Al Jazirah NewsPaper Friday  10/10/2007 G Issue 12795
متابعة
الاربعاء 28 رمضان 1428   العدد  12795
باب السلام في المسجد الحرام

تأليف الأستاذ الدكتور: عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان

تقديم د. عبدالهادي التازي

هذا تأليف يصدق عليه القول السائر: (تُشد إليه الرِّحال) ولا سيما بالنسبة لواحد مثلي عاش مع ذكر هذا الباب سنين طويلة وهو يؤرخ لأكثر من مائة رحلة حجازية، ويجد نفسه باستمرار أمام هذا الباب؛ باب السلام الذي يحرص الحجاج على ذكر الدخول منه إلى المسجد الحرام وكأنهم يؤكدون لنا: أنهم على معرفة جيدة بثقافة الحج، أو بالأحرى أنهم على علم من أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل إلى البيت العتيق من باب بني شيبة الذي سيحمل - بعد أعمال التوسيعات المتوالية - عبر العصور، اسم (باب السلام).

لقد تمنيت لو صدر هذا التأليف قبل أن آخذ في طبع كتابي (رحلة الرحلات) لاستفيد منه على الأخص عند الحديث عن (باب السلام) وما أدراك ما باب السلام!!

تأليف (باب السلام) إذن تأليف لتاريخ متواصل الحلقات لموقع كان أشهر المواقع باعتبار أنه كان موطئ قدم نبي الإسلام عليه السلام.

وتأليف (باب السلام) - نتيجة لهذه الحيثية - كان مركزاً تجتمع عنده كلّ الفعاليات التي تتناسب وعظمة الموقع.. وعلى رأسها تلك المكتبات التي تزخر بالمخطوطات التي تتناول كل حقل من حقول المعرفة.. المكتبات التي تعني مكتبيين من حمولة علمية وازنة، ليسوا مجرد باعة، ولكنهم علماء يستوعبون الكتب التي بين أيديهم، ويقدرون حواياها وثناياها، على نحو ما يعرفون أثمانها وقيمتها.. وجاء هذا التأليف الفريد ليُرضي استطلاعنا حول هذا الباب..

وكأي من حاج وقف عند هذا الباب فوصفه وأعطى نظرة عما يوجد حوله من متاجر تهتم ببيع الطيب والكحل والسبح، بمن في أولئك الحجاج المسلمون من كل الأقطار، وبمن فيهم أيضاً بعض من استطاع أن يصل إلى تلك البقاع من غير المسلمين، بوسائل خاصة، يعد الحديث عنها أيضاً من الطرف التي تروى..

لكن صاحب تأليف (باب السلام).. الأستاذ عبدالوهاب وقف بنا عند هذا الباب وقفة طويلة، أستطيع القول: إنها وقفة العالم الباحث الذي أخذ على نفسه أن يقدم الباب كما كان بالأمس وكأننا نعيش اليوم..!

كان عملاً تراثياً عميقاً لا يُقدره قدره إلا من يحاول أن يعرف اليوم عما كان وراء هذه الساحات الشاسعة التي تحيط الآن بباب السلام على مقربة من الضيافة الملكية، وماذا كانت تحتضنه من معالم وعوالم، وما كانت تتوفر عليه من حيوية وحركة.. وماذا كانت تمثله من نهضة علمية رفيعة المستوى.

بودي أن يقبل الأستاذ أبو سليمان تحيتي وتهنئتي معاً، فلقد شدني التأليف الذي صدر عن (مكتبة النهضة الحديثة) شدني شدا منذ أن حظيت بإهدائه إلي من سيد هبط بالكتاب من السماء على الدار البيضاء، في أمسية فيحاء، تعبق بالطيب والعطاء، كان هذا الأخ هو معالي الشيخ الدكتور إبراهيم الطاسان الذي قدمه إلي أخ وفي عزيز علي، هو سعادة الأستاذ فيصل المعمر..

لا أكتمكم أنني التهمت الكتاب التهاماً بمجرد ما تناهى إلي في تلك الأمسية التي حضرنا فيها تدشين الرواق الجديد للمؤسسة العلمية السعودية بالدار البيضاء وكان يصادف الخميس 14 جمادى الأولى 1428هـ = 31 مايو 2007م.

في طريق عودتي إلى الرباط.. لم أفتأ - وأنا على متن السيارة - أعلق وأكتب وأقف، مستعرضا الفهارس المتنوعة والصور والرسوم الأخاذة..

لقد أُخذت بالكتاب أخذا وأدركت جيداً أن المنطقة: منطقة (باب السلام) كانت جامعة بكل ما تحمله كلمة (الجامعة) من معنى، كانت سوقا نافقا اعتمدت عليه الحركة العلمية والأدبية في مكة.. لم يكن بابا عاديا، ولكنه كان بابا يتميز بثلاثة عقود على ما نرى، وما كان حديثا يفترى.

وقد تصدرت الكتاب شهادات كانت بدورها وثائق على ما يقوله الأستاذ أبو سليمان، لكن ما يستوقف القارئ حقا هو ما احتوى الكتاب عليه من موضوعات شيقة جعلت منه موسوعة خاصة (بباب السلام)، عما قيل عنه شعرا ونثرا، وعما كان حواليه إلى سنة التوسعة الكبرى عام 1375 هجرية الموافق 1955 - 1956 ميلادية، ثم كانت إطلالة تاريخية على سوق الوراقة في مكة..

ويأتي بعد كل هذا، الفصل الثالث الذي تطرب له المثاني والمثالث، وهو يستعرض أسماء المكتبات التي كانت منتشرة على باب السلام، والتي كانت قبلة للعلماء وكانت أرض ميعاد للحكماء والأدباء وعيون الطلبة..

هذا الفصل أسلمنا إلى الفصل الرابع والخامس والسادس والسابع، وكلها فصول تذكرك بما كان هنا من مراكز ثقافية عالية.. تجعلنا نستحضر مدى الحسرة والألم التي كانت تتملك أولئك المصلحين الذين كانوا يجدون أنفسهم أمام ضرورة التوسعة، التي كانت تقتضي الإتيان على تلك المكتبات التي نشعر بالمتعة اليوم ونحن نقرأ أسماءها وصفاتها، وإني لأقدر جيداً عمل الزميل أبو سليمان الذي أسرع إلى تسجيل هذه اللوحات الرفيعة لهذه المنطقة حتى لا يفوت الباحثين واقع هذه البقعة وكانت بالأمس القريب.. عمل جليل كبير قام به الأستاذ أبو سليمان لتسجيل هذه المعلومات وبعثها من مرقدها بالنسبة إلى الذين يفتحون عيونهم اليوم على تلك الساحات المحيطة بالباب دون أن يعرفوا عما كانت تحتضنه من كنوز وذخائر..

وكان جميلا كذلك أن نقرأ في الفصل الثامن عن النشاط المطبعي الذي كان له دوره المهم في تحريك المشهد العلمي والثقافي.. ليس هذا فقط ولكن لنعرف عن نوع النشاط التجاري والحرفي في (باب السلام)، هذا إضافة لما يتبع هذا من وجود مطاعم تُقدم للزوار ما يرغبون فيه، ووجود مستراحات أيضاً توفر الاطمئنان والسكينة للناس..

تذكرت جيداً حجتي الأولى عام 1378 = 1959 التي صادفنا فيها أعمال التوسعة جارية على قدم وساق، وما زلت أذكر الغبار الذي كان يتطاير بين أرجلنا ونحن نسعى بين الصفا والمروة، وأكبرت - كما قلت وقتها - هذه الأعمال الجارية هنا من أجل التوسعة: (عبدالهادي التازي: التحليق إلى البيت العتيق ص: 59 - نشر دارة الملك عبدالعزيز - رقم الإيداع القانوني 4085- 22).

وما زلت أذكر كذلك إلى جانب هذا، أن حديث المجالس آنذاك كان يروج حول مشروع التغيير الذي يلحق البيت الحرام، فمن محبذٍ لما اقتضته الضرورة ومن ممتعض لسماع الاستغناء عن هذه المَعلمة أو تلك!!

ولقد وفّر لي الإخوان وقتها خرائط عن تصميم الحرام بالأمس وما يلحقه من تغيير اليوم، كان وقتها عملا شجاعا جدا، وكان بحاجة إلى شجعان أيضاً..

ومعظم الناس كان يكل الأمر إلى أولياء الأمر الذين كانوا أعرف الناس بما يليق بالمسجد الحرام، مقتدين في ذلك بما جرى منذ أيام الخليفة عمر، وصولاً إلى الخلافة العباسية.. وبلوغا إلى أيام الحكم العثماني، أيام السلطان سليم..

وقد أتقن الدكتور أبو سليمان عمله عندما جعل للتأليف فهارس أحكمت مفاتيحه، وجعلته في متناول الباحثين والمتتبعين، هذا إلى تزويدنا بقائمة المصادر التي اعتمد عليها لصياغة هذا التأليف الرفيع إخراجا وموضوعا يتناسب وعظمة المقام الذي يمثله باب بني شيبة، الذي دخل منه الرسول في حجة الوداع والذي أمسى يحمل اسم باب السلام.. حيث قامت الأسواق من كل نوع وخاصة المكتبات التي - لحسن الحظ - زودنا المؤلف ببعض الصور والرسوم عنها رغبة في تقديم أكثر دقة لهذا المنسك الذي لا يستغني حاج عن ذكره!

وقد أفدت شخصيا من بعض العناوين التي عرضها الأستاذ أبو سليمان، وأذكر على سبيل المثال ما ورد في صفحة 369 بعنوان: (مجموعة ثلاث رسائل في مناسبات الحج والعمرة).

أفدت من هذا العنوان، وخاصة المجموعة الثالثة: قصيدة ذكرى الحج وبركاته للأمير الصنعاني المتوفى سنة 1182

وتتلخص فائدتي في أنني عرفت السر في نقل مجلة (الحج والعمرة) لقصيدة قالت إنها للصنعاني، قالت ذلك دون ذكر (الذي) نشر القصيدة والذي رغب في عدم ذكر اسمه!! لقد تجلى أن الأمر أكبر من ذلك - كان - الأمر يتعلق بقرصنة قديمة العهد تعود إلى أيام طبع الرسائل الثلاث سالفة الذكر.. وكنت أتمنى لو حصلت على هذه المعلومة قبل أن أنشر تصحيحي لما أوردته المجلة المذكورة حول قصيدة الرحالة المغربي ابن رشيد وليس الأمير الصنعاني المذكور!! (عدد رجب 1428هـ).

ولنعد بعد هذا لباب السلام، الذي لا يفتر عن ذكره لسان، أعود له هذه المرة لأتتبع ما قيل عنه لدى سائر الرحالة الذين تناولت الحديث عنهم في تأليفي (رحلة الرحلات) سالف الذكر، والذي نشرته مشكورة مؤسسة الفرقان بمناسبة الاحتفال بالسنة الثقافية لمكة المكرمة..

أشعر بأن علي أن أستحضر ما قاله السابقون من الرحالة المغاربة لنعرف جيدا قيمة ما أورده الزميل أبو سليمان الذي ننوه بما نقله عن الحيحي وابن بطوطة عن باب بني شيبة، أو باب السلام كما أصبح الاسم..

وهنا لا بد من الإشارة إلى ما تم أيام الرسول الأكرم عليه السلام، وأيام الخليفة عمر، والخليفة عثمان بن عفان، وما تم أيام ابن الزبير، وعبدالملك بن مروان الذي ينسب إليه جلب السواري بحرا إلى جدة قبل نقلها إلى البيت الحرام، حيث أفتح هنا قوسين لأتساءل عن مصدر السواري وهل هو بلاد الروم، الأمر الذي سيذكرنا، لا محالة، في المبادرة الرائدة التي قام بها الخليفة العظيم الوليد بن عبدالملك الذي هدم مسجد المدينة المنورة والبيوت المحيطة به أيام عمر بن عبدالعزيز، ثم بناه بناء جديدا مستعينا في هذه الأعمال بخبرة البيزنطيين (ملك الروم) الذين لم يترددوا أمام دعوة الخليفة في تلبية النداء على ما يذكره تقي الدين المقريزي في (الذهب المسبوك)(1).

ثم كانت الزيادة الخامسة أيام المنصور العباسي، والسادسة أيام محمد المهدي العباسي عندما حج ووقف بنفسه على ما قام به المهندسون، ثم كانت الزيادة السابعة أيام المعتمد بالله، والثامنة أيام المقتدر بالله الخ!!

كل هذا وثقه الأستاذ أبو سليمان في تأليفه (باب السلام)، إضافة إلى العمل الواسع الكبير الذي قام به السلطان سليم عام 984 = 1576

وإذ أنوه مرة أخرى باستحضار أخينا أبي سليمان لما قاله الحيحي وابن بطوطة عن باب بني شيبة، زاده الله من جوده هيبة، أذكر بعض التساؤلات حول هذا الباب، ولا سيما عما عرف عن بعض الرحالة المغاربة ممن كان لهم اهتمام بهذا الباب، وأذكر في صدر هؤلاء الشيخ ابن سليمان الروداني، الذي، كما يعلم الأخ الكريم، كان ناظرا للحرمين الشريفين لفترة طويلة.. وكانت له أيادي بيضاء في الحرم المكي.. الأخ الكريم أعلم بوظيفة الشيخ الروداني رحمه الله.

ثم بعد هذا أذكر شخصية مغربية مهمة، هي الفقيه الدبلوماسي الشهير محمد بن عثمان المكناسي (1214 = 1799) الذي له من جملة تأليفه رحلة حجازية سماها: (إحراز المعلى والرقيب في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والخليل والتبرك بقبر الحبيب)، هذا السفير استوقفه هذا الباب فقدم المعلومات التالية:

ودخلنا من (باب السلام) الذي كان يُدعى باب بني شيبة فإن هذا الباب (باب بني شيبة) أصبح داخل المسجد اليوم، وكان هو باب المسجد القديم، وهو في مقابلة المقام، وباب البيت وهو الذي ينبغي الدخول منه، وهو اليوم مقوس بالبناء، في موضعه القديم علامة عليه..

وأما باب السلام فهو أحد أبواب المسجد المزيدة وليس هو في مقابلة باب البيت فهو منحرف عنه بعض الانحراف، وباب المسجد الذي هو في مقابلة بابه الداخلي هو (باب النبي) صلى الله عليه وسلم، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأتي من تلك الناحية لأن داره كانت في (زقاق الحجر) وهو في تلك الناحية(2).

ويأتي بعد السفير ابن عثمان من سمي في التاريخ الدولي للمغرب بالشريف العباسي 1221 = 1807 الذي استطاع بوسائله الخاصة أن يصل إلى مكة في صفة مسلم، ويدخل من باب السلام ويخصه بالحديث ويصف شكله ويحدد موقعه ومقاييسه(3).

على أن يأتي بعده المستشرق المشهور الذي كان أول من أثار انتباه أوروبا إلى رحلة ابن بطوطة، الأستاذ بوركهارت Burckhardt الذي سمح له قائد الحملة المصرية بزيارة مكة وأداء فريضة الحج، بعد أن اجتاز امتحانا في الدين الإسلامي أمام اثنين من العلماء، الذين أقروا بأن بوركهارت متضلع في الدين، وسمع قاضي مكة بخبره فدعاه إلى العشاء في داره فصلى معه وتلا خلال ذلك آيات من القرآن الكريم بلغة لا تشوبها شائبة، ثم أدى مناسك الحج على أحسن ما يكون وابتداء دخوله الكعبة من باب السلام..

وقد كان من الحجاج المغربة الذين وصفوا باب السلام الشيخ دنية الرباطي 1358 = 1939، حيث تحدث عن زيارة خزانة الكتب التي بالحرم قرب باب السلام، وذكر أن نوافذها تطل على الكعبة، وقد وقف الشيخ دنية على عدة كتب الخزانة وقال: إنها مفروشة لمن أراد الاطلاع على الكتب أو أراد نسخها.

ويأتي بعد هذا الأستاذ الجعايدي 1360 = 1941 فيتحدث عن باب السلام ذاكرا انه مكان لبيع الكتب التي ترد من الخارج قائلاً إنه توجد هنا دكاكين كثيرة لبيع التحف والهدايا والكحل والمكاحل.

ويذكر الفقيه الرهوني 1373 = 1953 أنه دخل البيت الحرام من باب السلام كما هو المندوب، وأنه مر أيضاً تحت قوس بني شيبة كما هو المندوب أيضاً..

وبعد، فكما قلنا في البداية، نؤكد في النهاية على أن الاهتمام بهذا الموقع الجغرافي من الكعبة المشرفة كان يعني أداء واجب جد كبير للذين يتتبعون تطور العمل في بناء الكعبة، على الأقل منذ أن فرض الإسلام على معتنقيه الركن الخامس من أركان الإسلام، ولهذا فإن المؤلف يستحق منا التقدير والإكبار على تنبهه لوضعنا في الصورة الحقيقية لهذا الباب التاريخي الذي لا نزال إلى اليوم نحرص على الدخول منه لتحية المسجد الحرام..

***

(1) بحث نشر ضمن الكتاب الذهبي الخاص بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء ص324 - رقم الإيداع القانوني 1993-655

(2) د. عبدالهادي التازي رحلة الرحلات ج1 ص: 402

(3) د. عبدالهادي التازي رحلة الرحلات ج2 ص: 419(6)




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد