Al Jazirah NewsPaper Thursday  20/09/2007 G Issue 12775
الريـاضيـة
الخميس 08 رمضان 1428   العدد  12775
الرياضة والوطنية

تحتفل كلُّ دولة من دول العالم بيومها الوطني، لأنه يمثل نقطة تحوُّل في تاريخها، فهو في بعض الدول يمثل يوم إعلان الاستقلال عن المستعمر سواءً كان ذلك حرباً أم سلماً، وفي دول أخرى يعني تأسيس الدولة أو ميلادها. وفي المملكة العربية السعودية يذكِّرنا اليوم الأول من الميزان الموافق 23 سبتمبر من كل عام ذكرى مرحلة فاصلة في تطور المجتمع السعودي الحديث، شكلت في مضمونها وحدة وطنية رسم معالمها ووضع أسسها الملك عبد العزيز - رحمه الله - بتوحيده وإعلانه للمملكة العربية السعودية. هذا اليوم يحمل رؤية خاصة ترتبط فيه خصوصية الذكرى بنمط الاحتفال وذكرى التوحيد الذي أرسى قواعده الملك القائد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - أحد أعظم قادة العصر الحديث - الذي أسس أعظم وحدة عرفها التاريخ المعاصر.

إنها قصة حياة وجهاد وانتصارات قادها هذا الملك الفذ عبد العزيز والتي تعتبر ملحمة تاريخية وقصة كفاح فريدة وأسطورة زمانية خالدة، ذات فصول متعددة، كتبت أحداثها بكل اللغات، إنها تجربة نادرة جرت أحداثها الأولى في منطقة نجد قلب الجزيرة العربية النابض ومن ثم امتدت إلى أطرفها الشرقية عند ساحل الخليج العربي، لتصل غرباً إلى ساحل البحر الأحمر فتضم أرض الحجاز مهد النبوة ومهبط الوحي ومقر الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين أجمع في كل صلاة، ثم انطلقت تسير في بسط سلطانها جنوباً إلى مناطق عسير وتهامة وامتدت شمالاً لتلامس أرض الشام.

الوطنية هي تلك العاطفة القوية التي يحس بها المواطن نحو وطنه، والرابطة الروحية المتينة التي تشده إليه، وتوجب عليه أن يحب وطنه وأن يبذل كل ما في وسعه من أجل رفعته، وأن يضحي بكل ما يملك في سبيل الله ثم في سبيل المحافظة على سلامته وأمنه واستقراره، والوطنية الصادقة لا تكون بالقول بقدر ما تكون بالفعل، فهي تتطلب الإخلاص في العمل والصدق في التعامل والأمانة والغيرة على المصلحة العامة.

وتعتبر الرياضة من أحد أهم الاهتمامات التي توحد الناس وتؤلف بينهم وتزيدهم لحمة، خاصة إذا ما كان المنتخب الوطني أحد الفريقين، وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت: إن المباريات الرياضية التي يشترك فيها المنتخب الوطني هي من أحد أهم مجالات التعبير عن حب الوطن، وهي فرصة جميلة لإطلاق العنان للنفس في الإعلان عن هذا الحب المتأصل في النفوس السوية.

إن هذا الشعور النبيل نحو الوطن في المسابقات الرياضية ليس حكراً على مجتمع دون آخر وإنما هو جزء من التكوين البشري الذي فطر الناس عليه في العصر الحديث. الرياضة شعاع بين الحالة الصحية للبلد، والحاجات الاجتماعية للشباب، فالرياضة تؤدي وظيفة الصحّة والتربية البدنية وإلى تجنيد الشباب، والتكفل الاجتماعي للشباب، في بعض جوانبه .

وفي المملكة العربية السعودية، كما في البلدان الأخرى، تجد الناس صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً يهتمون بأمور وأخبار منتخباتهم الرياضية إلى درجة تعتقد فيها أن الجميع أصبحوا رياضيين أو محللين رياضيين من الطراز الأول، فهم في مجالسهم يناقشون ويحللون مباريات المنتخب قبل وبعد المباراة وكل فرد منهم بطريقته الخاصة وبأسلوبه المميز وحسب خلفيته الرياضية. وتتعالى الأصوات ويشتد الخلاف إلا أنه يبقى الوطن ومصلحته هما الدافعان الحقيقيان وراء هذا الحماس والحرص، وقد يكون هذا ما يميز الرياضة التي تخلق شعور الانتماء وتعززه فيندفع الجميع بكل عفوية في التصريح والتعبير بكل وضوح عن مشاعرهم وأحاسيسهم ليلتقي الجميع في الطريق والاتجاه نفسه وهو حب المنتخب الوطني، يوحدهم حب الوطن ورغبتهم في نصرته وتبوئه مكانة عالية ومرتبة رفيعة.

لقد اندمج أبناء الوطن فيما بينهم وأصبح حبه من حب الذات وعزته وكرامته من عزتهم وكرامتهم، وعندما يصل الناس إلى هذا المستوى من التآلف والتكاتف والاجتماع الراقي يكون ذلك قمة الحضارة والرقي الإنساني وعنوان التقدم ومقدمة للاستقرار والأمن والأمان.

ومن هنا أصبحت الرياضة عنصراً أساسياً في تطور الأمم وتقدمها ووسيلة لتربية أفراد المجتمع على أدب الاختلاف واحترام الرأي الآخر، وإدراك أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وأنه لا يزايد أحدٌ على وطنية الآخر إلا بمقدار ما يقدم من حب وعطاء للوطن، وأن كل فرد في المجتمع له أسلوبه الخاص في التعبير عن حب الوطن، وهو مجال واسع ورحب يتسع للجميع بمختلف أطيافهم ومشاربهم.ما أجمل أن ننتهج في حواراتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية النهج الرياضي الوطني، المبني على التسامح وحسن الظن ووضع الوطن فوق كل اعتبار والتخلِّي عن الأنانية البغيضة، ما أشدنا حاجة لنكون مثل الجماهير الرياضية التي تشجع المنتخب الوطني في المدرجات الرياضية وهي تعانق بعضها البعض في حالة الفوز وتواسي بعضها في حالة الهزيمة وتتجرّد من ميولها الرياضية تجاه أنديتها وتضع الوطن فوق كل اعتبار.

يمكن أن إيجاز أهم الأدوار التي يمكن أن تؤديها الأندية الرياضية في غرس معاني الوطنية والانتماء للوطن وخدمته له وللمواطنين على النحو التالي:- إعداد رياضيين وطنيين صالحين متمسكين بعقيدتهم الإسلامية الصحيحة، متخلّقين بالأخلاق الحميدة، متوجهين في الطرق السليمة المستقيمة، قائمين بواجباتهم خير قيام.

- تنمية روح الولاء لهذا الكيان العظيم في نفوس الرياضيين، وتعريفهم بكفاح الروّاد من أئمته وملوكه، وما بذلوه من جهود لتوحيده وإعلاء شأنه، وتأكيد وجوب السمع والطاعة لولي الأمر.

- تعريف اللاعبين والشباب بمؤسسات بلدهم، ومنظماته الحضارية، وأنها لم تأت مصادفة بل ثمرة عمل دءوب وكفاح مرير، لذا فمن واجبهم احترامها ومراعاتها والمحافظة عليها والمساهمة في تنميتها.

- أن تنمي الأندية الرياضية في نفوس الرياضيين احترام الآخرين، وعدم الاعتداء على حقوقهم وحرياتهم التي لا تتنافى مع الضوابط الشرعية والعادات الاجتماعية.

- غرس حب النظام واحترام القانون في نفوس روّاد الأندية الرياضية، وتربيتهم على قواعد الأمن والسلامة العامة.

- أن تحرص الأندية الرياضية على دفع الرياضيين المتميزين للمشاركات الرياضية الوطنية، وتنمي في مشاعرهم وأحاسيسهم أن الفوز ليس فوزاً للاعب فقط وإنما هو فوز وانتصار للوطن.

أخيراً: الرياضة والأندية الرياضية من أهم الوسائل الفاعلة في تحقيق أهدافنا السامية، فهلاّ ترجمنا الكلمات المكتوبة والخطب الرنّانة عن أدوار وأهداف الأندية الرياضة إلى واقع ملموس ومشاهَد في حياتنا العملية؟

حمد بن عبد الله القميزي- عضو مجلس إدارة نادي الشرق الرياضي
gomaiziy@hotmail



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد