Al Jazirah NewsPaper Friday  04/05/2007 G Issue 12636
مقـالات
الجمعة 17 ربيع الثاني 1428   العدد  12636
خمسون عاماً على التجربة الحضارية الكبرى في مدينة الرياض
د. صالح بن سبعان *

ما يشغل بالي .. الآن وأنا أكتب هذا المقال عن الرياض، عاصمة المملكة السياسية، أيْ أكتب عن (عاصمة)، وليس عن مدينة، ذلك أنّ عواصم الدول غالباً ما تكون عن المؤرِّخين، ومدارسهم الحضارية، أنّها أرقى وأجمل تلك البقع والمواقع المتناثرة على خريطة العالم، أو المصوّر الجغرافي .. كما يقول الجغرافيون.

وحيث كتب من كتب من الأدباء والشعراء عن العواصم، أكثر مما كتبوا عن مدن أخرى - حتى وإنْ كانت مدن جمال وروعة وأبهة - فإنّهم، أولئك المبدعون، كان خيالهم وحسُّهم الحضاري صورة زاهية وناعمة عن تلك العواصم التي فُتنوا بها، وكان من بين أولئك المبدعين الذين هزّهم الشوق إلى تصوير جمال عواصم الدنيا، كان من بين هؤلاء الشاعر الإنجليزي العظيم: (جورج جوردون) وشاعر فرنسا وكاتبها الكبير: (الفردوي موسيه)، والروائي الفرنسي كذلك: (جور سان).

وقد ذهب هؤلاء الحضاريون بحسِّهم الحضاري، ولغتهم الأنيقة الإبداعية، إلى الافتتان بجمال العواصم، وخاصة تلك التي تستند إلى تاريخ عظيم وإرث حضاري كوّنته على مدى القرون، وسرُّ افتتان هؤلاء المبدعين أنّ عواصم الأمم عندهم، هي أنّ حياة تلك المواقع الإستراتيجية (أعظم ما في التاريخ من دروس الجد والنشاط، والاستفادة العلمية)، وبلا إسراف فإنّه من حقِّ هذه العواصم أن تسطِّر المزيد من المعرفة عن: (أنظمتها السياسية، وتطوُّرها التاريخي، وتحديد العوامل التي كوّنت عظمتها).

وفي سياق هذه المعاني، والأخلية، والحقائق، تبقى مدينة (الرياض)، العاصمة السياسية والثقافية كذلك واحدة من هذه العواصم التي عني الأدباء والشعراء بالحديث عنها، والحوار حولها بلغة فكرية وحسٍّ حضاري يضعها في المكانة اللائقة، وكان في مقدمة هذا الموقع، أنّ الرياض لم تثر عظمتها بصوت إعلامي ليعرفها الآخرون عبر هذه المحطات، وإنّما شيّدت مكانتها في ضوء رخاء اقتصادي وتجاري، علاوة على معطيات أخرى في ميادين الثقافة والعلم، وحفاظ المجتمع على عاداته وتقاليده، وموروثاته الإبداعية.

وهكذا قدر لهذه العاصمة السعودية أن تتربّع على عرش التقدم والتطوُّر، بما يلائم مكانتها التاريخية العظمية، ومن هنا وبلا عزلة - أقبل الناس على الاستفادة بما في هذه العاصمة العظيمة من العوامل الجغرافية والسياسية والاقتصادية التي كانت - في الأصل سبباً مباشراً في تكوين عظمة هذه العاصمة في ضوء هذه المعاني والحقائق، واستطاعت الرياض، أن تحقق لنفسها، قدراً عظيماً من الثراء والرخاء، وأن تكتسي بكلِّ حلل الترف والحضارة، وأنّ هذه الفلسفة الحضارية من شأنها أن توفِّر الاستطاعة لما يشرف الإنسان وهو ما يعكس - بواقعه - رهاناً ساطعاً على ما تستطيع أن تفعله الحكومة الرشيدة، من ثبات وقوة لضمان عظمة شعبها، ولتحديد موقع الرياض الإستراتيجي الجغرافي، فإنّها تقع على ضفاف وادي حنيفة وهي - في ضوء هذا - تشكِّل محور الحركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلاوة على ما تقدم، فإنّ استعادة مؤسس المملكة المغفور له الملك عبد العزيز لهذه العاصمة وقد كانت كذلك منذ اتخذها مؤسس الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبد الله عاصمة لدولته حينذاك، كانت استعادة موحِّد الكيان الكبير للرياض مرحلة بدء الحياة من الهدوء والاستقرار وطمأنة الناس على حياتهم، وتوفير الأمن للمجتمع في أرجاء المنطقة. ومما يزيد في أهمية الرياض من الناحية الإستراتيجية، أنّها مركز جذب للحركة الاقتصادية، مما جعلها - بحق - من أكثر مدن العالم نموّاً اقتصادياً وعمرانياً. وإذا كانت هذه مجرّد إشارة إلى موقع الرياض الاقتصادي، قياساً إلى ما في غيرها من عواصم أخرى عربية وأجنبية، فإنّ المجال الحضاري أيضاً هو ما تضمه هذه العاصمة من مناطق ذات حضارة عميقة، إذ إنّ منطقة الفاو وحدها - إضافة إلى مناطق لا يتسع المكان لسردها -، تحتضن آثاراً كثيرة، يعود تاريخها إلى حضارات ما قبل الإسلام.

وحين اختيرت الرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000م، كان الخبر تعبيراً عن هذا الاختيار، أنّ الرياض: (تمثِّل مركزاً شعاعياً مهماً في صنع الثقافة العربية التي لا ترتبط بسنة معيّنة، بل تفاعل مستمر ودائم). وقد جاء هذا الاختيار تقديراً من مجلس وزراء الثقافة العربية، ومن المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم: (اليونسكو)، نظراً للنهضة الثقافية التي تشهدها المملكة، وما تضطلع به من دور ريادي في إبراز عناصر الثقافة العربية والإسلامية والحفاظ عليها، وتأكيداً على ما تحقق لها من إنجازات كبيرة في كافة المجالات التنموية، وما وصلت إليه من نهضة ثقافية مميّزة، ولأنّ القاعدة المركزية الأولى في حركة التنمية، إنّما هي أساساً، تأتي في سياق الحركة الاقتصادية، فقد دلّت الدراسات الموثقة على أنّ أهم التطورات هي تلك التي حققتها القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بالرياض. وفي دراسة لجوانب شتى، كانت هناك معطيات عن دور البنية الأساسية والخدمات العامة في ما تقدمه من تسهيل للخدمات العامة، في ما تقدمه من تسهيل للخدمات بكلِّ جوانبها. وفي سياق الاهتمام بهذه العاصمة، وضعت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض برنامجاً يهدف إلى المحافظة على المعالم الطبيعية البارزة في المدينة وما حولها، وتطويرها وتهيئتها لاستخدامات تتناسب وضع كل منها. ومن ناحية أخرى، وفي مجال التطوير العمراني، تسعى الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض إلى مراجعة وتحديث أنظمة البناء في العاصمة. وهي كذلك ضمن نشاطها المتنوّع، وفي عداد تطوير النواحي الاقتصادية، تسعى نفس الهيئة إلى توسيع القاعدة الاقتصادية للمدينة عبر زيادة القطاعات الاقتصادية القائمة حالياً، يرفع فعاليات هذه الجوانب، ضمن إطار خطط التنمية وتوجُّهات التطوير الاقتصادي. وأيّاً كان الأمر فإنّني أدرك جيداً أنّ هناك من الإنجازات العلمية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، وما تحول دون التفعيل فيه، مساحة قصيرة لمقال يفترض أن يُنشر في صحيفة أو مجلة بقدر يعطي وجهة نظر، ويصعب أن يطيل الكاتب فيها بشيء من التوسُّع.

وفي سياق هذا الذي تقدّم، فإنّ صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة الرياض، يبقى المحرِّك الرئيسي لكلِّ جهد بنّاء، ولكلِّ حركة تطويرية في هذه العاصمة، وكيف لا يعطي جهده ووقته لتطوير العاصمة، وهو الذي عاش أوضاعها منذ كانت مدينة بسيطة في إمكانياتها ونموِّها وصعودها نحو التطوُّر والتقدم، وقد تابع هذا الأمير خطوات هذه المدينة، وكان يبارك كلّ جهد تطرحه جهات تنظيمية ومؤسسات ودراسات لمشاريع عملاقة. وحيث إنني أعرف شخصياً زهد هذا الرجل في الثناء عليه وإن كان حقاً له علينا، أنّه يبقى رجل المواقف من جهة، وإنسان البذل والعطاء، والذين يتابعون مشاريع وإنجازات مدينة الرياض، يعرفون جيداً وعن قُرب، أنّ هذا المسؤول العظيم وراء كلّ إنجاز تحقّق للرياض، ووراء دعم كلّ مشروع، وفق هذا كله فإنّ مواقفه الإنسانية، تبقى إطاراً إنسانياً وفكرياً لكلِّ عمل حقّقه للمدينة، وللناس، وللمجتمع.

* أكاديمي وكاتب سعودي

dr_binsabaan@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد