Al Jazirah NewsPaper Friday  27/04/2007 G Issue 12629
الرأي
الجمعة 10 ربيع الثاني 1428   العدد  12629
اكتئاب ما بعد الطلاق
عبدالرحمن بن عبدالله الصبيحي/ أخصائي نفسي

يعد اكتئاب ما بعد الصدمة أكثر أشكال الاكتئاب انتشارا من بين الأشكال المختلفة للاكتئاب. فكل صدمة - أيا كان شكلها - تصيب الفرد، يظهر لها آثار اكتئابية بعد مرور فترة زمنية غير محددة، فقد تكون هذه الفترة قصيرة كأن تكون بعد شهر من الصدمة أو طويلة تمتد لسنوات.

ومشكلة هذا الشكل من الاكتئاب في أنه يأتي بعد فترة من وقت حدوث الصدمة، بحيث يجهل الفرد العلاقة بينه وبين الصدمة السابقة. ومن هذا المنطلق فإن حدوث الطلاق بين الزوجين ينتج عنه في بعض الأحيان. ولدى بعض من الناس اكتئاب لا يظهر إلا بعد فترة من زمن الطلاق. بل إنه في حالات كثيرة تجد أن الزوجة لا تتأثر كثيرا بحدوث الطلاق، وتجد أن من حولها أكثر تأثرا وحزنا منها لحدوث الطلاق.

لكن الذي يحدث بعد مرور فترة من الوقت، نجد أن أقارب تلك الزوجة المطلقة قد زالت عنهم آثار الصدمة، وبدأت تظهر - رويدا - آثار ذلك الطلاق، من خلال عدة مظاهر، من البكاء والانعزال، والتفكير الدائم في ذكريات تلك الفترة من الحياة الزوجية، خاصة تلك الأيام الجميلة وفترة شهر العسل.

ومهما كانت تلك الزوجة على صواب في حياتها الأسرية السابقة، وأن سبب الطلاق كان بفعل تصرفات الزوج، إلا أنه في الغالب تبدأ مظاهر الندم على التفريط في ذلك الكيان الأسري، وتبدأ تتزاحم الأفكار السلبية حول أي تصرف سلبي حصل منها؛ ما يزيد من ندمها وحسرتها.

والملاحظ في هذا النوع من الاكتئاب أنه يصيب النساء أكثر من الرجال؛ لأسباب عديدة لعل من أهمها تعلق الزوجة بزوجها، وحاجتها الدائمة أكثر من الرجل للحب والعطف والحنان والأمن.

إن اكتئاب ما بعد الطلاق منتشر في جميع المجتمعات بنسب متفاوتة، يتحكم في زيادة نسبته أو انخفاضها درجة الحرية المتاحة للمرأة من حيث التصرف في حياتها الشخصية؛ لذا فإن المتوقع أن ترتفع النسبة في المجتمعات الإسلامية والعربية؛ لضيق نسبة الحرية الممنوحة للمرأة، بحكم التمسك بالدين والعادات والتقاليد. وحين أذكر هذه الحقيقة فلا يعني أني أدعو إلى إعطاء المرأة حرية مساوية للمرأة الغربية، بل إنني أطالب فقط بمنحها حقها من الحرية التي منحها لها ربنا سبحانه وتعالى.

إن اكتئاب ما بعد الصدمة عموما وما بعد الطلاق خصوصا لا يعد من الأنواع الخطيرة والمزمنة للاكتئاب خصوصا إذا أمكن تداركها منذ بداية ظهورها، فكلما كان العلاج مبكرا أمكن معالجتها والتخفيف من آثارها، ويعتمد هذا الأمر بعد توفيق الله على مدى تجاوب الفرد مع تعليمات وواجبات الأخصائي النفسي، وتطبيق ما يطلب منه على أرض الواقع.

وخلافا لكل ما سبق فإن هناك حالات تتعرض لاكتئاب ما بعد الصدمة ثم تتجاوزها دون الحاجة إلى زيارة الأخصائي النفسي، بينما هناك حالات تحتاج إلى تلك الزيارات حتى لا تتأزم الحالة، ويصبح علاجها صعبا إلى الحد الذي قد تصل في حالات قليلة إلى الإقدام على الانتحار. لقد أصبح من المعتاد في بعض الدول المتقدمة أن يلجأ الزوجان قبل اتخاذ قرار الطلاق إخصائي نفسي متخصص في القضايا الزواجية، وحتى بعد حصول الطلاق فإنهم يلجؤون إليه لتخفيف آثار الصدمة الناجمة عنه، لوعيهم بخطورة تلك الآثار، ولعلمهم بأن الطلاق في حد ذاته مؤلم للطرفين، وهو يشكل - في أبسط صورة - صدمة عاطفية؛ لأنه يأتي مخالفا لأحلام وأماني سنين عديدة عاشها الفرد قبل الزواج لم تتحقق، وتوجت بانفصال دائم بين الزوجين.

مجمل القضية التي أتناولها ورسالتها أن هناك خطرا قادما بعد الطلاق لا بد من الاستعداد له من خلال زيارة الأخصائي النفسي؛ لتجاوز معضلة تحمل قدرا من الخطورة، نستطيع من خلالها أن نخفف من آثارها ونقلل الضرر المصاحب لها، وفي نفس الوقت يحصل كل من طرفي الطلاق على تأهيل نفسي لمرحلة جديدة من حياته، في الغالب تكون نهايتها زواجا جديدا وتجربة جديدة، تحتاج إلى تقييم للماضي ورسم خطة وإستراتيجية للقادم.

وبالله التوفيق.

sobihi@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد