Al Jazirah NewsPaper Tuesday  05/06/2007 G Issue 12668
الاقتصادية
الثلاثاء 19 جمادى الأول 1428   العدد  12668
تحذير من فقاعة أخرى!!
فضل بن سعد البوعينين

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بدأت الأموال الضخمة في التهافت على السوق السعودية تحت غطاء محاربة الغرب الاستثمارات العربية. كنا، وبكل أمانة، سعداء بعودة الأموال المهاجرة على أساس أنها ستكون لبنة من لبنات البناء وتنمية الأوطان.

يبدو أن جزءاً لا يستهان به من تلك الأموال أُودع المصارف السعودية في رحلة (الترانزيت الخاصة)، والجزء الآخر تم توجيهه لسوق المال وفق استراتيجية الاستثمار المؤقت.

على الضفة الأخرى نشط البعض في رسم استراتيجية تضخيم سوق الأسهم وجذب الكم الأكبر من المواطنين إليها تحت ضغط الإغراء النفسي أو (الطمع الإنساني). اختلطت الأموال، وتحولت السوق المنضبطة إلى سوق مضاربية من الدرجة الأولى.

تضخمت الأسعار وتضخم المؤشر وزاد حجم السوق (القيمة الإجمالية) بمستوى الضعفين عن حجم الناتج المحلي الإجمالي. كانت مؤشرات الخطر تتعاظم يوماً بعد يوم دون أن تلوح في الأفق بوادر التدخل لوقف التجاوزات. منذ عام 2003 دخلت السوق السعودية ماراثون الارتفاعات إلا أنها زادت وتيرتها في عام 2005 ثم بلغت ذروتها في فبراير 2006.

سحبت الأموال بمجرد تجاوز المؤشر مستوى 20 ألف نقطة، وتراخت السوق بعدما فقدت قوة الدفع الخارقة التي تمتعت بها لفترة زمنية (محسوبة)! في أيام معدودات انهارت السوق، وتبخرت مدخرات المواطنين. انسلت أموال كبار المضاربين من سوق الأسهم وتحولت إلى الودائع البنكية ثم توجهت بصمت نحو سوق العقار الذي كان يشهد هدوءاً مشابهاً لهدوء واستكانة سوق الأسهم في عام 2002. خلال اثني عشر شهراً تقريباً تضاعفت أسعار العقارات في مناطق المملكة الرئيسة، وزادت نسبة ارتفاع بعض المواقع التجارية على 400 في المائة، خصوصاً في الرياض، وجدة، والخبر، والدمام وغيرها؛ أي أننا أصبحنا أمام فقاعة أخرى يبدو أنها في الطريق إلى الانفجار، إن عاجلاً أو آجلاً.

يبدو أن البنوك السعودية التي تعرضت صناديقها الاستثمارية لخسائر فادحة في سوق الأسهم لم تستفد من تجارب الماضي، ولم تعِ الدرس جيداً على أساس أنها بدأت تسوق للصناديق العقارية في سوق خطرة تفتقر إلى أدنى معدلات الأمان والشفافية، واستثني أحد الصناديق التي تدار بعقلية المالك الحصيف لا بعقلية مدير الصندوق!! وكما أنها تكبدت الخسائر بسبب ضعف استراتيجياتها الاستثمارية، ودخولها المتأخر في سوق الأسهم، فها هي تكرر الخطأ نفسه في سوق العقار؛ الفرق أن العملاء أصبحوا أكثر حذراً من ذي قبل؛ ما أدى بهم إلى الإحجام عن دخول الصناديق العقارية رغم الإغراءات الكبيرة والوعود الحالمة بتحقيق الأرباح.

هيئة السوق المالية شكلت فريقاً لتقصي أسباب العزوف عن الصناديق العقارية، وهي لم تكن في حاجة لتشكيل الفريق، وتحمل نفقاته على أساس أنها تستطيع أن تحصل على جميع الأسباب الجوهرية بمجرد سؤالها أياً من مساهمي صناديق الاستثمار في الأسهم، ولا أستبعد أن تكون إجابة المساهم البسيط مختصرة في: (من قرصه الداب يخاف من الحبل)، أما الآخرون فسيكتفون بقول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين).

نعود إلى أصل الموضوع؛ فعلاقات المصلحة المتبادلة بين مديري صناديق الاستثمار في الأسهم، وكبار المضاربين التي دارت حولها (الشائعات) يمكن أن تتكرر في سوق العقار الواسعة التي يصعب السيطرة عليها، أو التحقق من أدواتها الفاعلة. عجز البنوك عن التحقق من قيم الأسهم العادلة، التي استثمرت أموال المساهمين فيها، بالرغم من تخصصها في هذا المجال يجعلها أكثر عجزاً في تحديد القيمة العادلة للعقارات المستهدفة. الشراكة العقارية أو الاستعانة بالمختصين في شؤون العقار لن يحمي البنوك من الاستغلال، خصوصا أن مديري الصناديق يتعاملون بأموال الغير؛ ما يمكن أن يجعلهم أكثر مرونة في آليات التعامل! تضخيم قيم الأصول وتعظيم تكلفة التطوير والبناء يمكن أن يكونا من أهم عيوب الصناديق العقارية. واستشهد هنا بآلية تقييم البنوك المنازل المستهدفة بالتمويل المباشر (القروض الشخصية)، وتقييمها عقارات الرهن (الضمانات) التي أثبتت التجارب أنها تقيم بأعلى من قيمها السوقية (القيمة العادلة) بكثير. حقيقة لا أهدف إلى التشكيك في جدوى الصناديق العقارية؛ فهي من أفضل قنوات الاستثمار المتاحة، إلا أن التعامل معها (الاستثمارات العقارية) بعقلية البنوك ومديري الصناديق، ووجودها في سوق (مختطفة) تسيطر عليها القلة يمكن أن يفقدها الجزء الأكبر من الأرباح المستهدفة. هناك مشكلة أخرى مرتبطة بتوقيت الاستثمار، على أساس أننا نتحدث عن تضخم الأسعار وظهور ما يمكن أن يطلق عليه تجاوزاً (فقاعة سوق العقار)، وهي مشكلة عالمية دفعت بالكثير من بيوت الخبرة العالمية إلى تحذير عملائها من شركات العقار ووحدات الاستثمار العقاري. أشارت بعض التقارير الصحفية المتخصصة إلى أن (المؤشرات بدأت تشير إلى أن الفقاعة بدأت تتهيأ للانفجار مع انتشار حمى بيع أسهم شركات العقار لقناعة المستثمرين بانتهاء الطفرة).

هناك فارق كبير بين الطفرة الحقيقية ذات المراحل المنتظمة المفضية إلى النمو والاستقرار، وبين الطفرة المصطنعة التي تهدف إلى تضخيم الأسعار من خلال البيوع المشبوهة التي يُدخِلُها علماء الشريعة ضمن (بيوع النجش، والغرر)، والتي عادة ما تنتهي بتدمير المجتمع، وتَحَول الثروات من أيدي العامة إلى خزائن الأقلية. بعض ما يحدث الآن في سوق العقار يمكن إدراجه ضمن سياسة (التضخيم المتعمد للأسعار)، أو يمكن أن يكون الجزء الرئيس من استراتيجية بعض رجال المال القائمة على تبادل المراكز بين سوقي العقار والأسهم. وأكثر ما أخشاه أن يُستغل نظام القروض العقارية الجديد لتضخيم الأسعار وإحداث طفرة مصطنعة للعقار الذي يشكو التضخم وسوء التقييم.

لا بد أن تكون هناك سياسة عليا لتحقيق المنفعة التامة من القروض العقارية من خلال السيطرة على تضخم العقار، واستبدال مخططات الأراضي البور بمجمعات سكنية تحتوي على وحدات سكنية مشيدة حسب المواصفات القياسية، ومسعرة بقيم عادلة يمكن أن تحقق الربح للمستثمرين والمنفعة التامة للمقترضين.

السيولة الضخمة هي المحرك الحقيقي للأسواق، ومثلما تمكنت السيولة من السيطرة على سوق الأسهم والتحليق بها نحو الهاوية، ها هي تعود من جديد لتمارس دورها المشبوه في سوق العقار مشكلةً فقاعات جديدة أشبه ما تكون بفقاعات سوق الأسهم.. فهل نتعظ؟ وهل تتدخل الجهات الرسمية لكبح جماح التضخم الذي يوشك أن يقود المجتمع نحو الهاوية؟ أرجو ذلك.

f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد