Al Jazirah NewsPaper Tuesday  22/01/2008 G Issue 12899
الثلاثاء 14 محرم 1429   العدد  12899
دفق قلم
شبابنا والتذبذب
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أشرت في مقال سابق إلى نماذج من شبابنا من الجنسين يرتادون الأسواق للمعاكسات بصورة مؤلمة جعلتني أقدِّم اعتذاراً حاراً إلى حبيبنا (الحياء) الذي يضبط المجتمعات البشرية ويهذِّب سلوكها، ويقرِّب أصحابه من رضوان الله سبحانه وتعالى والجنَّة.

وأشرت في ذلك المقال إلى ذلك الأثر الروحي الهائل لصوت الأذان حينما جلجل في الآفاق كما أشرت إلى أن بعض أولئك الشباب الذين كانوا في السوق بملابسهم الملوَّنة (النسائيَّة) وبقصَّات شعر رؤوسهم العجيبة، وبأنواع متطورة من أجهزة الجوَّال ذات المواصفات الجديدة الناقلة لما هبَّ ودبَّ ووقع وطبَّ من الصور، والمعلومات والعبارات التي تفوق الحصر، أقول: أشرت إلى أن بعض هؤلاء الشباب بهذه الهيئات الغريبة قد اتجهوا إلى المسجد للصلاة فأثلج اتجاههم ذلك صدري وجعلني أقول منتشياً (مزيداً من التألُّق)، ولقد حرصت كلَّ الحرص على الحديث مع بعضهم لأعرف ما لديهم من الأفكار، ولأطَّلع على ما تحمله نفوس شبابٍ تدلُّ مظاهرهم على (الانحراف).

حينما خرجنا من المسجد رأيت شابين، خارجين من المسجد فاتجهت إليهما قائلاً: (السلام عليكم) فردَّا السلام باهتمام وصافحاني بمودَّة وتقدير وتعاملا معي بطريقةٍ جميلة شجعني على فتح باب الحوار معهما.

وحتى تكون الصورة واضحة أصف لكم مظهرهما الخارجي كلاهما يرسمان خيوطاً سوداء دقيقة في مكان الشارب والعارضين تلفت النظر مع نعومةٍ شديدةٍ في الوجه بصفةٍ عامة، وكلاهما يرتديان قبَّعتين عليهما رسوم تجريدية لأشكال كاريكاتورية لافتة للنظر، وكلاهما يرتديان بنطالين ضيِّقين جدَّاً من نوع (الجنز) وقميصين ورديِّين لا يليقان إلا بالفتيات، وكان يحملان على الكتف (مِعْطفاً) ثقيلاً لارتدائه حينما يشتد عليهما البرد.

سألتهما وهما مبتسمان: هل أنتما محافظان على الصلاة في المسجد دائماً؟ قال أحدهما متولِّياً الإجابة عن صاحبه: نعم نصلي في المسجد ولكن ليس دائماً، فنحن لا نصلي في مسجد الحيِّ لأن ملابسنا تمنعنا من ذلك وبعض رجال الحي يتدخلون في شؤوننا الخاصة فيعاتبون بقسوة على هذه الملابس التي نلبسها. وسألتهما: لماذا تأتيان إلى السوق؟ فقالا ضاحكين: نقضي أوقات الفراغ الطويلة ونستأنس، قلت لهما؟ كيف يكون هذا الاستئناس وبماذا، وتورَّد خدَّاهما الناعمان، وضحكا ضحكاً عالياً وقال أحدهما: أنت شاعر يا دكتور وتعرف معنى الاستئناس في السوق، فقال له صاحبه مبادراً: لا تغلط فالدكتور عبدالرحمن شاعر مطوِّع، قلت له مبتسماً: ولكني أريد معرفة معنى الاستئناس.

قال مبتسماً مع شيء من الخجل: نكحِّل عيوننا ونبحث عن صَيْدات حلوات.

ودار معهما حوار طويل تبيَّن لي من خلاله أن النسبة الكبيرة من الشباب ذكوراً وإناثاً الذين ينزلون لوحدهم إلى الأسواق إنما هدفهم الاستئناس وتكحيل العيون بالنظر المحرم لقتل أوقات الفراغ، كما تبيَّن لي أنَّ الخير موجود في أعماق النفوس ولكنَّ الإهمال الشنيع من كثير من الأسر في التربية الإسلامية الواعية والتوجيه هو السبب، لقد أعجبتني صراحة الشابين وأحزنني ما وجدت عندهما من اضطراب الرؤية وتذبذب المواقف وعدم الشعور بالمسؤولية.

إشارة

الإنسان المتذبذب عالة على نفسه ومجتمعه.

www.awfaz.com


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد