Al Jazirah NewsPaper Tuesday  22/01/2008 G Issue 12899
الثلاثاء 14 محرم 1429   العدد  12899
رؤية اقتصادية
حتى لا تتحول الأزمات العاتية إلى مسارات هابطة!!
الإغلاقات المفتعلة سببها افتقاد السوق المسار العشوائي الحر

د. حسن الشقطي

يعتبر مفهوم الكفاءة من المفاهيم التي لم تحظ بالاهتمام الكافي من المحللين في سوق الأسهم المحلي، بل إن البعض يختلط عليه الأمر في التعريف والأخذ بمفهوم هذه الكفاءة.. لدرجة أننا عادة ما نسمع أن البعض ينتقد السوق انتقادات لاذعة نتيجة تعرضه للتداولات العشوائية أو سيره في مسار عشوائي، وهنا يكمن الخلط نتيجة أن هؤلاء البعض يعتبرون أن المسار العشوائي يعرض السوق لمخاطر السير العشوائي، ومن ثم فإنهم يرون أن السوق ينبغي أن يسير في خط منتظم، وجميعنا يعلم أن خير مثال على السير المنتظم هو القطار، الذي يسير منتظما نتيجة وجود قضبان تتخذ خطوطا مستقيمة ومتوازية. أي أنه إذا رغبت هيئة السوق في سير منتظم لمؤشر السوق ينبغي أن تحدد طريقه ومساره المنتظم وأن تبني له قضباناً يسير عليها.. فهل هذا صحي وإيجابي للسوق؟

إن هذا الرأي ليس مشوشا لمفهوم الكفاءة التي تتطلب سيراً عشوائياً حراً، فكلما اتخذ المؤشر مسارا عشوائيا كان أكثر كفاءة، وينطبق الحال على أسعار الأسهم.. فالمسار العشوائي هو المسار غير المنتظم والذي لا يستطيع أي طرف في السوق التأثير عليه، فلا هيئة السوق ولا كبار المستثمرين ولا كبار المضاربين ولا حتى المجموعات يمتلكون القدرة على التأثير أو تسيير مؤشر السوق.

إن المتتبع لحال الوضع يكتشف بسهولة أنه من خلال الإصلاحات المتسارعة تم القضاء على الاحتكارات إلى حد ما وتم التغلب على مشكلة المجموعات نوعا ما، إلا أن المسار العشوائي المطلوب حتى الآن لا يوجد ما يؤكد اكتماله.. فالمسار العشوائي يتطلب حرية تامة وكاملة في ترك قوي العرض والطلب تلعب دورها الرئيسي في تحديد أسعار الأسهم ومن ثم تحديد قيمة المؤشر بعيداً عن أساليب الحث أو التحفيز أو التثبيط أو الافتعال.. هذه الحرية لا يمكن أن يشهد المؤشر في ظلها مثل هذه الإغلاقات المفتعلة أسبوعياً على سبيل المثال.. ففي نهاية كل يوم أربعاء يمكنك أن تراهن على إغلاق المؤشر على لون معين مهما كان شكل وحجم حركة التداول.. فعلى سبيل المثال خلال العام الماضي كنا نراهن على الإغلاق السلبي مهما كانت إيجابية التداول، أما خلال الثلاثة شهور الأخيرة كنا نراهن أسبوعياً على الإغلاق الإيجابي مهما كانت الضغوط أو سلبية السوق. لماذا كل ذلك؟ لأن المؤشر لا يسير عشوائياً بشكل تام، بل يسير أحادي الاتجاه..

فخلال ثلاثة أو أربعة شهور متواصلة سار المؤشر في مسار أحادي صاعد.. وكانت كافة معطيات السوق الرسمية وغير الرسمية تدعم هذا الصعود.. أما الأحد الماضي فقد ضربت السوق أزمة هبوط عاتية أفقدته 7.5%.. هذه الأزمة إن لم يصدر تنويه رسمي عنها قد تستمر حتى تصبح مسارا هابطا.. هذا المسار الهابط قد يصبح مسارا أحاديا للهبوط لفترة طويلة.. وذلك لو سمح لسابك والراجحي بالهبوط المستمر والمتصل.. أي أن المسار الأحادي للمؤشر هو المسار الذي سمح لسابك أن تواصل الصعود بلا مبرر بعيدا عن معطيات العرض والطلب الحقيقي القائم على الوضع المالي للشركة، لدرجة جعلها تتجاوز السعر العادل بمسافات بعيدة.. هذا المسار لو انقلب اليوم لهبوط أحادي مستمر سيجعل السوق أيضا أبعد ما يكون عن المسار العشوائي الحر الذي يتأسس حسب قوى العرض والطلب الحرة القائمة على الأداء المالي للشركات.. أي أن افتقاد المسار العشوائي الحر ربما يكون أحد أبرز أسباب المصداقية السوقية التي يفتقدها السوق من حين لآخر.. ونشبه ذلك بالاقتصاد الذي يدار حسب فلسفة التوجيه التأشيري والاقتصاد الذي يدار حسب قوى السوق الحر.

ومن جانب ثان، فإن السوق الكفؤ هو السوق الذي يحقق هدف التخصيص الأمثل للموارد المالية والاقتصادية في السوق، ونحتاج للتأكد مما يلي: هل الأطروحات التي يتم الاكتتاب فيها هي أنسب ما يمكن تقديمه للاقتصاد الوطني؟ بل هل الاقتصاد الوطني في حاجة لهذه النوعية من الشركات، وفي هذه المرحلة بالذات؟ أهم من كل ذلك، هل توجد خطة لهذه الأطروحات تصنف الأنشطة والأولويات المطلوبة في الاقتصاد الوطني أم أن هدف عمق السوق هو المحرك الرئيس لهذه الأطروحات؟ لا غبار على أن هدف زيادة عمق السوق هو هدف نبيل ويمثل مساعي حميدة ومطلوبة لعلاج أحد أهم مشكلات السوق، ولكن ينبغي أن يمتزج مع هذا الهدف ما هو أهم، وهو الحرص على أن تلبي هذه الأطروحات متطلبات التنمية للاقتصاد الوطني التي تمثل الهدف الأهم والأشمل الذي بني وأسس سوق الأسهم من أجله.

إن هناك ما يعرف بتكلفة الفرصة البديلة في الاقتصاد، تلك التكلفة التي تشير إلى أن كل اكتتاب يتم طرحه في السوق يحرم اكتتابا آخر من الظهور، قد لا تكون هذه النظرية واضحة الآن، لكنها ستتضح في المستقبل عندما تقل حجم السيولة المتاحة لتغطية الاكتتابات، وذلك لأن كم هذه السيولة يمثل كمية محدودة وليس كمية لا نهائية، وحتما سيأتي يوم تضعف هذه السيولة، وعندها ستتضح جليا تكلفة هذه الفرص الضائعة.. وهنا أيضا تتضح أهمية المسار العشوائي الحر الذي سينجح اكتتابات في حين ينبذ أخرى.. البعض يعتبر أن فشل اكتتاب معين إنما هو فشل للسوق، ولكن هذا الرأي يخالطه الصواب لأن ترك قوى العرض والطلب للعب دورها في تحديد مدى نجاح الأطروحات الجديدة هو الضمان الوحيد والكافي لقدرة سوق الأسهم على تحقيق التخصيص الأمثل للموارد المالية في الاقتصاد الوطني.. بل إني اقترح ضرورة التفكير في آلية مبتكرة لتحديد أسعار الاكتتاب وعلاوات إصدارها حسب قوى العرض والطلب.. بحيث تضع أسعار الإصدار على المحك (في ميزان تقييم المكتتبين) حتى تحصل كل شركة على تقييم حقيقي وعادل لسعر اكتتابها بناء على رؤى وتقييمات المكتتبين.

إن أزمة الأحد الماضي في السوق قد تكون أحد نتائج افتقاد المسار العشوائي الحر.. بما يدلل على أن طريق الإصلاح لا يزال طويلا ويتطلب المزيد للوصول إلى حد الكفاءة المرجوة والتي تضع السوق على المحك مع الأسواق العالمية.

*محلل اقتصادي


Hassan14369@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد