Al Jazirah NewsPaper Tuesday  08/01/2008 G Issue 12885
مقـالات
الثلاثاء 30 ذو الحجة 1428   العدد  12885
شيء من
التعددية الفكرية
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

دأب المتشددون في المملكة على (تجهيل) كل مَنْ اختلف معهم، وإذا لم يستطيعوا تجهيله وصفوه بصفة تصنيفية تخل بسلامة معتقده، مستغلين في ذلك جهل العامة بالرأي الآخر، فيدّعون أن رأيهم هو (الإجماع) الذي لا يتجاوزه إلا الضالون!. وكأن الإسلام لا يحتمل (التعددية) في الآراء، ولا يخرج عن قول مَنْ قال: (إذا قالت حَذامِ فصدقوها

فإن القول ما قالت حَذام)، أما (حَذام) فهم ولا أحد غيرهم.

وفي عصر الحوار الذي أرسى أطره وحمى آلياته الملك عبدالله - حفظه الله - تراجعت وصاية الفكر (الواحد)، وأصبحت (التعددية) هي الإطار الذي يُسوِّغ سماع الرأي الآخر، ويتحرك فيه الجميع، وتنطلق منه مواكبة العصر ومقتضياته.

ومَنْ يقرأ تاريخ الإسلام يجد أن (التسامح) هو الثابت الذي رافق هذا التاريخ منذ الأئمة الأربعة - رحمهم الله - وحتى اليوم. قد تمر بالإسلام بعض الفترات التي يتولى المتشددون فيها زمام توجيه المجتمعات المسلمة، فيعطلون التسامح، ويفرضون الرأي الواحد، ويمنعون التعددية، ويرجعون بالأمة إلى الوراء، غير أن هذه الفترات تكون (عارضة)، تنتهي عادة إلى التاريخ، ليصبح تشددهم - مع التقادم - لا قيمة له على أرض الواقع عملياً. وفي تاريخ المملكة الكثير من الأمثلة التي أصرَّ عليها المتشددون في البداية، ثم انتهت من الواقع إلى صفحات التاريخ.

والمتشددون عادة ما يكونون غير قادرين على الرؤية خارج نطاق منظومتهم الفكرية الضيقة، ولا يمكن أن يكون المرء متسامحاً ولا يرى إلا نفسه ولا أحداً غيره في الوقت ذاته، فالاتجاهان (التسامح والتقوقع في الذات) ضدان لا يلتقيان. وفي عصرنا الحاضر لا يمكن أن يستطيع الفقيه، فضلاً عن العامي، (التعايش) مع العصر ما لم يكن التسامح مطيته في التعامل مع مَنْ اختلف معه.

والتحدي الحقيقي الذي يواجهه المسلمون عموماً، والسعوديون منهم على وجه الخصوص، يكمن في إجابة سؤال مفاده: كيف نُحيِّد الفكر المتشدد، ونمنعه من أن يوجِّه القرار الثقافي والاجتماعي، في زمن ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن (خصوصية) المجتمعات - إن كان ثمة خصوصية - ستذورها رياح (العولمة)، ليجد الفقيه الذي يتعامل مع المتغيرات نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما (العزلة) ومن ثم السقوط والتلاشي، أو (المواكبة) ومجاراة العصر ومتطلباته.

أعرف أن كثيراً من المتشددين لدينا لا يتسع أفقهم لرؤية العصر مثلما يجب أن يروه، ومن حباه الله أفقاً واسعاً من فقهائنا تجده - في الغالب - يحسب لنفسه ألف حساب، فيُفضل الصمت على الكلام، نظراً لشراسة الفكر المتشدد مع مَنْ يختلف معه، وقدرة هذا الفكر على إلحاق الأذى بكل مَنْ يريد إيذاءه، غير أننا يجب ألا ننسى - أيضاً - أن عصر الحوار الذي نعيش فيه اليوم بدأ يُعطي أكله رغم (الإرهاب) الفكري، لنسمع بين الحين والآخر أصواتاً (متسامحة) و(تجديدية)، صحيح أن هذه الأصوات ما تزال أقل من المطلوب، إلا أنها (إرهاصات) مُبشرة، تَعِدُ بغدٍ أفضل وأكثر تسامحاً في زمن لا يمكن أن يتعايش معه إلا المتسامحون.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد