Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/04/2007 G Issue 12612
الاقتصادية
الثلاثاء 22 ربيع الأول 1428   العدد  12612
احتمالات مواجهة السوق العقارية أزمات تصحيحية
أما آن الأوان لبناء خرائط متكاملة للتطوير العقاري؟
د. حسن الشقطي (*)

تعتبر سياسة أو تحركات القطيع من أبرز الأسباب المفسرة لاختلالات وعدم كفاءة أسواق الأسهم، بما فيها السوق المحلية، حيث إن التحركات في عمليات البيع أو الشراء تتم ليس حسب عوامل ومبررات اقتصادية منطقية، ولكن بناء على معايير الشائعات والتقليد والمحاكاة وغيرها، ذات الشيء أضحى السؤال حوله في السوق العقارية، وبخاصة ما يرتبط بتحركات المستثمرين والمطورين العقاريين بشكل تحكمي أو توجيهي منهم أنفسهم بناء على مجرد رؤى شخصية أو رغبة في تقليد آخرين أو حسب شائعات معينة، وذلك بعيداً عن التخطيط المدروس أو حسب معلومات وبيانات دقيقة وصحيحة عن رغبات المتداولين أو جمهور المشترين. فكثير من المواقع المهجورة استثمارياً اتجه إليها مستثمر عقاري وخطط فيها، وما إن يلبث أن تنجح مخططاته حتى يندفع وراءه الكثير من المستثمرين لاتخاذ الخطوات ذاتها أملا في إحراز معدلات النجاح والعائد نفسه. فإذا نجحت هذه السياسة مرة أو مرات، فهل هناك ما يضمن نجاحها على الدوام؟ بل ألا يمكن القول إنه بعد عدد من العروض في أي موقع مهما كانت كثافته السكانية أو حجم الطلب العقاري فيه، ألا يحدث تشبع فيه؟ وإذا حدث هذا التشبع ألن تختل المعادلة وتصبح فجوة الطلب هي فجوة للعرض أو يصبح الموقع طاردا للمنتجات العقارية؟ وأخيرا، ما الآثار التراكمية للانقياد بلا دراسة أو تخطيط محكم في التطوير العقاري؟ وما دور غياب المعلومات في ضعف التخطيط الاستثماري العقاري؟ وما الحل؟

عشوائية حركة الاستثمار والتطوير العقاري

لا يختلف اثنان الآن حول وجود قدر من العشوائية في حركة الاستثمار والتطوير العقاري في السوق المحلية، فكل مستثمر يسير حسب عوامل العائد - التكلفة ليستثمر هنا أو هناك سواء بناء على توجيهات دراسات الجدوى السوقية أو ربما بناء على رؤية شخصية لمن يمتلك الخبرة في مناطق ومواقع معينة، وفي الغالب تقود هذه التحركات عوامل مثل نجاح المستثمرين في هذه المنطقة أو وجود البنية التحتية أو مرافق الخدمات أو التحركات العمرانية، وعلى الرغم من منطقية العوامل الثلاثة الأخيرة (وجود المرافق والبنية التحتية والتحركات العمرانية)، إلا أن العامل الأول وهو تحركات المستثمرين أو تكاثرهم على موقع أو منطقة معينة، يتصف ببعض اللا منطقية أو العشوائية. فنجاح أحد المستثمرين في منطقة معينة لا يعني أنه سينجح غيره فيها، كما أن نجاحه لا يعني أن منطقته قادرة على استيعاب كل مستثمر يتجه إليها، فكل منطقة لديها حدود معينة لاستيعاب العروض العقارية، بعد تجاوز هذه الحدود تصبح المنطقة طاردة عقارياً. وبالتالي فإن المُنتج الذي تم بيعه بـ 100 ألف ريال قد يصبح بـ 70 أو 50 ألفاً؛ نتيجة تشبع المكان بالمنتجات المعروضة.

على العكس توجد هناك مناطق جاذبة للاستثمار العقاري ولا يقبل عليها أحد ليس لشيء، ولكن للأخذ بالمقولة (إنه لو كان فيه خير لما تركه الطير)، يعني الجميع ينتظرون الجميع للتحرك في مناطق ليست جاذبة عقاريا فحسب ولكن تسمى بمناطق الذهب العقاري. وللأسف ما إن يكتشفها أحد المستثمرين وينجح فيها حتى تتوالى العروض والمنتجات حتى تتشبع المنطقة كاملا.

نعم سياسة القطيع لا تزال هي المسيطرة على تحركات صناع السوق العقاري.. مناطق مهجورة على الرغم من مزاياها وهي تنتظر.. ومناطق أخرى يتكالب عليها المستثمرون وتشبعت، إن هذه المشكلة لها عدة أبعاد، هي:

1 - غياب المعلومات.

2 - المحاكاة والتقليد.

3 - عدم الجرأة والإقدام وجبن رأس المال العقاري.

أسباب ضعف التخطيط الاستثماري

عندما كانت سوق الأسهم المحلية منتعشة منذ منتصف عام 2005 كان الجميع بمن فيهم من يخطط ومن لا يخطط يربح، من هو قادر على المضاربة ومن لا يعلم عنها شيئا، الجميع رابح بطبيعة ديناميكية المؤشر لأعلى فهناك على الدوام طلب فائق الزخم لا يخسر معه أحد مهما كانت أخطاؤه الاستثمارية، واستمر هذا الوضع حتى 25 فبراير 2006 عندما بدأ يطفو هذا الزخم الطلبي العالي، هنا بدأت تعود معايير المعرفة والمقدرة والكفاءة الاستثمارية من جديد للسوق، فلا يربح إلا من كان كفؤا، بشكل مشابه للسوق العقارية، أمس واليوم جميع المخططات والمشروعات العقارية شبه ناجحة مع الفارق في العوائد، ولكن غدا وبعد غد بدأت تتضح معالم أزمات وفقاعات كامنة ليس لشيء سوى التحرك العشوائي بعيداً عن التخطيط الصحيح نتيجة لغياب المعلومات، فحتى الآن لا توجد جهة متخصصة يمكن أن تقدم لنا خريطة متكاملة لحركة التداول أو الاستثمار أو التطوير العقاري على مستوى المملكة، بل نتساءل هل توجد خريطة تحدد لنا كم نسبة الكثافة السكانية إلى كثافة المنتجات العقارية في المناطق الرئيسية؟ بل هل يوجد بيان دقيق لحجم التطوير العقاري المنفذ أو في طور التنفيذ حسب المناطق؟ لسوء الحظ أنه بالبحث اتضح أنه لا توجد جهة تقوم بمثل هذه الخرائط باستثناء خرائط المسح التي تقوم بها البلديات، وهي لا تتضمن بيانات شاملة ومحدثة عن الاستثمار أو التطوير، وبخاصة أن كثيرا من هذه الاستثمارات أو المخططات أنجزت بشكل غير مرخص سابقا.

احتمالات حدوث أزمات تصحيح في السوق العقارية!!

البعض لا يأخذ مفهوم التصحيح في السوق العقارية بمأخذ الجد، فالتصحيح وارد في اعتقادهم في أسواق المال فقط، ولكن ما حدث ويحدث في سوق دبي لخير دليل على إمكانية حدوث أزمات التصحيح في الأسواق العقارية أيضا. ماذا حدث؟ زيادة مهولة في الاستثمارات التي يتم ضخها في السوق، وفي الوقت ذاته ارتفاع متتال في مستويات الأسعار، سواء أسعار وحدات التمليك أو حتى الإيجار. ويحدث ذلك كنتيجة طبيعية لزيادة أعداد الوافدين والمستثمرين في الإمارات عموما. إلا أن تسارع وتيرة حركة الاستثمار وكبر حجم رؤوس الأموال الداخلة في السوق العقارية، بلا شك أصبح ينبئ بحدوث تصحيح سعري في أي وقت. إن الجميع في السوق السعودية يراهنون على أنه لا مكان للتصحيحات السعرية في سوق العقار حاليا، ولكن النظرة الثاقبة للعشوائية في تحركات الاستثمار العقاري يمكن أن تغير هذه النظرة، وتؤكد أن السوق قد يقبل على تصحيحات ولو جزئية في مناطق ومدن معينة وربما قريبا. إن كل المناطق يتوقع أن تمر بتصحيح سعري عندما يخفت الطلب نتيجة ضعف المقدرة على الشراء أو عندما يزداد العرض نتيجة دخول مستثمرين جدد وذوي مقدرة مالية ضخمة إلى السوق أو كلاهما معا. بالتحديد، فإن التضخم السعري الذي بدأ مؤخرا، لن يتبعه إن استمر في ضوء عشوائية التطوير العقاري سوى اختلال بين العرض والطلب، الأمر الذي قد يدفع السوق إلى مسارات تصحيحية في المستقبل، فكيف نحافظ على السوق من ذلك؟

أما آن الأوان لبناء خرائط متكاملة للتطوير العقاري؟

إن التحرك العمراني الحالي والمستقبلي حسب توقعات النمو السكاني والعمراني بالمملكة وأيضا ضخامة حجم الاستثمارات ورؤوس الأموال الموجهة التي يمكن توجيهها إلى سوق العقار لهو كفيل بالقول عن حاجة ماسة للتفكير في بناء وتأسيس ليس سوقا عقارية حضارية ولكن لتأسيس بورصة عقارية تتولى الإشراف على كل حركة تداول المنتجات العقارية بأشكالها المختلفة. فالسوق يتوافر بها العارضون (المستثمرون والمطورون العقاريون) والطالبون (المتداولون والمشترون)، وكلاهما يمتلك القدرة المالية اللازمة لبناء هذه البورصة. نعم تم إنشاء وبناء مؤشرات عقارية توضح حركة تداول العقارات في المناطق الرئيسية، إلا أنها غير كافية. وعلى أقل تقدير فإن السوق أصبحت بحاجة ماسة وعاجلة إلى بناء خرائط استثمار/ تطوير عقاري تربط بين عنصرين، هما:

1 - كثافة التحركات السكانية والعمرانية في المناطق.

2 - كثافة تحركات الاستثمار والتطوير العقاري في المناطق.

منافع خرائط التطوير العقاري

إن السوق المحلية باتت تعاني من عجز إسكاني، سواء في سوق التمليك أو الإيجار وبخاصة في ظل النمو المتسارع لعدد السكان، لدرجة تتباين معها التوقعات بحجم وعدد الوحدات المطلوبة لتلبية هذا الطلب، الأمر الذي يتبلور حالياً في نمو وزيادة ملحوظة في أسعار العقارات والأراضي، إن بناء خريطة عقارية متكاملة لهو أمر مهم وذو طبيعة ملحة حالياً لما يلي:

1 - التعرف بدقة على مناطق العجز العقاري وتوجيه حركة الاستثمار العقاري إليها، وبالتالي علاج مشكلة الإسكان المتنامية حاليا.

2 - ضمان عدم حدوث تشبع في مناطق معينة وبالتالي عدم مقدرة المشروعات على تصريف منتجاتها، وبالتالي تعثرها ماليا.

3 - ضمان عدم حدوث تصحيحات سعرية قد تضر بمصالح المستثمرين العقاريين، بما يضعف حركة العمران.

(*) محلل اقتصادي ومالي

Hassan14369@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد