Al Jazirah NewsPaper Tuesday  24/07/2007 G Issue 12717
مقـالات
الثلاثاء 10 رجب 1428   العدد  12717
(خُف السياسة الخارجية الأمريكية)
جانبي فروقة

تحولت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتحول العالم إلى عالم أحادي القطب إلى سياسة تدخلية تسعى إلى تغيير الأنظمة والعالم وفق العدسة الأمريكية ذات زوايا الانكسار الحادة التي تربط استقرار الأمن الداخلي في أمريكا بقدرة السياسة الأمريكية الخارجية على فعل ذلك وقد تعززت هذه الاستراتيجية بعد هجمات 11 سبتمبر.

كان السيناتور جون كيري (الذي خسر السباق للرئاسة أمام الرئيس جورج بوش) قد وجه انتقادات لاذعة للسياسة الخارجية الأمريكية في مؤتمر دافوس الأخير وأشار إلى ضرورة تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن هاجس تغيير الأنظمة والمشاركة أكثر في بناء علاقات والتزام بالقيم الأمريكية حتى ينظر الناس لأمريكا بصورة مغايرة بعيدة عن المعايير المزدوجة والنفاق السياسي طالبا من جورج بوش الابن التعامل مع الآخرين ليس من منظوره الخاص بل من واقع أولئك الشعوب التي تملك تاريخها الخاص وثقافتها وذلك كي تؤمن أمريكا حماية مصالحها بشكل أفضل وعن طريق الدبلوماسية وكي لا تؤدي السياسة الخارجية لإدارة بوش إلى نبذ الولايات المتحدة عالميا.

وبنظرة فاحصة للسياسة الخارجية لإدارة الرئيس بوش نلحظ منذ تولي الرئيس بوش سدة الحكم وخلال كيفية تعامل الرئيس الأمريكي مع القضايا الخارجية فبداية:

انسحب من معاهدته مع المجلس الأوروبي (كيوتو) للحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون.

ودعم استقلال كوسوفو في البلقان مما خلق توترا مع روسيا التي يرفض رئيسها بوتين أي إجراء يتم في البلقان على حساب صربيا لذلك يعارض بشدة استقلال كوسوفو ويهدد باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن ضد أي مشروع أوروبي لاستقلال كوسوفو، وبدأ حربا باردة جديدة مع الصين بإسقاط طائرة تجسس أمريكية وقتل طيارها، ومن ثم تعثرت مفاوضات السلام في الشرق الأوسط بسببه مما أدى لازدياد وتيرة العنف، بدأ حربا بادرة جديدة مع روسيا بالتحضير لخرق المعاهدة للحد من انتشار الصواريخ البالستية وانتهاء بعزم الولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء درع صاروخي في التشيك وبولندا ومعارضة روسيا الشديدة لهذا المشروع واعتباره تهديدا لأمنها القومي. حيث قال الرئيس بوتين: (لا أحد يشعر بالأمان في عالم أحادي القطب... إن عالما أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة الأمريكية أمر لا يمكن القبول به، وقد أدى إلى مزيد من الحروب والصراعات في مختلف العالم)

تحدى اتفاقيات حقوق الإنسان مما أدى إلى شطب الولايات المتحدة الأمريكية من عضوية منظمة حقوق الإنسان، وقام الرئيس بوش بشن الحرب والغرق في المستنقع العراقي رغم كشف زيف المزاعم والادعاءات التي استندت عليها الحرب في امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل ومما حدا بالخزينة الأمريكية إلى أن تنزف ما يقارب 450 بليون دولار (حتى يومنا هذا) وخسارة أكثر من3600 جندي أمريكي وجرح أكثر من 26 ألف جندي أمريكي (حسب الاحصاءات الرسمية) حيث إن التقديرات تشير إلى أن العدد يزيد على ذلك بكثير.

وطبعا بالنسبة للعراق فقد سقط في أتون العنف والحرب الأهلية وكانت نتائج الحرب على العراق منذ شهر مارس 2003م حتى يومنا هذا هو سقوط أكثر من 500 ألف قتيل والعدد في تزايد مع الهجمات الإرهابية اليومية ونزوح وتشرد أكثر من مليوني مدني.

ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية ماضية في فكرتها بإنشاء شرق أوسط جديد (كبير) وذلك رغم تعدد آليات هذه الاستراتيجية من غزو مباشر إلى محاربة الأنظمة المركزية في المنطقة وتبني أسلوب فكرة الفوضى الخلاقة التي أُجهضت في العراق وتمنطق دبلوماسية التحول التي فسرتها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس بأنها تسعى لدعم الجهود الفردية لمواطني المنطقة من المعارضة التي تسعى لبناء دولة ديمقراطية تتوافق في قيمها مع القيم الأمريكية وهذا ما يفضي إلى إذكاء فكرة اللا استقرار في المنطقة وتحولها إلى نار مستعرة تلتهم شعوبها ومقدراتها.

وعلى صعيد القضية الفلسطينية مارس بوش الضغوط لعدم الاعتراف بحكومة حماس والحجر عليها سياسيا وماليا مما أدى إلى تفاقم الأوضاع في غزة والقطاع والاقتتال الفلسطيني الداخلي وانهيارها.

وفي القضية اللبنانية ونتيجة انعدام التوازن بين قوى السلطة وانقسامها ازداد انقسام المجتمع اللبناني على بعضه وأصبح لبنان على شفير حرب أهلية.

إن خُف السياسة الأمريكية الخارجية الذي وطأ المنطقة لا يحتاج إلى أكثر من منظار عقلي لندرك أن التخبط والعجرفة الأمريكية وعدم التعامل مع الآخر من منطلق ثقافته وواقعه هي التي تقود العالم إلى الفوضى.

يُحكى أن أعرابيا عندما رأى آثار خُف ثور على الأرض قال لصديقه: إنني أرثي لحال هذا الثور الأعور الأعرج ذو الذيل المقطوع.

فتعجب صديقه وسأله: كيف عرفت أن هذا الثور أعور وأعرج وذو ذيل مقطوع؟ فتبسم الأعرابي وقال:

إذا أمعنت النظر في بصمة الخُف وعمقه في الأرض ستجده مائلا من أحد جوانبه أكثر وهذا دليل على أن الثور يعرج على أحد رجليه، وإذا ما أمعنت النظر أكثر في الطريق ستجد أن العشب في الطرف الأيسر مأكول وفي الطرف الأيمن متروك، لم يمس، وهذا دليل على أن الثور أعور في عينه اليمنى لذلك لم ير العشب وهو يمشي فتركه ولم يأكله، وإذا لاحظت روث الثور على الأرض ستراه متكتل وفي نسق واحد وهذا دليل على أن ذيله مقطوع لأن الذيل عادة ما يبعثر فضلات الثور يمنة ويسرة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد