Al Jazirah NewsPaper Wednesday  26/12/2007 G Issue 12872
الرأي
الاربعاء 17 ذو الحجة 1428   العدد  12872
لماذا الحساسية من دراسة اللهجات
إبراهيم العثيم-عضو جمعية اللهجات والتراث الشعبي

نسمع بين حين وآخر، بعض من ينتقد دراسة اللهجات ويرفض أن يجعلها مجالا لأطروحات علمية، بحجة أنها مفسدة للسان العربي، مع أن العرب الأوائل قد أفردوا لها أبواباً، في مؤلفاتهم، فقد أورد ابن جني في كتابه الخصائص 2-11، 12 تحت باب: (اختلاف اللغات وكلها حجة) مجموعة من لغات العرب (لهجات) وضرب عليها أمثلة فذكر عنعنة تميم، وكشكة ربيعة، وكسكسة هوازن، وتضجع قيس، وعجرفية ضبة، وتلتلة بهراء.. ثم قال بعد ذلك ما نصه:(... إلا أن إنساناً لو استعملها - يقصد اللهجات - لم يكن مخطئاً لكلام العرب، لكنه يكون مخطئاً لأجود اللغتين، فأما إن احتاج إلى ذلك في شعر أو سجع فإنه مقبول منه غير منعي عليه.. وكيف تصرفت الحال فالناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ، وإن كان غير ما جاء به خيرا منه).

ومن المحدثين ذكر إبراهيم أنيس في مقدمة كتابه: (في اللهجات العربية) (ويبدو أننا لم نعد الآن بحاجة إلى مزيد من البحث والتنقيب في بطون الكتب القديمة التي عرضت في ثناياها للهجات العرب بقدر ما نحن في أمس الحاجة إلى دراسة اللهجات العربية الحديثة، فتلك هي التي نفتقدها أو لانزال نتطلع إليها، ولم نقطع فيها لسوء الحظ شوطاً بعيداً برغم ما لدينا الآن من إمكانيات التسجيل الصوتي، وأجهزة التجارب النطقية.. وأرجو ألا يمر زمن طويل قبل أن نجد لدينا دراسات مستفيضة، وبحوثاً عميقة في هذه اللهجات الحديثة كي نستكمل معرفتنا للهجات أجدادنا من العرب القدماء). تعمدت أن أتكئ على ذين النصين قديم وحديث لتأكيد أن علماء العربية قديماً كانوا يعنون بدراسة اللهجات فيسمونها أحياناً لغات أو لحن، ولم يكونوا يقفون منها موقف الضد أو يرونها العدو المفسد للفصيح والفصحى، وكذا وقف مع دراسة اللهجات بعض المحدثين، ولكن!! لا زلنا نجد في أوساطنا الثقافية والأكاديمية من ينصب نفسه حارسا أمينا وحاميا لعرين الفصحى، ويحاول بشتى الطرق وأد كل ما يتعلق بدراسة اللهجات، بدعوى أنها ستفسد ألسنة الناس - وكأن الناس لا يتحدثون إلا بالفصحى - أنا لا أدعو إلى إحلال العامية محل الفصحى في المعاملات الرسمية ولغة الثقافة والتعليم!!

لكن ليس من المعقول أن بلداً بحجم المملكة العربية السعودية فيها من التنوع الجغرافي والثقافي واللهجي ما يكفي لتدوين مجلدات ضخمة ودراسات واسعة، لا يوجد به دراسة أكاديمية تعنى باللهجات والظواهر اللغوية في كل لهجة.

إن المتأمل في مناهجنا ومقرراتنا التي تدرس للطلاب المتخصصين في اللغة يلحظ غيابا تاما للهجات ودراستها، بينما نجد في أغلب الجامعات العربية لابد أن يدرس الطالب بعض المقررات في اللهجات، ويقر عليه بعض الأبحاث في هذا المجال. ونحن لدينا ثروة لغوية لهجية عظيمة، ولا ندرس طلابنا أي شيء عن اللهجات، لماذا لا يقرر على طلاب الدراسات العليا - المتخصصين في دراسة اللغة - أن يكتبوا بحوثاً عن لهجات مناطقهم، نعم لماذا لا نكتب عن لهجة أقاليم سدير والوشم والحوطة وتهامة والسراة، بل لماذا لا تسجل رسائل جامعية عن لهجة مكة أو لهجة القصيم أو لهجة الأحساء أو لهجة حائل أو لهجة عسير وغيرها من المناطق والأقاليم المتناثرة في وطننا، إذ سيجد الباحث فيها ظواهر لغوية غنية، وحرية بدراسة بناها الصرفية، وأصواتها، ودلالاتها، وتراكيبها. وقس على هذا كل المناطق في الأقطار العربية الأخرى.

وندائي للرافضين لفكرة اللهجات والعامية، غدا سنندم ولات حين مندم إذا رحل جيل من كبار السن الذين يمكن أن نأخذ منهم بعض الكلمات التي بدأت تندثر، كما أوجه ندائي إلى مؤسساتنا الأكاديمية والثقافية عموماً إلى تبني ودعم هذه المشروعات ونشر وطباعة الدراسات الخجولة في هذا الجانب.

إن قيادتنا الحكيمة لا تألوا جهداً في دعم وتبني هذه المشاريع، مقتدين في ذلك بمؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - فقد كان يستوقف، أحياناً بعض الشعراء والرواة من مناطق المملكة المختلفة فيسألهم عن معنى كلمة وردت، أو مفردة من المفردات، أو شرح بيت.

ختاماً لا أريد أن ألغي بعض الجهود والمحاولات التي خاضت في هذا الميدان، ولكن تبقى محاولات بسيطة، ولا زال الأمل أكبر وخصوصاً في الجانب الأكاديمي.



Al-othaim@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد