Al Jazirah NewsPaper Tuesday  27/03/2007 G Issue 12598
مقـالات
الثلاثاء 08 ربيع الأول 1428   العدد  12598
الحوار الوطني:خيار إستراتيجي أم مرحلة انتقالية؟
د. صالح بن ناصر الشويرخ

لقد حظيت لقاءات الحوار الوطني التي أمر خادم الحرمين الشريفين بإقامتها في جميع مناطق المملكة بمتابعة عدد كبير من الناس على اختلاف طبقاتهم وتوجهاتهم واهتماماتهم، كما حظيت التوصيات التي خرج بها كل لقاء من اللقاءات التي أُقيمت حتى الآن باهتمام القيادة الرشيدة وبتفاعل المواطنين والكتّاب والمثقفين، كما أن ردود الأفعال تجاه فكرة الحوار الوطني وتطبيقها تبشر بالخير، ولكن ماذا بعد كل هذه اللقاءات؟ هل سنكتفي باللقاءات والحوارات؟ هل سنكتفي برفع التوصيات والمقترحات؟ هل سنكتفي بمتابعة لقاءات الحوار الوطني عبر وسائل الإعلام؟ يبدو لي أن الإجابة عن هذه الأسئلة مرتبطة إلى حدٍ كبيرٍ بمدى تمسكنا بالحوار الوطني خياراً إستراتيجياً لا يمكن أن نحيد عنه في أي ظرفٍ من الظروف ومهما كانت الأسباب؟ هل نحن عازمون على جعل الحوار ثقافة وطنية نلجأ إليها في كل زمان ومكان؟ هل نحن عازمون على الاستمرار في الحوار، أم أن المسألة وقتية مرتبطة بالفترة الحالية وسوف تنتهي بزوال الأسباب التي دفعتنا إلى الحوار وجعلتنا نشعر بأهميته؟ هل نحن عازمون على مشاركة الجميع في الحوار الوطني، أم أننا نريد أن نقصر الحوار على مجموعة من المثقفين؟

أنا على يقين بأن الملك عبد الله عندما وجّه بإقامة لقاءات الحوار الوطني وحظيت بدعمه ومساندته كان يهدف إلى أن تعم ثقافة الحوار وتشيع بين الناس وتصبح المحك الذي نحتكم إليه. لذا يجب أن يصبح الحوار خياراً إستراتيجياً وسياسة وطنية، يجب أن يصبح جزءاً من منظومتنا الفكرية والثقافية والتعليمية والتربوية، يجب أن يصبح الحوار مفهوماً شعبياً وليس مجرد نظرية نخبوية، يجب أن تصبح ثقافة الحوار فلسفة سعودية يؤمن بها الجميع، وتتسلل إلى جميع مناشطنا الحياتية ويتدرب عليها الناشئة منذ نعومة أظفارهم، وألا تكون مجرد ردة فعل. ولكن من المهم أن نُدرك حقيقة مهمة وهي أننا يجب ألا نعول في كل ذلك كثيراً على لقاءات الحوار الوطني، فهي قد تتوقف في أي لحظة أو قد يضمحل دورها ويقل الاهتمام بها، كما أنها لن تكون قادرة على تحقيق كل الأهداف التي تحدثت عنها. أنا لست ضد لقاءات الحوار الوطني ولا أستطيع أن أقلل من أهميتها وآثارها الإيجابية، بل إنني على المستوى الشخصي تفاعلت مع تلك اللقاءات ومحاورها المتنوعة خصوصاً أنها تلقى اهتماماً ورعايةً ومتابعةً شخصية من الملك عبد الله وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز -حفظهما الله-، لكن من المهم أن نعتبر تلك اللقاءات مجرد بداية في طريق طويل نحو الوصول إلى تأسيس ثقافة الحوار التي لن تتحقق إلا من خلال بوابة التعليم. إن مشاهدة الإنسان للقاءات الحوار الوطني عبر شاشات التلفزيون واستماعه إلى مجموعة من المثقفين وهم يتبادلون الآراء ووجهات النظر لن يحول المرء من شخص غير محاور إلى شخص محاور يؤمن بالحوار ويجيد فنونه ومهاراته، بل الحوار يحتاج إلى ممارسة وتدريب، ويتطلب التخلي عن بعض القناعات وتغيير بعض التوجهات الفردية والجماعية، وهذا كله لن يتحقق بسهولة، بل يتطلب تفكيراً وتخطيطاً وكثيراً من التضحيات.

يجب أن تنتقل حلقات ومنتديات ولقاءات الحوار الوطني من الصالات والقاعات والفنادق إلى الفصول الدراسية والقاعات الجامعية، يجب علينا نقل ثقافة الحوار إلى مناهجنا وكتبنا المدرسية. إن الحوار الوطني الذي بدأ قبل بضع سنوات لن يحقق ما نصبو إليه إلا إذا أصبح جزءاً من الثقافة المدرسية التي يتعرض لها ويمارسها الأطفال والناشئة وطلاب وطالبات الجامعة يومياً في كل يوم دراسي، بل وفي كل مادة دراسية.

إن غرس ثقافة الحوار وآدابه ومهاراته وفنونه وإستراتيجياته وإجراءاته يتطلب إحداث تغيير جذري في الطريقة التي يفكر بها الناس، وهذا يستلزم إحداث تغييرات أساسية في الثقافة المدرسية، وما يرتبط بها من مناهج وكتب ومواد تعليمية وطرق تدريس وأنشطة تعليمية وما يتصل بها من لوائح وتشريعات وقوانين.

إن ثقافة الحوار لا يمكن أن تنتشر في المجتمع إلا إذا كان المعلم و(المعلمة) متشبعاً بها، مؤمناً بأهميتها، قادراً على التفكير من خلالها، مستعداً لتقديم تنازلات من أجلها، مدرباً على فنونها وآدابها، قادراً على ممارستها مع طلابه في كل لحظة، راغباً في نشرها والترويج لها، حريصاً على تدريب طلابه عليها.

إذا كنا نعتقد أن الحوار أصبح خياراً إستراتيجياً فيجب علينا أن نعيد النظر في الطريقة التي نعامل بها طلابنا وطالباتنا، يجب تغيير الصورة النمطية المرسومة للطالب في أذهان العاملين في القطاع التعليمي، يجب أن تتغير الأدوار التي يلعبها الطالب في المدرسة. يجب أن يتدرب الطالب على مهارات حسن الاستماع والكلام والنقاش، بحيث يصبح قادراً على تفهم مواقف الآخرين والتفاعل مع آرائهم وتقبل وجهات نظرهم حتى يتمكن من المشاركة بفاعلية في الحوارات الوطنية المدرسية التي ينبغي أن تُقام كل يوم وفي كل حصة دراسية حول كل الموضوعات والقضايا التي تدرس للطلاب.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد