Al Jazirah NewsPaper Sunday  16/12/2007 G Issue 12862
مدارات شعبية
الأحد 07 ذو الحجة 1428   العدد  12862
متعب العنزي.. شموخ في زمن الانكسار
أحمد بادويلان

كنت حينما أصطدم ببعض النماذج التي نعيش معها وتجعلني أفتقد الكثير من القيم والأخلاقيات والمثاليات كنت ألجأ إلى متعب العنزي..

ذلك الرائع الذي ودَّع دنيانا وهو يمشي على جرحه مبتسماً رافعاً راية بيضاء يلوح للقانطين من الحياة، ويقول لهم: ابتسموا فلا زال داخل الجرح وردة تنبت وابتسامة على وشك أن تملأ الدنيا ضياءً وسروراً.

متعب العنزي.. الكثير عرفوه عن قرب، وأنا واحد منهم راهنوا على أن مثله لن يتكرر خلقاً وشهامة، ورقَّة ورومانسية ووفاءً وتواضعاً، وكل ما تحمله مفردات حسن الخلق وطيبة المعشر من معاني وكلمات، يخشون أن يكون (أبو عذاري) آخر رجالات الزمن الجميل في وقت نبتت للبعض مخالب بدلاً من الأظافر، وتحولت الأسنان أنياباً وأصبحت العيون جمراً يتطاير منه الشرر.. ضاقت الصدور وفسدت الأخلاق وانعدمت القيم إلا في من رحم ربي.

متعب أدعو الله أن ترفق بك ترتبك وهي تحضن جسدك الطاهر وثغرك الباسم، وأن تفتح له نافذة تطل منها على مقعدك في الجنّة؛ فما إجماع الكل على محبتك إلا دلالة على محبة الخالق لك، واللهُ لن يخيبك يا ذا الخلق النبيل والذوق الرفيع والأدب الجم.

متعب.. لو كنتُ شاعراً لكتبت فيك أجمل المراثي رغم ثقتي أن القوافي لن تفيك حقك.

كان يمد يده مصافحاً لكل من عاداه أوكرهه، كانت ابتسامته تسبق كلماته، كانت روحه الرائعة تسبق حضور جسده كأجمل صورة للمثالية.

لا أعتقد أن هناك من يكرهه أو يعاديه، ومن فكر في ذلك حتماً أنه سيتراجع فوراً لأنه سيجد أمامه رجلاً لا يسيء الظن أبداً فيمن يعرفهم، ولا يفترض سوء النية في أي تصرف يواجهه، ما سأله أحد هل تعرف أحداً في الجهة الفلانية لإنجاز معاملة إلا قال له (أبشر) ويذهب بنفسه ويأخذ على عاتقه إنجاز المعاملة، وإن كان لا يعرف في تلك الجهة أحداً لا يتوقف عن مساعيه حتى يحقق لصاحبه ما أراد، لا يحقرن أي محاولة إبداعية تقدم له لنشرها بل يجلس مع صاحبها ويوجهه ويدفعه دفعاً إلى عالم الإبداع برحابة صدر ونفس طويلة حتى يستطيع ذلك المبدع الجديد أن يشق طريقه في عالم الإبداع، ويمسك بيده مفردات صناعة الإبداع وينطلق بعد ذلك بدون أن يحتاج إلى أحد.

أووه.. يا متعب.. لن أستطيع أن أقول كلَّ شيء، ولن أفيك حقك مهما كتبت، وفعلت، وقلت، وناديت..

متعب ذلك الرجل الذي قهر السرطان..

متعب لم يهزمه السرطان، ولم يمت انهزاماً، بل كان يقف شامخاً مبتسماً متفائلاً.. متعب مات لأن ساعته قد حانت.

متعب.. أدعو الله أن تكون الحور العين قد زفتك إلى جنات النعيم، وأن يجمعنا الله بك عند مقعد صدق عند مليك مقتدر.

عزائي الخالص لنفسي أولاً، ثم لجميع أحبة متعب وأهله وذويه.

{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.



dartwaiq@zajil.net

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد