Al Jazirah NewsPaper Friday  11/01/2008 G Issue 12888
الرأي
الجمعة 03 محرم 1429   العدد  12888
معوقات الاستثمار في الوطن العربي
د. أحمد بن صالح العثيم-كاتب اقتصادي

لاتزال حصة الدول الرعبية من إجمالي التدفقات الاستثمارية العالمية متدنية للغاية مقارنة بالإمكانيات الضخمة التي تمتلكها، فبالنسبة لتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى الدول العربية، فلقد استقطبت نحو 14 دولة عربية خلال عام 2006 نحو 28 مليار دولار مسجلة بذلك أعلى مستوى يتم رصده لتدفق الاستثمارات الأجنبية الواردة الى الدول العربية وتصدرتها السعودية بنحو 4.6 مليارات دولار بنسبة 16.5% من إجمالي الاستثمارات المتدفقة للمنطقة العربية، تلتها المغرب بنحو 3.7 مليارات دولار، ثم السودان بنحو 3.2 مليارات دولار، وليبيا 3.1 مليارات دولار والكويت 2.9 مليار دولار وسوريا 2.7 مليار دولار، وقد استحوذت هذه الدول الست على نسبة تعادل 72.5% من إجمالي الاستثمارات الواردة الى المنطقة العربية، ولقد ارتفعت الاستثمارات الأجنبية الواردة إلى الكويت إلى نحو ثلاثة مليارات دولار مقابل 848.3 مليون دولار في 2005 وعلى الرغم من ذلك وكما قلنا سابقاً فحجم الاستثمارات لاتزال دون الإمكانات العربية.

وفي سبيل تشجيع الاستثمارات تتخذ الدول العربية العديد من الإجراءات لتحسين بيئة الاستثمار بها، وعلى الرغم من ذلك يصطدم الاستثمار في الدول العربية للأسف بمعوقات كثيرة، هي ذاتها في النهاية تشكل معوقات للتنمية الشاملة والمستدامة.

لعل من أهم تلك المعوقات هو عدم القدرة على التصدي للمشكلات القطرية المستعصية، ففي كثير من البلدان العربية هناك حالة صراعات إثنية وطائفية وقبلية وسياسية، كما هو الحال الآن في السودان واليمن والصومال والجزائر ولبنان والعراق وفلسطين، وهذه الظروف تشكل قوة طاردة لفكرة جلب رؤوس الأموال الأجنبية للمنطقة العربية لخدمة أغراض التنمية، فرأس المال الأجنبي يبحث عن الاستقرار.

فرأس المال دائماً يبحث عن تحقيق قدر أعلى من الربح، وليس بوسع المستثمر المغامرة في مشروعات يمكن أن تتعرض إلى الدمار والفشل في أية لحظة، وبالتالي فوجود الإرادة السياسية لحل الأزمات المحلية هو شرط لازم لنجاح خطط التنمية وجلب الاستثمارات من الخارج.

وهناك العديد من الأسباب الأخرى التي تتمثل في المعوقات الإدارية مثل ضعف الأداء الإداري وانتشار البيروقراطية وتفشي الفساد الإداري وعدم الاهتمام بالرقابة الذاتية، كما يأتي تدني مستوى دراسات الجدوى كأحد أهم المعوقات التي تواجه المستثمر، فمعظم دراسات الجدوى الموجودة في الدول العربية لا ترقى إلى المستوى المهني المطلوب، إما لميل هذه الدراسات نحو الإفراط في التفاؤل أو لعدم إلمامها بمختلف جوانب المشروع وعدم تقديرها لاحتياجاته الفعلية، وهناك أيضاً عدم استقرار النظم القانونية، والافتقار إلى البنية التحتية، وخلل السياسات النقدية، ومشكلات التسويق، والتساهل في مراقبة تطبيق المواصفات القياسية، وافتقار أسواق المال لآليات تمويل المشروعات الجديدة.

تلك كانت المعوقات التي يواجهها الاستثمار في الدول العربية بوجه عام، أما عن المملكة العربية السعودية فإن بيئة الاستثمار في المملكة تواجه عدداً من التحديات لا تتماشى مع الجاذبية الاستثمارية للمملكة، إذ تفيد البيانات والمؤشرات والأرقام، سوء تلك الخاصة بنصيب المملكة من تدفقات الاستثمار الأجنبي أو تلك المتعلقة بمكانتها في المؤشرات العالية، بأن بيئتها الاستثمارية تشهد تحسناً كبيراً، حيث بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة 68.6 مليار ريال في 2006م.

وبالرغم من تلك الطفرة، فلا يزال حجم التدفقات الاستثمارية في المملكة دون مستوى الإمكانات والطموحات، ويرجع ذلك إلى استمرار بعض التحديات التي يجب التغلب عليها، ومن بين هذه التحديات: التحكيم القضائي إذ لاتزال مشكلة بطء إجراءات التقاضي وارتفاع تكلفته تشكل مشكلة حقيقية تتطلب جهوداً سريعة لمواكبة حجم الإنجاز الذي تحقق في الاقتصاد، فالكثير من الشركات الأجنبية في المملكة تفضل شرط التحكيم الأجنبي في اتفاقياتها، فالبطء في التقاضي يؤدي إلى تأجيل الكثير من القرارات الاستثمارية التوسعية، وربما إلغاء فكرة الاستثمار بشكل عام، ويمكن في هذا الصدد تفعيل الاتفاقيات الخاصة بالتحكيم ومؤسسات التحكيم الدولية والإسراع في إنشاء المحاكم الاقتصادية والاستثمارية، بجانب تخصيص دوائر لمنازعات الاستثمار الأجبني وهو تقليد تتبعه العديد من الدول حالياً، ويمكن فتح مكاتب التحكيم التجاري في كل تجمع استثماري كالمدن الصناعية والاقتصادية.

كما يعد نظام العمل أحد تلك العوائق، فخطة السعودة تشغل بال كثير من المستثمرين، ويمكن تفعيل وتطوير هذه الخطة من خلال تقديم الحوافز المختلفة للشركات التي توظف وتدرب أكبر عدد من السعوديين من خلال الإعانات أو تقليص الضرائب، كما يمكن أيضاً تحديد معدلات أقل للسعودة في بعض القطاعات التي تعاني ندرة في الكفاءات الوطنية الماهرة، بالإضافة إلى ذلك لابد من مواصلة تطوير مناهج التعليم والتدريب لتكون أكثر استجابة لمتطلبات الاقتصاد بالتركيز على المجالات والمهارات التي يتطلع لها سوق العمل مع ضرورة إشراك القطاع الخاص في هذه العملية.

كما تعتبر أنظمة الاستقدام من بين عوائق الاستثمار حيث تشكل مشكلة القيود المفروضة على الاستقدام أو الحصول على تأشيرات الدخول للمستثمرين ومندوبيهم معوقاً آخر قد يؤخر تنفيذ المشروعات، وبالرغم من الإجراءات التي اتخذت مؤخراً لحل هذه المشكلة إلا أن هناك تذمراً منها، وهو ما يتطلب البحث في أسباب المشكلة وإيجاد حلول فورية لها، ومن هذه الحلول إقامة قناة اتصال مباشرة بين شبكة الجوازات في المطارات والمنافذ المختلفة مع الغرف التجارية أو الهيئة العامة للاستثمار للتنسيق في استقدام الشركات المحلية والجهات الاقتصادية المختلفة لشركائها ومندوبيهم أو استقدام المستثمرين المحتملين.

ومن الأمور المؤثرة على الاقتصاد السعودي عدم توفر مصادر مختلفة للتمويل ووجود عدد قليل من البنوك العاملة في المملكة ووجود قيود كثيرة على التمويل وضعف المعلومات والبيانات المتاحة. ولتجاوز هذا التحدي يجب منح المزيد من التراخيص لمؤسسات التمويل العالمية لكي تسهم في تنويع مصادر التمويل وتطوير أساليبه، كما يجب تفعيل أنظمة سوق المال السعودي وزيادة عدد الشركات العاملة فيه وتسهيل عمليات الإدراج والطرح، كما يجب استكمال عناصر السوق المختلفة ومنها وجود سوق للصكوك والسندات.

ومن بين العوائق التي تحد من تدفق الاستثمار الأجنبي، الفجوة الكبيرة بين أرقام البيانات الاقتصادية الحكومية وبين تقديرات المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما، مما يسبب مشكلة في الحصول على البيانات الدقيقة التي يمكن الاعتماد عليها بشأن المؤشرات التنموية. لذا فإنه لابد من معالجة تلك المشكلة لما لها من انعكاسات سلبية، فالقرارات الاستثمارية تبنى دائماً على دراسات وتحليلات مختلفة للمؤشرات والبيانات المتاحة التي تربط ارتباطاً وثيقاً بتحسين بيئة الاستثمار.

كما أنه من الضروري إجراء مسح شامل ودقيق للفرص الاستثمارية المتاحة في المملكة في جميع القطاعات والمناطق، وتعميمها على أنشطة المستثمرين المحتملين، وضرورة القيام بحملة إعلامية مكثفة للتعريف بأنظمة الاستثمار في المملكة والمزايا الممنوحة للمستثمرين، وترويج الفرص الاستثمارية والمزايا النسبية، مشيداً في هذا الصدد بجهود الهيئة العامة للاستثمار، مؤكداً أنها قدمت صورة إيجابية عن الاقتصاد السعودي.



asa5533@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد