Al Jazirah NewsPaper Wednesday  23/01/2008 G Issue 12900
الاربعاء 15 محرم 1429   العدد  12900
أنت
خسارة تدوين التجارب.. الشيخ إبراهيم العنقري نموذجاً
م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

يقول علماء الاجتماع: (إن الشعوب حديثة العهد بالخروج من الأمية شعوب تاريخها روائي وثقافاتها شفهية.. تعتمد في حفظ الحوادث وسردها على المشافهة والتناقل اللفظي والرواة.. وقَصَّاص الحكايات).. أي أن التدوين لم يكن السجل لذاكرة تلك الشعوب.

المشكلة في التجربة الشفهية أنها تكون انتقائية ووفق هوى الراوي.. فهي تُسْتَرْجَع من الذاكرة.. ولا تقف المشكلة عند هذا الحد، بل تتجاوزه إلى احتمال أن يكون راوي الحدث قد تلقى تفاصيله من راوٍ لم يشاهد الحدث ناهيك عن المشاركة فيه.. ولا يخفى على أحد ما يعنيه ذلك من احتمالات التعديل أو التحوير أو الحذف أو الإضافة.. وكل ما يعتري النفس البشرية من خير أو شر أو نسيان أو هوى.. وما يقود إليه ذلك من انتقائية واقصائية وانحياز.

ولا يختلف اثنان على أن مجتمعنا في المملكة حديث عهد بالخروج من الأمية القرائية.. وبالتالي فنحن لدينا تلك الصفات التي تتصف بها مجتمعات المشافهة.. وكما يقول علماء الاجتماع أيضاً: (إن الشعوب التي لا تنعتق من إسار المشافهة تظل ترزح في أغلال الجهل.. فالمشافهة لا تتسع للخبرة التراكمية).

ولو نظرنا إلى ما ينشر من أبحاث ويعرض من برامج في المحطات الفضائية عن قضايا وأحداث تاريخية للشعوب الأخرى المجاورة لنا والبعيدة عنا لأصابتنا الدهشة من كم الأحداث التي مرت عليهم والتجارب التي عركوها والمعارف التي اكتسبوها من تلك الأحداث.. وهذا يثير التساؤل عنا نحن.. وكيف أننا ورغم أن بلادنا في قلب الحدث منذ الرسالة المحمدية.. وفي موقع جغرافي مهم جداً.. وهي قبل كل ذلك قبلة المسلمين في العالم لا يوجد لدينا برامج أو دراسات بحثية عن أحداث أو قضايا مرت بها بلادنا؟.

وأستطيع أن أعرض أكثر من عشرة أحداث وقضايا وطنية مهمة لم يتم التطرق لها أو دراستها رغم مرور 40 سنة على بعضها.. ولعل قصف نجران بالطائرات.. والتفجيرات الإرهابية في منتصف الستينيات الميلادية.. وحرب الوديعة.. واحتلال جهيمان للحرم.. ومعركة الخفجي.. كلها أحداث ليست ببعيدة عن الذاكرة الجماعية الوطنية.

لقد سبق أن طرحت في مناسبات مختلفة على معالي الشيخ إبراهيم العنقري - رحمه الله - وعلى معالي الفريق أول صالح الخصيفان وضباط آخرين عاصروا تفجيرات الستينيات وما تلاها من أحكام أنهت المشكلة.. فكرة توثيق تلك المرحلة ورواية القصص والأحداث التي عاصروها.. كل من زاويته والذي واجهه هو وشاهده بنفسه وعاش أحداثه.. والمطلوب فقط هو تدوين ما يتذكرونه.

اتفقت إجابات جميع من اتصلت بهم على أن هذه أسرار وطنية ليست للنشر.. وكان الرد على هذه الحجة هيناً وبسيطاً.. فالمطلوب ليس النشر إذا كان في النشر محذور (رغم السنين)، بل المطلوب الحفظ في مكتبة وطنية مثلاً كإرث معلوماتي لا بد من الاحتفاظ به وعدم فقده نتيجة فقدنا لمعاصريه.

والسؤال الذي لا يزال يدور في الذهن ويحز في النفس هو لماذا تترك هذه الأحداث التاريخية للنسيان؟.. ولماذا تُتْرك قضايا الوطن للروايات وحكايات المجالس وأهواء المغرضين؟.. إننا إن لم نبادر إلى توثيق أحداثنا التاريخية فسوف يقوم بها غيرنا.. بكل ما يعنيه ذلك من توجيه أو تحريف أو تجنٍ.

رحم الله الشيخ إبراهيم العنقري فقد كان أحد الرجال الذين شاركوا في حماية هذا الوطن في زمن الاضطرابات والقلاقل التي اجتاحت العالم العربي كله وهزت أركانه وأضعفت كيانه وأنهكت مجتمعه.. لقد فقدنا شاهداً على العصر ولم نسجل شهادته.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5913 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد