Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/11/2007 G Issue 12822
الاقتصادية
الثلاثاء 26 شوال 1428   العدد  12822
نشر الوعي في الإعلام البريطاني
فضل سعد البوعينين

اختتم الملك عبد الله بن عبد العزيز زيارته الرسمية لبريطانيا، وهي الزيارة التي أظهرت اهتماماً رسمياً، وإعلامياً حافلاً بالضيف الكبير الذي فرض حضوره المميز على الساحتين الدبلوماسية والإعلامية. الصراحة والوضوح التي كان عليهما الملك عبد الله في لقائه مع محطة الBBC

فرضت على الصحافة البريطانية توجيه مزيد من الاهتمام الخاص بالزيارة الملكية، وأرغمتها على تناول ما جاء فيها من تصريحات نارية وبخاصة الجزئية التي أشار فيها الملك عبد الله إلى أن السعودية زوّدت بريطانيا بمعلومات مهمّة عن الإرهاب قبل وقوع أحداث السابع من تموز (يوليو) من العام 2005م.

وسائل الإعلام تحدثت بإيجابية وإسهاب عن السعودية والملك عبد الله بن عبد العزيز، إلا أن تغطيتها الإخبارية لم تخل في مجملها من تناول بعض الملفات الخلافية، والآراء الحادة، والشاذة في بعض جوانبها. قد نتفق على طرحها ومناقشتها من أجل المعالجة، إلا أننا نرفض بشدة اتهام السعودية بقضايا الإرهاب، أو محاولة تغيير المفاهيم الإسلامية تحت ذريعة الحرية الشخصية التي تتعارض في مجملها مع الدين والأخلاق. تناول الإعلام البريطاني لبعض القضايا الخلافية المرتبطة بالدين والثقافة الاجتماعية، بأسلوب الإثارة يكشف عن قصور في فهم الثقافة الإسلامية، وعادات الشعوب، وعدم تقبله الآخر وفق قوانينه الشرعية والاجتماعية التي ارتضاها لنفسه. ثقافة الإعلام البريطاني لم تستطع حتى الآن التمييز بين تعاليم الإسلام والقوانين الوضعية أو القرارات السياسية، وهو ما يقودها دائماً إلى توجيه الانتقادات الحادة غير المبررة نحو القوانين السماوية التي تمثل في مجملها تعاليم الدين الحنيف.ربما يكون هناك بعض التناقض في تناول الإعلام البريطاني قضايا الخلاف، ومنها قضية الإرهاب على سبيل المثال. فالمعروف أن بريطانيا أصبحت مركزاً للخارجين على القانون من الأصوليين المحرضين على الإرهاب الداعمين له. كما أن وسائل الإعلام البريطانية أصبحت تقدم دعماً إعلامياً غير مسبوق لهؤلاء المحرضين الذين لا يتوانون في توجيه الدعوات المباشرة بالقتل في بعض الأحيان، من خلال إعطائهم فرصة الظهور الإعلامي ومخاطبة الرأي العام والتأثير على شعوب الدول الآمنة.

هناك أيضا قصور في إلمام بعض الإعلاميين بالقضايا السعودية المعاصرة التي يجتهدون في الكتابة عنها، ويتراوح هذا القصور بين غياب المعلومة الصحيحة حيناً وبين التعمد أحياناً أخرى. ففي حين يركز بعض الإعلاميين على القضايا الاجتماعية الجدلية كقيادة المرأة للسيارة على سبيل المثال، فإنهم يبتعدون كثيرا عن عمليات الإصلاح الشاملة التي يقوم بها الملك عبد الله بن عبد العزيز في أكثر المجالات حساسية كالقضاء، الاقتصاد، التعليم، المرأة، وحربه المعلنة على الإرهاب، الفساد، والفقر.

لعلنا نتحمل جزءاً من مسؤولية قصور المعرفة الإسلامية، الاجتماعية، والإصلاحية لدى وسائل الإعلام الغربية، فالملحقيات الثقافية، والمكاتب الإعلامية يفترض فيها أن تؤدي دورها المأمول في تعريف وسائل الإعلام الغربية بالثقافات الإسلامية، وأن توضح العلاقة المباشرة بين التعاليم الإسلامية، وقوانين الحكم التي لا علاقة لها بالسياسة وقرارات الزعماء. ومن أهم واجبات المكاتب الإعلامية والملحقيات الثقافية تقديم الصورة النقية للمجتمع الإسلامي السعودي ومعالجة القصور المعرفي لدى وسائل الإعلام الغربية من خلال المعلومات والنشرات الإعلامية، الندوات، المؤتمرات، المعارض، والزيارات التي قد تكشف للإعلاميين الغربيين الكثير من الحقائق التي يجهلونها عن مجتمعنا السعودي. للطلبة والطالبات، والسياح العرب دوراً مهماً في هذا الجانب، ومن خلالهم يمكن تعديل الكثير من المفاهيم المغلوطة عن وطنهم، ومجتمعهم الإسلامي.

يفترض أن يكون لبعض أعضاء الوفود الرسمية، الإعلاميين على وجه الخصوص، دوراً رئيساً في التحدث إلى الرأي العام المُضيف، وأن يكون خروجهم إلزامياً في حال تفنيد الشائعات ومغالطات الحاقدين من بني جلدتنا ممن يستغلون الزيارات الرسمية لنشر بضاعتهم الفاسدة على الرأي العام. ويجب أن يحقق الوفد الإعلامي المرافق أعلى درجات الكفاءة في التأثير الإيجابي، وأن يكون حذراً من ارتكاب الأخطاء البروتوكولية التي تحسب عادة على الضيف وليس المرافقين.

اختتمت الزيارة الملكية بعد ثلاثة أيام من النجاح المتواصل، وسجل الملك عبد الله حضوراً رسمياً وإعلامياً لافتاً قل أن تجود بمثله عاصمة الضباب على زائريها الرسميين. كاريزما الملك عبد الله جعلته حاضراً في الأوساط الرسمية، الإعلامية والشعبية البريطانية.

وكعادة الملك الإنسان يأبى إلا أن يسجل حضوراً مميزاً لشعبه الوفي الذي يبادله الحب والوفاء، والولاء والصفاء، أينما حل وكان. فبعد أن دمعت عيناه رحمة على أبناء شهداء الواجب، وزار الفقراء في دورهم الضيقة، ومد يد العف ولكل التائبين من شعبه، أقسم بالله على رأفته بأبنائه وبناته علانيةً في حفل السفارة السعودية بلندن حين قال: (أقسم بالله العظيم أنني أحن عليكم كما أحن على نفسي) وبذلك ختم المليك زيارته الكريمة برسالة خاصة وجهها إلى أبنائه وبناته الدارسين في الخارج، وإلى شعبه في الداخل، فكانت الرسالة الأبوية الحانية التي تلقفتها قلوب شعبه المحب بالولاء والتعظيم. كيف لا وقد قال الله سبحانه وتعالى {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} وهل هناك أعظم من قول الحق جلّ وعلا!، أم هل هناك أنقى وأصفى نفس ممن أقسم بالله متبرعاً طائعاً متجرداً من زخرف الدنيا وتاج المُلك!.



f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد