم مسؤوليات دورها وموقعها السياسي والاقتصادي والجيوبلوتيكي في المنطقة. وإذا كانت الرؤية الأوروبية تقترب بهذا القدر أو ذاك من الرؤية العربية، فإن بُعدها الجغرافي عن (قلب) بؤرة الغليان لا يضغط عليها، وبالتالي فإنه يقصيها من مسؤولية البحث في كل الخيارات والمبادرات والأفكار التي تنزع فتيل الانفجار.

وبالرجوع إلى العنوان الأبرز لاجتماع وزراء الخارجية العرب في دورته الـ127 التي عقدت بالقاهرة يوم الأحد (4 مارس)، حيث رحب الاجتماع باتفاق مكة الذي رعته السعودية، ودعا إلى كسر الحصار المفروض على الفلسطينيين، مشدداً على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وفقاً لما جاء في مبادرة السلام العربية وخريطة الطريق وقرارات الشرعية الدولية، ومشدداً على ضرورة حل المليشيات وإنهاء المظاهر المسلحة في العراق.

وفي إشارة لافتة كلف المجلس الهيئة العربية للطاقة الذرية بالإسراع في وضع خطوات إستراتيجية عربية خاصة بامتلاك العلوم والتقنيات النووية للاستخدامات السلمية لها في الدول العربية حتى العام 2020م.

هذه الملفات والقضايا وبكل تفاصيلها شكلت أجندة وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في دورتهم (102) التي عقدت في الرياض في اليوم التالي (الاثنين 5 مارس) لاجتماع وزراء الخارجية العرب، حيث نوقشت الأوضاع في كل من العراق ولبنان والقضية الفلسطينية، والملف النووي الإيراني، والاطلاع على نتائج القمة السعودية - الإيرانية، إلى جانب الموضوعات المتعلقة بمسيرة العمل الخليجي المشترك في مختلف جوانبه ومجالاته ومستوياته.

وأيضاً، كان أهم ما استمع إليه الوزراء الخليجيون في اجتماعهم هو تقرير الأمين العام لمجلس التعاون عبد الرحمن العطية عن البرنامج النووي لمجلس التعاون ونتائج زيارته إلى فينيا ومقابلة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي لإعداد الدراسة الخاصة بالبرنامج النووي السلمي المشترك لدول المجلس، مجدداً الدعوة إلى جعل منطقة الشرق الأوسط برمتها خالية من أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الأسلحة النووية لما لها من آثار تدميرية سالبة على السلم والبيئة في المنطقة، وأن ذلك غير ممكن التحقيق -كما عبر أمين المجلس- إلا بانضمام إسرائيل إلى باقي دول المنطقة في اتفاق حظر الأسلحة النووية والالتزام به.

وغير بعيد من هذه الاجتماعات والتحركات تقع القمة العربية في الرياض التي لم تهدأ حركة مقارها الرسمية والخاصة بحثاً عن آفاق حلول لأمهات المشكلات الساخنة في فلسطين ولبنان والعراق، بين استقبال ووداع متعجلين.

ويبدو أن قدر الرياض في هذه المرحلة هو أن تستأنف ما بدأته من معالجات، وأن تحاول في هذه القمة التي تستضيفها إيجاد صيغة شاملة، أو حزمة شاملة لمعالجة كافة هذه القضايا، نظراً إلى تشابكها وتداخلها الواضح.

وبالطبع فإن هذا بالضرورة يعني أن على قادة هذه الدول أن يتوصلوا فيما بينهم - وبالإجماع- إلى موقف موحد لمعالجة هذه الأزمات خاصة وأن الأطراف المباشرين في كل واحدة من هذه الأزمات يحمل رؤية مختلفة للحل الداخلي، وإن وحدتهم العناوين الرئيسة والأهداف النهائية. فما بين حماس وفتح، والحكومة والمعارضة والمليشيات المتقاتلة، في كل من فلسطين ولبنان والعراق، بل وحتى في دارفور والصومال من اختلاف الرؤى في حل الإشكالات الوطنية ما يؤجج نيران الحروب الأهلية ويزيدها اشتعالاً.

والأمر نفسه ينطبق على مواقف الدول العربية -أو بعضها- في رؤية كل منها لأسلوب إدارة الحوار مع كل طرف من الأطراف الثلاثة المعنية أو المتورطة في أزمات المنطقة بشكل مباشر: أمريكا وإسرائيل وإيران.

حسناً.. يبدو من حسن الطالع هنا أن جزءاً كبيراً من أوراق الضمان العربية هي الآن بيد السعودية، نظراً إلى الدور الكبير الذي لعبته حتى الآن في إدارة الحوار بين مختلف الأطراف.

فالمبادرة العربية التي اعتمدت إقليمياً هي سعودية..

واتفاق مكة بين حماس وفتح لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، والآن هي اللاعب الرئيس بالمنطقة في إطفاء الحريق اللبناني، ثم وهي التي تكتسب مفاوضاتها المتتابعة مع إيران قيمة استثنائية فيما يختص بأمن منطقة الخليج.

وهذا، فيما هو واضح، يضاعف من جرعات التفاؤل بإمكانية أن يتمخض عن هذه القمة برنامج عمل سياسي يضع أقدام الجامعة العربية في الطريق الصحيح، لأول مرة، والذي يقود إلى لملمة التشتت العربي من متاهته وتخبطه، نحو عمل عربي مشترك يتصدى لهذه الأزمات النوعية التي لم تخبر الدول العربية مثل تجاربها من قبل.

ومن زاوية معينة يبدو للمراقب عن كثب، أن الملف الإيراني يكاد يكون القاسم المشترك الأعظم في هذه التوترات، بالطبع باعتباره عاملاً مستجداً، وإلا فإن إسرائيل هي القاسم المشترك الأقدام في أزمات المنطقة.

وأياً كانت حجج إيران والمبررات التي تسوقها، وأياً كانت شرعية حقوقها في مشروعها النووي، فإن هذا المشروع يلقي بظلال كثيفة عن أمن واستقرار المنطقة، أرادت إيران هذا أم لم ترد.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«7692» ثم أرسلها إلى الكود 82244

*أكاديمي وكاتب سعودي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد