Al Jazirah NewsPaper Tuesday  15/01/2008 G Issue 12892
الاقتصادية
الثلاثاء 07 محرم 1429   العدد  12892
المسؤولية الاجتماعية بين حقوق المانحين وحقوق المجتمع
د. عقيل محمد العقيل

زيد من السعوديين دخل في عالم التجارة فوجد رعاية وحماية ودعماً وتفضيلاً من حكومة تسعى لتقوية العناصر الوطنية في القطاع الخاص ليلعب دوره كشريك حقيقي للحكومة في تحقيق الأهداف التنموية، زيد هذا الذي استفاد مما قدمته له الحكومة السعودية أصبح مليونيراً أو لنقل مليارديراً يشار له بالبنان ويعمل رئيساً لمجالس إدارات الكثير من الشركات فضلاً عن عضوية عدد كبير منها فهو بالإضافة لقوته المالية الفردية يتمتع بقوة كبيرة في صناعة واتخاذ القرارات في الكثير من الشركات الخاصة الكبرى.

ماذا تتوقع الحكومة من زيد؟ الحكومة تتوقع من زيد أن يرد الجميل من خلال مساندتها بتقديم خدمات وسلع عالية الجودة متناولة التكلفة بأرباح معقولة لا جشع فيها، كما تتوقع منه ألا يتصرف تصرفات منافية للأخلاق أو القانون في سبيل تحقيق أهدافه الخاصة على حساب المصلحة العامة، كما تتوقع منه أن يساهم في معالجة الكثير من القضايا المجتمعية التي تؤثر في البيئة العامة للبلاد التي تؤثر بصورة أو بأخرى بنشاط منشآته.

وماذا يتوقع المجتمع من زيد؟ المجتمع وبكل تأكيد يتوقع من زيد أن يكون الولد البار لأبناء وطنه من خلال سعيه المتواصل لتلمس قضاياهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمساهمة في معالجتها بما لديه من قوة مالية ومكانة اقتصادية وعلاقات محلية ودولية وثيقة وماذا يريد رجل الأعمال القائم على مؤسساته؟ لا شك أنه يريد لها أن تنمو أفقياً ورأسياً وتحقق أعلى الأرباح، وإذا نظرنا إلى ما تريده الحكومة ويريده المجتمع من ناحية وما يريده رجل الأعمال لوجدنا تناقضاً في الأهداف، فكيف لنا أن نوفق بينهما؟ المنافسة الشديدة في (العالم الرأسمالي المتقدم) بين المنشآت الخاصة المحلية والدولية التي تعاظم دورها في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، أوجدت حلاً لهذا التناقض، حيث تعمل تلك المنشآت على تطوير فكرها وسلوكها لكسب رضى بل وسعادة العملاء والمجتمع من خلال التحرك في عدة مسارات من أجل تحقيق أهدافها الربحية في المحصلة، ولقد أصبح مساري تحسين البيئة الاقتصادية وتوثيق العلاقة مع المجتمع من خلال نهوض تلك المنشآت بمسؤولياتها الاجتماعية أحد أهم هذه المسارات، حيث تعمل المنشآت على إيجاد علاقة وجدانية مع مكونات البيئة التي تنشط بها.

هذا الحل تطورت صيغة بمسمى المسؤولية الاجتماعية للمنشآت التي عرفها البنك الدولي بأنها (التزام من قبل المنشآت الخاصة بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيها والمجتمع المحلي والمجتمع ككل لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب بخدم التجارة ويخدم التنمية في آن واحد)، وهو تعريف يشير بوضوح إلى ضرورة تطوير صيغ تحقق خدمة التجارة والتنمية معا.

مفهوم المسؤولية الاجتماعية الذي نشأ وتطور في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة ارتحل إلينا من خلال عمليات التواصل الحضاري مع الدول المتقدمة ذات البيئات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتطورة، إلا أنه لم يجد البيئة المناسبة لتطبيقه ونموه بالصورة الصحيحة كما هو في تلك الدول، حيث اصطدم بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في دولنا النامية.

المنافسة كانت الدافع الرئيس في نشأة وتطور مفهوم المسؤولية الاجتماعية لمنشآت القطاع الخاص في الدول الغربية المتقدمة، بينما الدوافع التسويقية والدينية والاجتماعية إضافة للاستجابة للضغوط المباشرة وغير المباشرة تشكل دوافع متداخلة لدى رجال الأعمال في بلادنا للنهوض بمسؤوليتهم الاجتماعية، وهو ما جعل منشآت القطاع الخاص السعودي تفتقد لرؤى إستراتيجية لتطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية. ونتيجة كل ذلك منشآت اقتصادية يشتكي القائمون عليها من كثرة الطلبات من الجهات الحكومية والخيرية لرعاية الأنشطة ودعم المحتاجين وتمويل الأبحاث والحملات التوعوية وإغاثة الملهوفين واستكمال المباني إلى غير ذلك من الأنشطة والمناسبات والقضايا التي لا حصر لها، ولقد وجدت لدى شركة مساهمة عامة ملف يكاد ينفجر بكثرة الطلبات المذيلة بتوقيع أمير أو وزير أو شيخ أو حتى مدير إدارة أو عامل في لجنة.. إحدى اللجان الخيرية تطلب شراء سيارة لأعمال اللجنة، وهم يشتكون بأن هذا الوضع لن يمكننا بحال من الأحوال من بناء رؤية إستراتيجية لخدمة المجتمع في مجال معين، كما يشتكون من عدم معرفتهم بمدى كفاءة استخدام تلك الأموال وصرفها فيما طلبت لأجله.

والمجتمع كذلك يشتكي إلى الله تقاعس المنشآت الاقتصادية الكبرى التي تحقق أرباحاً كبيرة وهائلة في بلادنا دون أن يكون لها مساهمة واضحة في خدمة المجتمع، وهم لا يعلمون أن تلك المنشآت تعجز من أن تضع رؤية إستراتيجية يمكن أن تلتزم بها لخدمة المجتمع دون أن تعاني من هذا الالتزام.

إذاً.. إن المسؤولية الاجتماعية في أزمة فلا حقوق المنشآت الخاصة ولا حقوق المجتمع تحققت، لذا أعتقد بأنه حان الوقت لمعالجة هذا الإشكال من خلال جهد جماعي وبظني أن إقامة منتدى دوري لحقوق المانحين قد يساعد في معالجة هذا الإشكال السلوكي الناشئ عن اختلالات فكرية يمكن للمنتدى أن يعالجها إذا تحاور أطراف قضية المسؤولية الاجتماعية بكل وضوح وشفافية.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7842 ثم أرسلها إلى الكود 82244



alakil@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد