Al Jazirah NewsPaper Wednesday  26/12/2007 G Issue 12872
الرأي
الاربعاء 17 ذو الحجة 1428   العدد  12872
محلات تبيع الوهم
فهد الزغيبي-بلدية حفر الباطن

الغريق يتعلّق بقشة والمريض يتعلق بخلطة والخلطات العلاجية أو بالأحرى الخلطات التي يُدعى أنها للعلاج أكثر من المرضى، فالخلطات بأنواعها سواء كانت أعشابا مع أعشاب أو مع زيت أو مع عسل أو مع ماء كلها مجرد وهم وادعاءات كاذبة نجدها في أرفف العطارين، وما هي إلا أداة لاستنزاف أموال الغافلين عن محتواها والجاهلين لمدى خطورة إقدامهم على تجربتها. ربما يقول البعض إن هناك خلطات أو مستحضرات مجربة وأن سؤال المجرّب خير من سؤال الطبيب، لكن هذا المجرب ربما يجهل أن ما يصلح لحالة قد يضر بحالة أخرى وقد يأتي بنتائج عكسية وعواقب وخيمة وقد يكون بشيء ويعود بشيء آخر.. لو عدنا للوراء قليلا لوجدنا أن محلات العطارة كانت مخصصة فقط لبيع الأعشاب والتوابل والزيوت وخلافه واليوم نجدها تحولّت إلى مستوصفات وعيادات ومراكز تجميل تديرها العاملة الوافدة، فلكل شيء لديهم علاج فتجد وصفات للأمراض الجلدية كالبرص والبهاق والنمش وتجد عندهم وصفات لعلاج كل الأمراض كالقولون والربو والسكر والضغط، وتجد لديهم علاجات التخسيس والتسمين وتساقط الشعر وإطالته و.. و.. الخ من الوصفات التي تضر ولا تنفع.

اذكر أني رأيت مستحضرا عند أحدهم يشبه العجين في محتواه وعليه ملصق مكتوب عليه اكثر من عشرة أمراض يدعي علاجها. لا تتعجب عندما تذهب إلى أحد هذه المحلات وتدعي أنك مصاب بأي أعراض مرضية وتجد أن العطار أو من يمارس هذه المهنة يقوم بوصف العلاج لك ويخرّج من بين ادراجه خلطته السحرية وان تجرأت وسألته عن مصدر تلك الخلطة أو مكوناتها تجد أن عبارة (سر المهنة) هي الماركة المسجلة لها في قاموسه.

الجدير بالذكر أن اكثر العطارين لا يحملون أي شهادة بل إن غالبيتهم أتى بمهن حرفية سرعان ما قام بتغييرها عندما علم أن العطارة مصدر ربح وفير وبأقل رأس مال.

سأذكر مثالا وقع أمامي والأمثلة كثيرة وهو انه في احدى المرات التي كنت أقوم فيها بعمل جولة تفتيش على محلات العطارة رأيت أحد العمالة الآسيوية يقوم بتحضير خلطة وعندما سألته عن الفائدة الطبية لها قال لي وهو لا يعلم أني مراقب بصحة البيئة إن هذه الخلطة لعلاج الحساسية وعندما أخبرته اني مراقب وسألته عن مكونات الخلطة أخرجها لي وكانت عبارة عن كريم جلسوليد ومرهم خاص بالحساسية يباع في الصيدليات وبعض الزيوت ذات الرائحة النفاذة، وكانت كل هذه المكونات لا تتجاوز قيمتها عشرين ريالا وكانت تعبأ في علب صغيرة يتجاوز عددها خمسين علبة وتباع الواحدة بعشرة ريالات، وعندما تسأل أحد المصابين بالحساسية الذين قاموا بتجربتها سوف يقول لك إنها فعالة وإنها أظهرت نتائج إيجابية والحقيقة التي يجهلها هي أن الفعالية أتت من المرهم الطبي المضاف للخلطة وسعره الأصلي ستة ريالات ومتوافر في كل الصيدليات، وان بقية المكونات ما هي إلا زيادة فقط للحجم أي غش وتدليس على الزبون.. حوادث كثيرة عشناها أو تعايشنا معها والمسبب لها أحد محلات العطارة.

وأذكر من المواقف الخطرة التي رأيتها، عندما وصف أحد العطارين علاجا لأحد المصابين بالبهاق وكان عبارة عن خلطة أعشاب بزيوت وطلب منه العطار أن يدهن بها كامل الجسد، لكن الرجل قام بتجربتها على منطقة معينة من يده وبعد ثلاث ساعات عندما قام بغسلها كان الجلد يسبق الماء تخيلوا معي لو أن هذا الرجل فعلا قام بتجربتها على كامل الجسد الله وحده يعلم مدى الكارثة التي كانت سوف تقع.

تحدثت في موضوع العطارين في إحدى المجموعات البريدية ووصلتني رسائل عديدة احداها رسالة من شخص يقول إن اكثر ناقوس يدق عليه العطار لكسب الزبائن من النساء هو مستحضرات التجميل والمكملات الغذائية وأن اكثر ناقوس يدقون عليه لكسب الزبائن من الرجال هو علاج الصلع والمقويات الجنسية.

وحقيقة فإن البلديات ووزارة الصحة يقومون بواجبهم تجاه من يستغلون هذه المهنة التي أصبحت تضاهي الشعوذة والدجل، فتجد أسماء لأعشاب غريبة مجهولة المصدر وأسعارها خيالية وزبائنها كُثر لكن دورها يقتصر على المحلات المنتشرة وما يوجد على أرففها ومعاقبة كل من يخالف الشروط واللوائح لكن يبقى جزء من المسؤولية على المواطن الذي يجب أن يتم تثقيفه صحيا ويجب عليه أن يعلم حجم خطورة هذه الخلطات وان لا يشتري الوهم في ظل توفير الحكومة المستشفيات المتخصصة وبها أفضل الكوادر الصحية حرصا منها على سلامته.

وهمسة أخيرة في أذن أصحاب محلات العطارة الذين أعمى الطمع أبصارهم وفضّلوا المال على حساب صحة الآخرين، أدعوهم إلى أن يجعلوا الله بين أعينهم وان يقنعوا بالقليل الحلال عن الكثير الحرام والأول هو الباقي في ظل زوال الآخر سائلا المولى لي ولكم الصحة والسلامة.



Top_fahad@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد