Al Jazirah NewsPaper Tuesday  24/04/2007 G Issue 12626
مقـالات
الثلاثاء 07 ربيع الثاني 1428   العدد  12626
كشف عنها المليك في الشورى
سلسلة مترابطة من المبادئ الإستراتيجية الإصلاحية
د. صالح بن سبعان*

ثقافة وصدق ووضوح خادم الحرمين الشريفين دائماً ما تحرج دعاة التغطية - ولا أقول الستر- وتدخل دعاة التخدير وعدم المواجهة في مشكلة مع أنفسهم. ولكنها وبالقدر نفسه تثلج صدور دعاة الصدق في المواجهة، وتستفزهم ليخرجوا ما في صدورهم.

هل لاحظتم صدى كلماته في آخر قمة عربية، وما أثارته من ردود أفعال اختلفت وتباينت في العالم العربي مثلما في الغرب وفي أمريكا؟!

نهج ومنطق جديد

هذا النهج يكاد يكون هو المعيار الوحيد الفاعل لفرز المواقف، وكشف ما لا يعلن منها على الملأ.

طريق المليك واضح أمامه، لذا فكلماته واضحة ومباشرة، لا يحتاج سامعها إلى كثير تعمق ليفهمها.

وهو يخاطب شعبه أمام أعضاء مجلس الشورى كان واضحاً وصريحاً - مثلما هو شأنه دائماً- حين أكد على ثلاثة مبادئ، من دونها لن يستقيم أمر لهذا الشعب وللوطن.

وإذا كانت هذه المبادئ الثلاثة: العدل، الوحدة الوطنية، المسؤولية، تمثل عوامل النهوض في أي مجتمع من المجتمعات، فإنها الآن وفي ظل انطلاقتنا النهضوية الإصلاحية الشاملة التي يقودها خادم الحرمين الشريفين، تعتبر بؤر مواجع وطنية. ولا يمكننا التعامل معها بجدية وصدق إذا ما ظللنا نتشبث بطروحاتنا البالية التي نؤكد بها لأنفسنا أولاً، بأننا متميزون دون خلق الله، وأن أوضاعنا على خير ما تكون، وإننا نسير في مقدمة العالم تقدماً حضارياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وأخلاقياً.

نحن الكاملون في كل شيء، ولا شيء ينقصنا، وأما من ينتقدنا فهو حاسد، وأن هذا (الحاسد) منا.. فهو مأجور أو تابع ذليل لغيرنا ممن يحسدوننا، أو ممن يكيدون لنا.

خطاب الملك في مجلس الشورى - مثلما في كل المواقع والمنابر التي تشرفت بوقوفه عليها - نسف وينسف تماماً هذا المنطق، ويؤكد بالدليل الخاطئ خطأه واعوجاجه.

ألا تشهد ساحاتنا الوطنية تجاذباً حاداً بين من يميزون أنفسهم بالإسلام في بلد الحرمين الشريفين التي يدين جميع أهلها بالإسلام ويولدون عليه، وبين من احتكروا الحديث باسم العصر؟ ألا تشهد النعرات القبلية والجهوية ازدهاراً حتى وصلت إلى الفضائيات؟.

إذن لماذا ننكر ذلك ونحاول إخفاءه.. هل هذه هي الطريقة الصحيحة لمعالجته؟.

مليكنا -حفظه الله وسلمه- قالها واضحة وأعلنها بلا لبس، أن (تأجيج الصراعات المذهبية وإحياء النعرات الإقليمية، واستعلاء فئة في المجتمع على فئة أخرى تناقض مضامين الإسلام وسماحته، وتشكل تهديداً للوحدة الوطنية وأمن المجتمع والدولة). داعياً مجلس الشورى إلى أن تكون الوحدة الوطنية في صدارة اهتمامه.

ومعلوم لدينا بالطبع أن الوحدة الوطنية هي صمام الأمان لتلاحم الشعب في وجه الفتن التي تعصف -كما نشاهد الآن- بشعوب شقيقة حولنا، وهي الضمانة الأولى للاستقرار.

إلا أن هذه الوحدة لا يمكن أن تتعزز، وهذا الاستقرار لا يمكن أن يتحقق ما لم تتحقق العدالة بين مختلف فئات وطبقات وأفراد أبناء الوطن.

وهكذا تبدو القضايا مترابطة في المنظور الملكي، يأخذ بعضها برقاب بعض، وكون الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي والاجتماعي مشروطين بسيادة العدل، هو ما جعل المليك المفدى يتعهد لمواطنيه أمام الشورى بأن يكون سيفاً مسلطاً على الجور والظلم بسطاً وترسيخاً للعدل، يطال هامتهما بالحق، إرضاء لله، وإحقاقاً للعدل.

إن فهم هذا التدرج بهذه المبادئ الحاكمة للنهج وبترتيبها هذا مسألة مهمة، حتى يُفهم على نحو سليم احتلال مبدأ المسؤولية والمحاسبة على تبعاتها المرتبة الثالثة بعد إقرار وتثبيت وتأكيد مبدأ العدالة.

إن هذا يعني بالدرجة الأولى أن المسؤولية في العمل العام لم تعد كما كانت قبل مجرد تشريف اجتماعي، أو وجاهة اجتماعية يسعى الناس للتشرف بحمل مسمياتها ومخصصاتها البراقة. فقد أصبحت تكليفاً وأمانة وطنية يتحمل شاغل وظيفتها مسؤولية أدائه لها، أمام الله، وأمام ولي الأمر وأمام المواطنين، عن أي خطأ مقصود، أو عن التهاون في النهوض بها على الوجه الواجب.

ويلاحظ المستمع لخطاب خادم الحرمين الشريفين أمام الشورى أو غيره من الخطابات أنه دائماً ما يؤكد على عدم الاستثناء من المسؤولية وتحمل نتائج أدائها، ويؤكد على أن لا أحد فوق القانون أو فوق المسؤولية.

وأوضح أن المعني بهذا ليس الأفراد وحدهم، وإنما المقصود الأفراد والمؤسسات معاً، وإنما بهدف تحقيق هذا الهدف قام المليك من قبل، وقبل أشهر قليلة بالتوجيه بتفعيل المؤسسات والآليات الرقابية والعقابية التي تضمن تحقيق هذه المبادئ والأهداف.

اعتقد أن ملامح بل وتفاصيل الإستراتيجية الإصلاحية التي وعد المليك مواطنيه بها، قد أصبحت واضحة أمامهم بهذا الخطاب الذي جاء شاملاً ووافياً وواضحاً.

فإذا وضعنا في الاعتبار أن الميزانية التي طرحت أمام الجميع مطلع العام المالي الحالي، وما رُصد فيها لتلبية احتياجات كافة القطاعات الخدمية والصناعية والزراعية والاستثمارية والتعليم والتدريب والرعاية.. الخ. بما يمكِّن هذه القطاعات من القفز لتحقيق كافة خططها وطموحاتها.

الأمر الذي يعني تأمين الغطاء المالي والعيني لافتتاح مرحلة نهضوية أخرى في تاريخنا المعاصر، تتصل بما سبقها من خطوات خلال مسيرتنا الوطنية منذ التوحيد على يدي المؤسس التاريخي والاستثنائي الملك عبدالعزيز - رحمه الله - مطالع القرن الميلادي السابق.

والآن، وقد حدد المليك لنا ما ينبغي تحقيقه من طموحاتنا وأحلامنا، وأوضح سياج المبادئ الذي يسيج الحقل الذي نعمل فيه من: وحدة وعدالة ومسؤولية، يتساوى جميع المواطنين في ظلها، ووضع بين أيدينا الوسائل والآليات التي تكفل لنا تحقيق هذه الطموحات والتطلعات، لم يبق علينا سوى أن نستشعر مسؤولية ما نحن مقدمون عليه، وأن نشمر عن سواعد الجد والصدق لنرتقي بأنفسنا وبهذا الوطن الشامخ المعطاء.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7692» ثم أرسلها إلى الكود 82244

*أكاديمي وكاتب سعودي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد