Al Jazirah NewsPaper Tuesday  15/01/2008 G Issue 12892
الاقتصادية
الثلاثاء 07 محرم 1429   العدد  12892
{سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ}
فضل سعد البوعينين

ما أعظم دين الإسلام، وما أعظم القرآن الكريم، أنزله الله سبحانه على رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، وتعهد بحفظه حتى يرث الأرض ومَن عليها. قصص القرآن الكريم أوردها الخالق إخباراً للسائلين، وعبرة وعظة للمتفكرين في آياته، ونوراً وضياء لمن أراد أن يقتبس النور الإلهي ويسير على هديه، قال تعالى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِه لَمِنَ الْغَافِلِينَ}.

والله سبحانه وتعالى جعل لنا في قصة يوسف عليه السلام آيات وعبراً كثيرة، ومنها تغير الحال من الرخاء إلى الشدة، ومن العسرة إلى اليسر، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِه آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ}.

كثيرة هي العبر التي أوردها الله سبحانه وتعالى في سورة (يوسف)، ولعلنا نستشهد برؤيا ملك مصر التي أرادها الله سبحانه وتعالى أن تكون خيراً على (يوسف) عليه السلام، وعلى أهل مصر أجمعين.

قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}.

وقد كانت رؤيا الملك سبباً، بأمر الله، لخروج يوسف من السجن، وسبباً في حماية أهل مصر من سنوات القحط والجوع.

فبعد أن عجز الكهنة، وكبار مستشاري ملك مصر عن تأويل رؤياه، تذكر الذي بُشِّرَ بأنه سوف (يسقي ربه خمراً) أمر صاحبه في السجن، فانطلق إليه يسأله {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}، فأجابه يوسف عليه السلام، بعد مداولات لإظهار الحقيقة، وتبرئته عليه السلام مما اتُهم به زوراً، وعَبَر رؤيا الملك، وفيها قال تعالى {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوه فِي سُنْبُلِه إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيه يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيه يَعْصِرُونَ}.

وقد مَنّ الله سبحانه وتعالى على أهل مصر وملكها بأن أرشدهم إلى ما يحفظون به خيرات الرخاء لأيام الشدة، وأمر الله نافذ، فتحققت الرؤيا، و أنجى الله أهل مصر من مجاعة ماحقة بحسن التدبير الذي أرشدهم إليه، وحفظ خيرات الرخاء.

أورد الله، سبحانه وتعالى، في كتابه الكريم (قصة يوسف) لتكون عبرة للمعتبرين، ونوراً وهداية للمسترشدين، قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}. وما أحوجنا في هذه الأيام إلى الذكرى الحسنة، وإلى تتبع هدي القرآن الكريم وتوجيهه حتى في أدق تفاصيل الحياة.

أعدت قراءة الرقم (سبعة) وعلاقته بسنين يوسف، وهل هو حكر على ذلك الزمان والمكان أم ترى أنه امتداد لحكمة أرادها الله لعباده المؤمنين، وتمعنت في مراحل الازدهار والركود في وقتنا الحالي فوجدت أن هناك تشابهاً بين الحالتين في عدد السنين، تقريباً، وفي تغير الظروف الاقتصادية من الركود إلى الانتعاش ثم الركود، وهكذا دواليك.

ما أردت قوله أن الظروف الاقتصادية الحالية لا يمكن أن تدوم إلى ما لا نهاية، وكما أن مرحلة الركود وقلة الموارد قد انقشعت، بفضل الله وبركته، فمرحلة الازدهار الحالية وفوائض الميزانية متوقع انحسارها متى شاء الله ذلك؛ ما يجعلنا أكثر حاجة إلى التخطيط والتدبير، وتحقيق الاستغلال الأمثل لمواردنا المالية، بعيداً عن التبذير أو التقتير، واضعين نُصب أعيننا تقلبات الأمور، ومستقبل الأجيال القادمة.

ونظراً إلى أهمية حفظ الموارد وإنفاقها على الوجه الصحيح طلب يوسف عليه السلام أن يكون قيِّماً على خزائن الأرض، قال تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.

وجاء في التفسير أن (حَفِيظ) أَي خَازِن أَمِين (و عَلِيم) ذُو عِلْم وَبَصِيرَة بِمَا يَتَوَلَّاهُ.

وقال شيبة بن نعامة: (فَيَصْرِف لَهُمْ عَلَى الْوَجْه الْأَحْوَط وَالْأَصْلَح وَالْأَرْشَد).

لثلاث سنوات متتالية شهدت ميزانية الدولة نمواً كبيراً، وفوائض مالية ضخمة ساعدت في إعادة هيكلة الاقتصاد، وسداد الجزء الأكبر من الديون، وإحياء مشروعات التنمية الأساسية.

وجَّه الملك عبدالله بن عبدالعزيز جزءاً لا يستهان به من فوائض الميزانية لدعم قطاعي الصحة والتعليم وقطاعات أخرى، إضافة إلى إصراره، حفظه الله، على تنفيذ استراتيجيته الخاصة لتنمية المناطق، وإنشاء المدن الصناعية، التقنية، والاقتصادية.

كان المواطن محوراً أساسياً لقرارات الملك عبدالله، وعلى هذا الأساس أُقِرَّت المشاريع واُتخذت قرارات الدعم والتيسير على المواطنين.

على الرغم من التوسع في الإنفاق الحكومي إلا أن الفوائض المالية ما زالت أكبر حجماً من أن تُنفق على المشروعات أو خطط التنمية.

وهنا تأتي الحاجة إلى التوجيه الرباني الذي عَبَرَه (يوسف) عليه السلام لملك مصر.

ترشيد الإنفاق، وحفظ الفوائض المالية الحالية للسنوات القادمة التي لا يعلم بأحوالها إلا الله سبحانه وتعالى بات أمراً ملحاً.

حري بنا أن نتأكد من عدالة قيم المشروعات الحالية والمستقبلية، وأن نتعامل مع ميزانية العام وكأنها ميزانية أعوام متتالية، تفرض علينا استثمار كل قرش فيها، والتدقيق في كل ما يُنفق منها؛ من أجل الوصول إلى الكفاءة والعدالة.

إعادة جدولة المشروعات بحسب الأهمية الاستراتيجية وتنفيذها في أسرع وقت أكثر جدوى من ضخ حزم المشروعات الضخمة التي تحتاج إلى أموال طائلة، وسنوات تنفيذ قد تزيد على خمس سنوات في بعض الأحيان.

مشروعات المطارات الاقتصادية، محطات توليد الكهرباء وتنقية المياه، ربط مدن المملكة بشبكة القطارات، إنشاء المصانع التقنية المنتجة، وإسكان الفقراء وتأهيلهم يفترض أن تستأثر بالأهمية والأولوية وسرعة التنفيذ.

استثمار فوائض الميزانية في المشروعات الاستراتيجية المنتجة التي تحقق الربح وتؤمِّن الاحتياجات الداخلية وتدعم قطاعات العمل هي جزء لا يتجزأ من سياسة الادخار الاستثماري، كما أنَّ الاستثمار الخارجي في الأسواق العالمية (القطاعات الإنتاجية) يمكن أن يحقق أهدافاً استراتيجية غاية في الأهمية على المدى المتوسط والطويل.

باختصار شديد يُفترض أن يتم التعامل مع وفرة الأموال الحالية على أنها الرصيد الادخاري للسنوات المقبلة، فينفق منها بقدر الحاجة دون تقتير أو تبذير، وأنها رأس المال الذي يحتاج إلى حُسن الإدارة والتنمية من خلال الاستثمار الأمثل؛ بهدف تحويله إلى مصدر من مصادر تمويل الميزانية مستقبلاً أو على الأقل حماية لها من استنزاف نفقات إعادة البناء والتشييد.

والله من وراء القصد.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244























f.albuainain@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد