Al Jazirah NewsPaper Thursday  03/01/2008 G Issue 12880
الرأي
الخميس 25 ذو الحجة 1428   العدد  12880
الرجل الذي فقدناه
م. صالح عبدالله الجمعة

إنَّ أصعب شيء على نفس المرء وقلمه أن يهم بالكتابة عن أمر يبدو أمامه صغيراً خاصة إذا كانت تلك الكتابة عن عالم أنكر ذاته في سبيل الدعوة إلى الله ونشر الخير وخدمة الناس وإصلاح ذات بينهم لا يرجو من وراء ذلك جاهاً ولا مالاً بل يرجو وجه الله والدار الآخرة. فأحبه الناس جميعاً رجالاً ونساء شيباً وشباباً، وملك بذلك مفاتيح قلوبهم.. إنه العبد الورع الفقيه الزاهد الشيخ الدكتور علي بن عبدالله بن عبدالرحمن الجمعة ذو السيرة العطرة والخصال الحميدة، حيث ولد -رحمه الله- في بريدة عام 1364هـ وتربى تربية صالحة في كنف والديه وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة من عمره في الكتاتيب على يد الشيخين محمد المطوع الهويمل وسليمان الرزقان قبل الالتحاق بالمدرسة العزيزية الابتدائية ببريدة التي حصل على شهادتها عام 1378هـ وفي عام 1384هـ حصل على الشهادة الثانوية من المعهد العلمي ببريدة ثم واصل دراسته العلمية فحصل على شهادة كلية الشريعة في الرياض عام 1388هـ ثم نال شهادة الماجستير في الفقه المقارن من المعهد العالي للقضاء عام 1392هـ ثم استأنف تحصيله العلمي فحصل على شهادة ماجستير أخرى في تخصص السنة وعلومها عام 1404هـ من كلية أصول الدين بالرياض، ثم توج مشواره العلمي الأكاديمي بالحصول على شهادة الدكتوراه في السنة وعلومها من كلية الشريعة وأصول الدين بالرياض عام 1410هـ. وفي مستهل حياته العملية عمل الشيخ -رحمه الله- محاضراً في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من أواخر عام 1392هـ حتى انتقاله للعمل بجامعة القصيم (جامعة الإمام سابقاً) أواخر عام 1396هـ مترئساً قسم السنة وعلومها طيلة عمله بها حتى تقاعد في أواسط عام 1423هـ. وحيث إن الجامعة بحاجة إلى خدماته فقد تعاقدت معه عدة سنوات. وقد أشرف الشيخ -رحمه الله- على تسع رسائل في السنة وعلومها ثلاث رسائل ماجستير في كلية التربية للبنات في بريدة، وخمس رسائل دكتوراه في كلية أصول الدين بالرياض وواحدة في كلية الدعوة والإعلام بالرياض.

وشارك في مناقشة رسائل أكاديمية عددها خمس عشرة رسالة. منها ثلاث رسائل ماجستير اثنتان منها في كلية أصول الدين بالرياض والثالثة في كلية الآداب للبنات في الدمام، واثنتا عشرة رسالة دكتوراه اثنتان منها في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وواحدة في كلية الآداب للبنات في الرياض وأخرى في كلية التربية للبنات في بريدة وثماني رسائل في كلية أصول الدين في الرياض، كما شارك في الفحص لبحوث الترقية اثنان في جامعة الإمام وآخر في الجامعة الإسلامية، إضافة إلى بحث الترقية لأستاذ مشارك والذي قام به الشيخ وهو بعنوان تخريج الأحاديث والآثار في تاريخ بغداد وهو استكمال لموضوع رسالة الدكتوراه. وقد شارك الشيخ -رحمه الله- في فعاليات كثيرة منها إقامة الدروس في مسجده في حي الفايزية ببريدة ثلاثة أيام في الأسبوع يحضرها عدد لا بأس به من طلاب العلم في الفقه والحديث وعلومه والعقيدة، كما شارك في ندوات كثيرة مباشرة وعبر الهاتف والإذاعة وألقى عدة محاضرات في مساجد بريدة وخارجها، كما شارك أيضاً في الدورات العلمية التي تقيمها وزارة الشؤون الإسلامية في الإجازة الصيفية كل عام. وترأس الشيخ مجلس الإدارة لمكتبة ابن باز الخيرية ببريدة، كما ترأس أيضاً مجالس الإدارة بحي الفايزية ببريدة لكل من المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات ومجلس إدارة الجمعية النسائية لتحفيظ القرآن الكريم ومركز اللجنة المحلية الاجتماعي. كما أن الشيخ -رحمه الله- كان عميداً لأسرة الجمعة ورئيس مجلس إدارتها وهو من أوائل مأذوني الأنكحة بالمنطقة ويقوم بهذا العمل الجليل دون مقابل لوجه الله تعالى. هذا وقد تخرج على يدي الشيخ -رحمه الله- على مدى (34) عاماً قضاها محاضراً في الجامعة الإسلامية وجامعة القصيم (جامعة الإمام سابقاً) عدد كبير من مشايخ المنطقة ورجالاتها تبوؤوا مناصب قيادية في الجامعات والقضاء والتعليم والدعوة وغيرها. وكان الشيخ -رحمه الله- يجهد نفسه في سبيل الخير والدعوة إلى الله، زاهداً فيما يتطلع إليه الناس اليوم، بعيداً عن التملق والتزلف، متصفاً بالتواضع ودماثة الخلق ولين الجانب والحلم والعلم وقضاء حوائج الناس وإصلاح ذات بينهم والرد على استفساراتهم الشرعية والاجتماعية، رافضاً رد أي سائل أو طالب حاجة من باب أو تلفون منزله أو من جواله في أي ساعة من ليل أو نهار.

وفي صيف عام 1426هـ اكتشف الأطباء مرض السرطان في جسد الشيخ في القولون والكبد وبدأت معالجته في المستشفى التخصصي بالرياض بالجرعات الكيماوية فتدهورت صحته كثيراً، وفي مستهل صيف عام 1427هـ سافر إلى ميونخ في ألمانيا للعلاج حيث استأصل الأطباء الورم السرطاني في القولون على الفور وعادت له صحته وحيويته تدريجياً -ولله الحمد والمنة- عاد بعدها إلى أهله وذويه ومحبيه حيث مكث بينهم عدة أسابيع ثم سافر بعدها إلى ألمانيا لاستئناف العلاج الكيمائي للسرطان واستمر على هذا العلاج أكثر من سنة ونصف السنة فمرات يتلقاه في ألمانيا ومرات أخرى في المستشفى التخصصي بالرياض حيث لفظ أنفاسه الأخيرة فيها عند الساعة الحادية عشرة وخمس عشرة دقيقة من مساء يوم السبت الموافق 5-12-1428هـ عن عمر يناهز (65) عاماً ونقل جثمانه (الطاهر بإذن الله) إلى بريدة وصلي عليه بعد صلاة العصر من اليوم التالي بجامع الشيخ محمد بن عبدالوهاب ووري جثمانه الثرى في مقبرة الموطأ وسط الجموع الغفيرة التي حضرت مشهد الوداع الأخير لهذا النجم الذي أفل من سماء القصيم في مشهد مهيب يتقدمهم صاحب السمو الملكي أمير المنطقة والمشايخ وطلبة العلم ومحبو الشيخ الذين اكتظ بهم الجامع والطرقات المحيطة به بينما جموع غفيرة أخرى لم تتمكن من الوصول إلى الجامع للصلاة عليه فصلت عليه في المقبرة على عدة دفعات.

وإن سيرة الشيخ لا تكفيها تلك السطور البسيطة بل حري بمن هو أعلم بسيرته العلمية والعملية مني أن يكتب عنه ليستكمل تلك السيرة العطرة والأعمال الجليلة كي تكون نبراساً يستفيد منها الآخرون، كما أنه حري أيضاً بجامعة القصيم (جامعة الإمام سابقاً) أن تخلد ذكرى الشيخ بما يليق بمكانته وخدماته العلمية والعملية. اللهم اغفر للشيخ علي وارحمه ونور له في قبره وافسح له فيه وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين وبارك له في ذريته وأبنائه أجمعين إنه سميع مجيب.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد