Al Jazirah NewsPaper Tuesday  24/04/2007 G Issue 12626
الاقتصادية
الثلاثاء 07 ربيع الثاني 1428   العدد  12626
فيما يقترب حجم سوق التمويل الإسلامي من 3.8 تريليون ريال في 2010
البورصات الإسلامية طريق جديد لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية

* د. حسن الشقطي (*)

برز مؤخراً مدى التزايد الكبير في إقبال المؤسسات المالية العالمية بنوكا وشركات على بناء نوافذ إسلامية أو تأسيس فروع للتعاملات الإسلامية، هذه المؤسسات ليست إسلامية بالضرورة، وأحياناً يكون مؤسسوها غير مسلمين غالباً، فقط هي ترغب في التعامل حسب الشريعة الإسلامية. وقد حققت هذه المؤسسات نجاحات كبيرة وبدأت تتطور بسرعة مذهلة ليس إلا لأنها خلقت قنوات مفقودة لرؤوس أموال واستثمارات إسلامية كانت إما هائمة في الخارج أو راكدة في الداخل.

وخلال الأسبوع الماضي تم الإعلان عن الموافقة على قرار يقضي بتحويل سوق دبي المالي إلى سوق يتوافق مع الشريعة الإسلامية أو بورصة إسلامية، وهي تكاد تكون السوق الأولى التي تعمل عالمياً حسب قواعد الشريعة الإسلامية. وبذلك تحتل دبي المرتبة الأولى والمتقدمة من حيث الانفتاح الاقتصادي كأكبر منطقة تجارة حرة أو منطقة للتجمعات الاقتصادية، وكذلك في توافق تعاملاتها مع الشريعة الإسلامية. وهذا الفكر ليس فكراً شرعياً فقط، وإنما فكر شرعي اقتصادي بالدرجة الأولى، فهو يتحرك يميناً ويساراً ليجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية بأقصى سرعة وقوة ممكنة. إن طرح فكرة سوق دبي المالي الإسلامي في هذا الوقت بالتحديد أثار تساؤلات كثيرة حول أسواق المال الأخرى التي ينبغي أن تسعى جاهدة وبسرعة لخلق بورصات للتعاملات الإسلامية؟

مظاهر الإقبال العالمي على التعاملات الإسلامية:

يمكن رصد العديد من مظاهر تزايد إقبال المؤسسات العالمية على التعاملات الإسلامية كما يلي:

1- المساعي الحثيثة من العديد من المؤسسات المالية العالمية للاستثمار في المجال المصرفي الإسلامي، ومنها البنوك الفرنسية والسويسرية، بالإضافة إلى العديد من الجهات المالية البريطانية التي تسعى لفتح مؤسسات مصرفية إسلامية (حسب تقرير CNN).

2- يقدر عدد الأسهم التي تعتمد أصول الشريعة الإسلامية في مؤشر داو جونز للأسواق الإسلامية نحو1600 سهم وبرأسمال يصل إلى 9 تريليون دولار. كما يتفرع من هذا المؤشر 29 مؤشراً إسلامياً آخر والتي تغطي المنطقة بأكملها بكافة القطاعات الاقتصادية.

3- هناك مصارف عالمية عريقة تقدم خدمات مصرفية إسلامية، مثل: مجموعة (هونغ كونغ شنغهاي) المصرفية (إتش. إس. بي. سي) و(شيس مانهاتن سيتي بنك)، وكذلك ارتادت العديد من المصارف المحلية والإقليمية المرموقة مجال الصيرفة الإسلامية، كما ذكر د. محمد شريف).

أما على مستوى الدول الإسلامية، فقد برزت تحركات عديدة تمثلت أهمها فيما يلي:

1- ارتفاع عدد المؤسسات والبنوك الإسلامية في العالم من 176 مؤسسة في عام 1976 إلى 300 مؤسسة في 75 دولة (تقرير CNN وتقرير صندوق النقد الدولي).

2- قدرت أرصدة المؤسسات والبنوك الإسلامية في عام 2005 وفقاً لتقديرات المجلس العام للبنوك والمؤسسات الإسلامية بنحو 938 مليار ريال، تنمو بنسبة 15-25% (محل خلاف). وهذا يشمل فقط البنوك وشركات الاستثمار الإسلامية دون اعتبار للنوافذ الإسلامية للبنوك التقليدية التي تقدر بدورها في حدود 75 مليار ريال.

3- تزايد حجم الكيانات المصرفية الضخمة في منطقة الخليج، مثل (شركة البركة القابضة وبنك دبي الإسلامي ومصرف أبو ظبي الإسلامي وغيرها).

4- توجهات العديد من البنوك التجارية التقليدية إلى بنوك إسلامية، من أمثلة بنك الجزيرة وبنك الشارقة. كذلك تنامي عمليات تأسيس بنوك جديدة ترتكز معاملاتها المصرفية على أحكام الشريعة الإسلامية.

5- أعلنت العديد من حكومات الدول عن تقارب في أنظمتها المالية مع أصول التعامل الإسلامي، مثل باكستان والبحرين وغيرهما.

لماذا الإقبال الضخم من المؤسسات العالمية على التعاملات الإسلامية؟

إن اهتمام المؤسسات المالية العالمية بفتح نوافذ استثمارية إسلامية حول العالم أمر لم يعد خافياً حتى وصل إلى مانهاتن. كما أن مؤشري داو جونز والفاينانشال تايمز للأسواق المالية الإسلامية اللذين أنشئا عام 1999 ساهما بترسيخ مبادئ العمل المؤسسي الاستثماري الإسلامية (تقريرCNN). لم يقتصر الأمر على ذلك، ولكنه يمتد أيضاً لكثير من البورصات العالمية، فاليابان داخلة بقوة في سوق السندات أو الصكوك الإسلامية، وبورصة تايلند في طريق إطلاق مؤشر مخصص للاستثمارات الإسلامية، وكذلك الحال في بورصة سنغافورة.

إن هذا الإقبال الملحوظ من المؤسسات المالية التقليدية العالمية ليس دعماً للتعاملات الإسلامية، كما أنه ليس حرصاً منها على تعزيز وترسيخ مبادئ الشريعة، ولكنه اقتناص لفرص استثمارية باتت سانحة، وأصبحت هائلة، إنهم يدركون أن الجزء الأكبر من هذه الأموال -وبخاصة من لم يهاجر منها- لن تقبل إلا بتعاملات إسلامية. ولذا فإنهم قدموا ويقدمون وسيقدمون أي شكل تستوجبه وتتطلبه هذه الأموال التي تأبى إلا أن تتحرك في سياق شرعي. إن الأمثلة كثيرة وكثيرة من بنوك ومؤسسات ومؤشرات تحولت وتأسست بناء على نسق إسلامي.

تداعيات توجب التفكير في خلق المزيد من المؤسسات المالية الإسلامية:

توجد العديد من الجوانب التي توجب الآن التفكير في بناء وتأسيس بورصات إسلامية، لعل من أبرزها:

1- يقدر حجم الأموال الخليجية المهاجرة بنحو 5.3 تريليون ريال، يعتقد أن حجم الأموال السعودية منها يقدر بنحو 2.65 تريليون ريال كما أشار أحد تقارير مجلس الغرف.

2- يعتقد أن حجم الأموال الخليجية العائدة خلال الأسبوع الأول من حادثة الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يقدر بنحو 300 مليار ريال (تقديرات ندوة حول التمويل الإسلامي العالمي).

3- من المتوقع أن يصل حجم سوق التمويل الإسلامي (وبخاصة في مجال العقارات) إلى حوالي 3.8 تريليون ريال في عام 2010 (تقدير شخصي)، تحت افتراض نسبة نمو تعادل 23% سنوياً.

هذا ورغم نشاط بعض الدول في مجال صناعة المال الإسلامية، إلا إن هذا النشاط لا يزال دون المستوى وأقل من المستوى المطلوب، بل أنه يمكن القول بأن البنوك التقليدية في الدول الإسلامية، وبخاصة في منطقة الخليج بدأت تخسر حصصاً سوقية هامة نتيجة غياب وافتقاد التعاملات الإسلامية.

الإعلان عن بورصة دبي الإسلامية:

معظم حكومات الدول الخليجية لا تخفي ضعف مقدرتها على جذب أموالها المهاجرة، إلا إنها مع ذلك لا تتقاعس عن ابتكار وسائل جديدة من آن لآخر لمحاولة استعادة أكبر قدر ممكن من هذه الأموال. ولعل الإمارات العربية من الدول السباقة في هذا المجال. فبداية انفتاح وحرية وتجارة، ثم تركيز على التعاملات الإسلامية. فسوق دبي يشار إليه بأنه الأكثر انفتاحاً ربما في العالم. ومع ذلك، برز مؤخراً كأكبر منطقة تتجميع فيها كيانات تتعامل بالشريعة الإسلامية. وفي هذا السياق، تم الإعلان خلال الأسبوع الماضي عند الموافقة على تحويل سوق دبي إلى سوق للتعاملات الإسلامية. إن هذه الخطوة سيكون لها مدلولات عميقة على حركة التجارة والصناعة ليس في دبي فحسب ولكن في الإمارات ككل. فهي ستجذب أموالاً جديدة، يعتقد أن النصيب الأكبر منها سيكون للأموال السعودية. فإذا كانت مبيعات الأجانب الأسبوعية من الأسهم تصل الآن في سوق دبي إلى ملياري درهم، فإنها يتوقع أن تتضاعف في ظل التحول لكيان إسلامي مؤسسي.

ضرورات للتفكير في بورصة محلية إسلامية:

إن أبسط درجات التحليل المتفائلة تؤكد أن بورصة دبي الإسلامية ستجذب مزيداً من رؤوس الأموال السعودية، بل إن المستثمرين السعوديين يُعتقد أنهم سيحتلون المرتبة الأولى في الأموال الجديدة التي يتم ضخها في هذه البورصة الجديدة. فإذا كانت نسبة الاستثمارات السعودية في الإمارات حالياً تشكل نحو 96.3% من إجمالي الاستثمارات السعودية في الدول العربية، وأيضاً إذا كان حجم الأموال السعودية في دبي لوحدها يقدر بنحو 60 مليار ريال، فإن هذه الأرقام قد تتزايد لتصل إلى حدود تؤثر على مسار التمويل المحلي خلال سنوات مقبلة إن لم تدرس سبل جذب وإبقاء هذه الأموال بعناية. إن حجم التدفقات المتراكمة للاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة بلغ في عام 2005 نحو 97.7 مليار ريال، في حين أن حجم الأموال السعودية المهاجرة يقدر بنحو 2650 مليار ريال. الأمر الذي ربما يعطي أولوية أكبر لدراسة سبل استعادة واسترجاع الأموال المهاجرة، والحفاظ على إبقاء الأموال الحالية على جذب الأموال الأجنبية.

وإذا كانت فكرة تقسيم سوق الأسهم قد طرحت في الماضي حسب المعايير المالية (سوق أولى للرابحين وسوق ثانوي للخاسرين) فإن الواقع الحالي قد يفرض ضرورات للنظر والتفكير في معايير جديدة للتقسيم سواء حسب الموقع الجغرافي (سوق الرياض وسوق مكة) أو حسب الطبيعة الإسلامية للتعاملات (سوق إسلامي وسوق تقليدي). فالمملكة أولى بوجود سوق تعاملات إسلامية، ومبررات نجاحه لا تحتاج إلى ذكر، بل إن تداعيات انفرداه عالمياً متاحة بطبيعة المكان. فالمكان والزمان والأموال وأصحابها والبيئة جميعها معايير لا يتوقع معها النجاح بقدر ما تفرضه... فهل نشهد سوقاً إسلامياً فريداً يمكن أن يجذب ليس أموالاً محلية مهاجرة ولكن جميع الأموال الإسلامية؟

(*)محلل اقتصادي ومالي

Hassan14369@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد