بيروقراطية هذه المفردة التي أضحت كلمة تصدع بالرؤوس، وكلمة تشد أعصاب المتفائلين، وتربك حال الواعدين، إنها كلمة لا يزال فرسانها ضد المرونة، وضد التطور، فرسان يشعرون بروح التفنن في وصول أفكارهم المتحجرة مرحلة الشموخ، شموخ مستبد، مستبد تجاه التقدم والنجاح، وهؤلاء لا يعون أنهم ضد أوطانهم، ولا يعون أنهم حجر عثرة أمام التقدم والمنافسة، هم فئات من المجتمع لا تؤمن بالديمقراطية، ولا بمبدأ الثقة، وتجعل من وراء ظهرانيها كل تنظيم إداري ناجح يضفي إلى السمو الرفيع في تقديم الخدمة السريعة، وإرضاء المجتمع بما لا يضر مصالح العموم، لقد انعكس هذا الأداء الحجري إلى ضعف في الاقتصاد، وتباطؤ في النمو تجاه أفكار نيرة مبتغاة، وقلة في الاهتمام نحو بناء جسور مأمولة من التعاون لمجتمع واعد، ولعلنا هنا نضع مشاهد حقيقية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك صدق هذه الأقاويل بسبب أفعال أباطرة البيروقراطية ومن يتبعهم سواء داخل أجهزتنا الحكومية أو شبه الحكومية، وحتى في منشآت القطاع الخاص التي ترتبط أنشطتها بالنهوض بالناتج المحلي، فقد أكدت دراسة أعدها مركز التنافسية في الهيئة العامة للاستثمار، أن الاقتصاد السعودي يتكبد خسائر مباشرة وغير مباشرة تقدر بنحو ستين مليار ريال سنوياً (16 مليار دولار) جراء ضعف الإنتاجية والبيروقراطية في الوقت الذي يقدر فيه إنتاجية الفرد في القطاع الخاص بالدول التي تحتل مراتب متقدمة ما بين (40 و45) ألف دولار، فيما لا تتجاوز إنتاجية الفرد في القطاع الخاص بالسعودية 20 ألف دولار في القطاعات غير النفطية حسب تقارير التنافسية، ويتوقع الأستاذ عواد العواد وكيل محافظة الهيئة العامة للاستثمار لشؤون الاستثمار، أن تحتل السعودية المرتبة (48 و50) في تقرير (ويف) لمؤشر التنافسية الدولية وتنافسية الأعمال للعام الحالي (على التوالي) متمنياً أن تحتل السعودية المرتبة 30 بدلاً من 38 في تقرير البنك الدولي لسهولة أداء الأعمال، إن جهود الهيئة العامة للاستثمار جهود يشهد لها الجميع على أدائها، ويشكر العاملين فيها على تفانيهم ونشاطهم الدؤوب، لكن السؤال الواجب طرحه هنا، هو ماذا فعلت أجهزتنا الحكومية في دعم ومؤازرة هذه المؤسسة الحكومية النوعية، فلا نزال في الواقع نطالب مؤسسات حكومية ارتبطت أعمالها باقتصاديات البلاد بتقديم الدعم اللامحدود والمساندة الحقة لبلادنا، كما نطالبها بالبعد بل بالكف عن ممارسة الأنماط التقليدية في دفة الأعمال، والابتعاد عن انتهاج سياسة (راجعنا بكره) وبذل النفس والنفيس في جعل أنشطتنا كافة ذات تنظيمات يسهل على الجميع التعامل معها، وإجراءات مؤداها جذب استثمارات ترفع من دخلنا القومي وناتج محلي مبتغى، في ظل منافسات دولية شرسة إذا لم نع لها فنحن الخاسرون، تبقى لنا أن نعرف أن جراء البيروقراطية تخسر بلادنا 60 مليار ريال سنوياً و5 مليارات شهرياً و167 مليون ريال يومياً.

- كاتب اقتصادي

ناسوخ: 2697771-01