Al Jazirah NewsPaper Wednesday  28/03/2007 G Issue 12599
الاقتصادية
الاربعاء 09 ربيع الأول 1428   العدد  12599
فيما أشار التقرير الاقتصادي العربي الموحد إلى أن غياب الشفافية أبرز معوقاتها
(الجزيرة ) ترصد وقائع منطقة التجارة العربية الحرة

* الرياض - عبد العزيز السحيمي:

شكل إعلان قيام منطقة التجارة الحرة العربية تتويجاً لقرار القمة العربية المنعقد في القاهرة في يونيو 1996، الذي كلف المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية بالإسراع في إقامتها كخطوة كبيرة على طريق السوق العربية المشتركة، وقد اتخذ المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة العربية في فبراير من العام 1997 قراراً تضمن الإعلان عن إقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، خلال عشر سنوات تبدأ من أول يناير 1998 ووافق المجلس في نفس القرار على البرنامج التنفيذي لإقامة المنطقة الحرة متضمناً الأسس والقواعد والآليات التنفيذية والبرنامج الزمني للتخفيض في الرسوم الجمركية والضرائب ذات الأثر المماثل المفروضة على كل السلع العربية ذات المنشأ الوطني المتبادلة بين الدول العربية الأعضاء في منطقة التجارة الحرة العربية، وصولاً لإزالتها بالكامل في نهاية السنوات العشر (تم مؤخرًا الاتفاق على تخفيضها إلى 8 سنوات)، التي تعتبر بمثابة فترة انتقالية تقوم الدول الأعضاء خلالها بتكييف أوضاعها لتتواءم مع متطلبات وشروط إقامة هذه المنطقة الحرة. والتي بدأ التطبيق الفعلي لاتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في أوائل شهر يناير 2005م.

وتهدف الاتفاقية إلى الوصول إلى نسبة تخفيض جمركي تبلغ 100 في المائة بين 17 دولة عربية وقد شهدت الأعوام الماضية انخفاض حجم التجارة العربية من 10 في المائة إلى أقل من 3 في المائة لمجمل الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي شهدت فيه بعض الدول خارج المنطقة العربية نموًا كبيرًا في ثقلها الاقتصادي في العالم، وانخفضت معها أهمية الواردات العربية من 5.8 في المائة إلى 2.7 في المائة من الواردات العالمية.. أصبح التعاون الاقتصادي العربي ضرورة ملحة تمليها تحديات النظام العالمي الجديد المبني على تحرير المبادلات التجارية والتكتلات الإقليمية.

تجاوز التعقيدات

واعتبرت اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية المبرمة في إطار جامعة الدول العربية عام 1981، كإطار قانوني لإقامة منطقة التجارة الحرة العربية، وذلك بهدف الإسراع في قيامها دون الدخول في خضم التعديلات والتشريعات وإجراءاتها المعقدة والطويلة. وعليه فإن الدول العربية الأعضاء في هذه الاتفاقية هم أعضاء حكماً في منطقة التجارة الحرة العربية، أما الدول غير الأعضاء فيترتب عليها أولاً الانضمام إلى الاتفاقية لكي تصبح طرفاً في منطقة التجارة الحرة العربية، وتلتزم بتطبيق البرنامج ومنذ بداية عام 1998، بدأت الدول العربية في الانضمام إلى هذه المنطقة، باستجابات متفاوتة، وقد تطلب ذلك من بعض الدول العربية غير المنضمة إلى اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية الانتهاء من الإجراءات التشريعية والتنفيذية للانضمام إلي هذه الاتفاقية، التي كان عدد أعضائها عند إعلان منطقة التجارة الحرة العربية (16) دولة، وأصبح الآن (19) دولة، حيث ما زالت كل من الجزائر وجيبوتي وجزر القمر غير أعضاء فيها، وقد بذلت جهود في سبيل العمل العربي المشترك قبل إعلان عن هذه المنطقة. حيث تم التوقيع على عدة اتفاقيات تلخص جهود للعمل العربي المشترك وهي اتفاقية معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي تم توقيعها في العام 1995 بهدف إقامة تحالف دفاعي عن مصالح الدول الموقعة عليها وتم إنشاء مجلس اقتصادي، اسند إليه مهمة تنفيذ الجزء الاقتصادي من المعاهدة المذكورة الذي نص على قيام الدول المتعاهدة بالتعاون للنهوض باقتصادياتها واستثمار مواردها الطبيعية وتسهيل تبادل منتجاتها الزراعية والصناعية اتفاقية تسهيل التبادل التجاري وتنظيم الترانزيت: التي تم توقيعها في العام 1953 التي تعتبر أول اتفاقية اقتصادية عربية متعددة الأطراف لتحرير التجارة بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية التي وافق المجلس الاقتصادي لجامعة الدول العربية على توقيعها في العام 1957 التي قام بموجبها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية بهدف تنظيم العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية وإقامة وحدة اقتصادية كاملة فيما بينها يتم تحقيقها بصورة تدريجية وكذلك اتفاقية السوق العربية المشتركة: في إطار اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية تم في العام 1964 إنشاء السوق العربية المشتركة بقرار من مجلس الوحدة الاقتصادية وعضوية كل الدول الأعضاء في اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية وميثاق العمل الاقتصادي القومي واستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك: الذي تم توقيعه في العام 1980 بالإضافة إلى اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية: تم توقيعها في العام 1981 ودخلت حيز التنفيذ الفعلي في العام 1983.

الالتزامات المتعلقة بالعضوية

ويمكن تقسيم التزامات الدول العربية إلى ثلاثة أصناف رئيسية:

الرسوم الجمركية

إلغاء الرسوم الجمركية في غضون عشر سنوات بواقع 10% سنوياً اعتبارا من عام 1998، ويستثنى من ذلك السلع الواردة في البرنامج الزراعي العربي المشترك والسلع الممنوعة لأسباب دينية وأمنية وصحية.

الضرائب

إلغاء الضرائب ذات الأثر المماثل خلال الفترة المذكورة أعلاه وبالنسبة نفسها، ويتعلق الأمر بالرسوم التي تفوق مبالغها قيمة الخدمات المقدمة للسلع المستوردة كالرسوم المبالغ فيها المفروضة على تفريغ أو تحميل البضائع في الموانئ وكذلك الضرائب التكميلية على الواردات دون خدمة محددة ومباشرة كالضرائب على الدفاع وأيضا الضرائب التي تسري على المنتجات المستوردة دون المنتجات المحلية كالرسوم القنصلية، وحسب البرنامج التنفيذي يتعين دمج جميع هذه الرسوم ذات الأثر المماثل في هيكل التعريفة الجمركية بهدف إخضاعها للتخفيض.

القيود الكمية: إلغاء القيود الكمية.

وعلى خلاف الصنفين المذكورين الخاضعين للخفض التدريجي، يجب إزالة هذه القيود فوراً، إنها الحواجز غير الجمركية التي تمنع دخول السلع العربية والإجراءات النقدية المختلفة كالرقابة على التحويلات وتعقيدات فتح الاعتماد المصرفية وتعدد الجهات الإدارية المانحة لتراخيص الاستيراد، أضف إلى ذلك التعقيدات الحدودية والمبالغة في المواصفات القياسية، وبالتالي فإن المنطقة الحرة تفترض سريان إلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية على تجارة جميع أنواع السلع دون استثناء.

وقد وافقت دول الخليج الست على هذا المبدأ، وقدمت البلدان الأخرى قائمة بالسلع التي لا ترغب في تحريرها وحسب تقارير لجنة التنفيذ والمتابعة يتضح أن عدد السلع المستثناة بلغ 832 سلعة. وهذا يؤدي إلى التقليل من مصداقية المنطقة وتراجع دورها في تنمية التجارة البينية.. كما أن استثناء سلعة معينة من قبل دولة ما يعطي الحق لدول أخرى في استثناء سلع مماثلة وبالتالي تتسع دائرة الاستثتائات وقد تم وضع ضوابط تحكم الاستثناءات، واشترط أن تقدم الدولة المعنية المبررات المقنعة من الناحية الاقتصادية وألا تتجاوز مدة الاستثناء أربع سنوات وألا تزيد قيمة السلع المستثناة على 15% من قيمة الصادرات إلى البلدان الأعضاء في المنطقة والالتزامات المذكورة تقتصر على السلع المنتجة في الدول الأعضاء في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى.

غياب الشفافية

وتبرز بعض العقبات التي تواجه تنفيذ منطقة التجارة الحرة المتمثلة في غياب الشفافية التي أشار التقرير الاقتصادي العربي الموحد الصادر في شهر سبتمبر من العام 2001 إلى قيام بعض الدول العربية باتخاذ إجراءات خاصة لمواجهة حالات إغراقي، وقيام بعضها الأخر في إحداث تغيرات على عمليات التقييم الجمركي لغايات حمائية وإبرام اتفاقيات اقتصادية وتجارية ثنائية دون القيام بإعلام باقي الدول أعضاء المنطقة بالإجراءات والسياسات السابقة الذكر على الرغم من أثارها المباشرة وغير المباشرة على سير عمليات التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، الأمر الذي يشكل عائقا أمام تنفيذ المنطقة الحرة وذلك لكون عامل الوضوح والشفافية وتوافر المعلومات المختلفة حول الأسعار التبادلية والمواصفات والمقاييس والإمكانات الإنتاجية والاستيرادية وغيرها يعتبر من الأمور المهمة والأساسية التي تسهم في إنجاح عملية تنفيذ المنطقة.

وعليه فإن عدم قيام الدول الأعضاء بتوفير المعلومات حول السياسات والإجراءات التي تتبعها يؤثر سلبا في أداء المنطقة وكذلك التمييز في المعاملة الضريبية، حيث تقوم بعض الدول الأعضاء في المنطقة بفرض ضرائب على السلع المستوردة تختلف في نسبتها عن تلك المفروضة على مثيلاتها من السلع المحلية مثل ضرائب المبيعات، ضرائب الاستهلاك، ضرائب الإنتاج، ضريبة القيمة المضافة وغيرها من الضرائب مما يزيد من تكلفة السلع المستوردة ويحد من تنافسيتها للسلع المحلية، كما أن بعض الدول الأعضاء تقوم بفرض رسوم مختلفة على السلع المستوردة دون فرضها على السلع المحلية أو بنسب تزيد على تلك المفروضة على السلع المحلية مثل رسوم المطابقة للمواصفات، رسوم الكشف المخبري، الأمر الذي يقلل من فرص المنافسة العادلة مع المنتج المحلي ويكون بمثابة حماية غير جمركية الأمر الذي يتعارض مع روح الاتفاقية ويشكل عائقا أمام تطبيقها، كما أن بعض الدول تقوم بفرض رسوم خدمات تزيد في قيمتها على التكلفة الحقيقية للخدمة الأمر الذي يشكل مخالفة لنصوص الاتفاقية المتعلقة برسوم الخدمات ويعتبر من العوائق التي تحد من تنفيذ المنطقة الحرة، إضافة إلى القيود غير الجمركية التي تعد هي التدابير والإجراءات التي تتخذها الدولة الطرف للتحكم في الواردات لغير الأغراض التنظيمية أو الإحصائية، وتشمل على وجه الخصوص القيود الكمية والنقدية والإدارية التي تفرض على الاستيراد من أهم العقبات التي تعترض تنفيذ منطقة التجارة الحرة وتحرير التجارة العربية، وذلك لكونه لا يمكن الوصول إلى تحرير كامل للتجارة بمجرد إزالة التعرفة الجمركية دون إزالة كل العوائق غير الجمركية ، وتشير الدراسات والتقارير إلى قيام بعض الدول العربية بفرض قيود غير جمركية على وارداتها من الدول الأعضاء بهدف الحد من الكميات المستوردة الأمر الذي يخالف الاتفاقية ويشكل عائقا رئيسيا أمام تطبيقها ومن هذه القيود ما يلي: القيود والاشتراطات الفنية، التشدد في تطبيق المواصفات والمقاييس المحلية على السلع المستوردة وتعقيد إجراءات الحصول على شهادات الكشف والمطابقة.. وقد اشترطت اتفاقية منطقة التجارة الحرة مبدأ المعاملة الوطنية على السلع المستوردة وخاصة فيما يتعلق بالمواصفات والمقاييس واشتراطات الأمن والسلامة للإنسان والنبات والحيوان والبيئة وذلك لحين الوصول إلى مواصفات قياسية عربية موحدة والقيود الكمية والإدارية، ومن أهمها اشتراطات إخراج إجازة الاستيراد أو منع استيراد سلع معينة كليا لأغراض حمائية دون الحصول على استثناء بذلك، وكذلك القيود النقدية ومن أهمها قيام بعض الدول الأعضاء بفرض قيود على التحويلات النقدية نتيجة لظروف اقتصادية خاصة.

إلغاء القيود الجمركية

جدير بالذكر انه قد تمت مناقشة كل القيود السابقة الذكر خلال اجتماع لجنة التنفيذ والمتابعة الخامس في فبراير 1999، التي أصدرت مجموعة من التوصيات هدفت إلى التغلب على هذه المشكلة، تم اعتمادها من المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورة انعقاده العادية الثالثة والستين في نفس الفترة المذكورة، التي اشتملت على: أن تصدر الدول التي لديها قيود غير جمركية قرارات من الوزارات المعنية لديها، تنص بشكل واضح على إلغاء كل هذه القيود تجاه الدول العربية الأعضاء في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وإعلان ذلك في وسائل الإعلام الرسمية، مع إبلاغ الأمانة العامة بصورة من هذه القرارات، إضافة إلى دعوة الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية إلى الاستمرار في إعداد تقرير المتابعة حول تطبيق البرنامج التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة العربية، وذلك من واقع الممارسة العملية للتبادل التجاري بين الدول العربية، على أن يتم توسيعه ليشمل كل الدول العربية الأعضاء، مع الإشارة إلى المعوقات بالشفافية المطلوبة.

فيما لا تزال بعض الدول العربية تواجه بعض المشكلات الأساسية ذات الصبغة الاقتصادية التي أعاقت العديد من تجارب ومحاولات التكامل الاقتصادي والزراعي العربي ومنها ما زال يؤثر سلبا في تنفيذ منطقة التجارة الحرة ويحد من نمو التجارة البينية العربية التي من أهمها:

- تباين واختلاف النظم الاقتصادية والمالية وخاصة على المستوى التشريعي والتنظيمي والإداري والمؤسسي وضعف الأنشطة المصرفية والأنشطة الخدماتية والأنشطة المساندة للتجارة من تأمين ونقل واتصالات ولجوء بعض الدول الأعضاء إلى تخطيط عمليات الاستيراد من الخارج وفقا لموازناتها النقدية وكمية المتاح من القطع الأجنبي، الأمر الذي ينتج عنه تقييد استيراد بعض المواد مما يحد من عمليات التبادل التجاري ما بين البلد المستورد والدول الأعضاء في المنطقة ويشكل عائقا أمام تنفيذ الاتفاقية وكذلك ضعف القوة التنافسية للسلع العربية مقارنة مع الواردات المماثلة من الدول الأخرى من حيث السعر والجودة، وحيث إن العديد من الدول العربية الأعضاء في المنطقة داخلة في اتفاقيات تجارية دولية وخاصة اتفاقية منظمة التجارة العالمية فإن تدفق السلع الأجنبية إلى الأسواق العربية إلى جانب السلع العربية يحد من التجارة البينية العربية ويشكل عائقا أمام تنفيذ الاتفاقية وعدم الاهتمام بإقامة المشروعات العربية التكاملية وغياب أو ضعف المناخ الاستثماري يعتبر هو الآخر عائقا أمام تنفيذ الاتفاقية.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد