استمعت وقرأت كغيري من المواطنين عبر وسائل الإعلام حرص خادم الحرمين الشريفين رعاه الله في جلسة مجلس الوزراء السعودي الأسبوع الماضي بتوجيه النصيحة لكافة الوزارات الحكومية بالدولة في أن تكون خدماتها (نقلة نوعية وتبسيط الإجراءات للمواطنين).
والذي يعنيني هنا كباحث في إحدى أعرق الجامعات السعودية وهي جامعة الملك سعود - النقلة النوعية - التي يتمناها أكبر مسؤول في وطني الغالي وعلى رأس الهرم الإداري والوظيفي.
إن مفهوم النقلة النوعية في المجتمعات الحديثة هو أحد المفاهيم الإدارية الحديثة التي تتبناها هذه الشعوب المتقدمة وتبذل من أجلها الغالي والرخيص في الوصول إلى المستوى المطلوب في التقدم الحضاري والتقني والفني بجانب التقدم الإداري لها.
إن النقلة النوعية التي يتمناها خادم الحرمين الشريفين من المسؤولين في الوزارات المختلفة في الدولة هو أن يكون هناك فعلاً تغيير جذري في الفكر الإداري لهذه الوزارات وأن تشمر عن ساعدها لكي تكون الخدمات التي تقدمها بشكل مبسط وسهل يتجاوز كل البيروقراطيات التي نلاحظها في بعض هذه الدوائر.
إن الكلمة المتناقضة للبيروقراطية والتعقيدات الإدارية والتسويف الإداري المُقنع هي - النقلة النوعية -.
إن المفهوم الإداري للنقلة النوعية يبدأ من رأس الهرم الوظيفي في الوزارات المختلفة بحيث تتكون لدى هذا الوزير أو المسؤول أو المدير العام القناعة التامة بضرورة التغيير - للأحسن طبعاً-.
ولا بد أن يعرف أن طريق التغيير لن يمر من أمامه إذا لم يؤمن بشكل جريء بفكره ويطرح جرأته بشكل مهني محترم لمساعديه ووكلائه وبالتالي لمديري العموم والإدارة الوسطى والتنفيذية في الدائرة الحكومية التي يعمل فيها.
ولا يمكن لأي مسؤول في الإدارة العليا في هذه الوزارة أن يطلب من مساعديه - نقلة نوعية - إذا لم يقم بقيادة السفينة كقائد شجاع لا يخشى الغوص في بحر البيروقراطية التي سئمنا منها.
إن صاحب القرار في هذه الدولة لم يرشح ويضع الوزير في أي دائرة حكومية إلا وأنه يعرف تماماً أن لديه الاستعداد لكي يكون صاحب - نقلة نوعية - وصاحب قرار في تحويل وترجمة آمال المليك المفدى إلى واقع وطموحات.
النقلة النوعية أيها القراء الأعزاء كلمة - ذهبية - في معناها وفي تفسيرها وفي تفعيلها، وهي من المصطلحات الجديدة في القاموس الإداري للمجتمعات المتقدمة.
إن اليابان على سبيل المثال لم تتقدم وتصل إلى ما وصلت إليه إلا بعد أن تأكد لديها أن تطور المجتمع يكمن في النقلة النوعية التي تبناها الإمبراطور ميجي 1868م للشعب الياباني وأصبح خياره الوحيد هو النقلة النوعية في الإدارة وفي بناء الإنسان الياباني، في دولة قد لا يعرف الكثير من القراء الأعزاء أنها تعتمد على أكثر من 75% من مصادر الطاقة من الخارج، وأصبحت الآن إحدى الدول الصناعية السبع التي تحسب كل الدول في العالم لها ألف حساب كون ذخيرتها التي تحارب بها هو التحول الاقتصادي الرهيب الذي حدث لها في أقل من مائة عام.
لقد حان الوقت أيها المسؤولون في القطاع الحكومي أن ننفض غبار التعقيدات الإدارية والبيروقراطية وأن نأخذ ما قاله خادم الحرمين الشريفين محمل الفكر النوعي المميز، وأن تكون هناك نقلة نوعية فعلا وقولاً وعملاً.
بل يجب أن تبادر القيادات العليا في الوزارات المختلفة فوراً إلى إثبات حسن النية لديها بأن تبسيط الإجراءات هو ديدن عام 1429هجرية وعام 2008 ميلادية، ويمكن أن أضيف هنا أن تبادر هذه المؤسسات الحكومية إلى إلغاء ما عفا عليه الزمن من قوانين إدارية مستوردة دون أن يتم أي تطوير عليها، والطريف أنك عندما تتحدث لأي مسؤول إداري يعترف ضمنا بأن هذه الأفكار الإدارية هي فعلا بالية وعفا عليها الزمن ولم تعد تصلح للتطور النوعي للوطن.
دور الجامعات ومراكز البحث العلمي
في تفعيل النقلة النوعية
والآن جاء الدور الفعلي من مؤسسات التعليم العالي أن تقوم بواجبها المهني والعملي بشكل سريع لتفعيل معنى النقلة النوعية في مجال الإدارة، فالإحصائيات تقول إن لدينا ستا وعشرين جامعة حكومية وأهلية معظمها يقوم بتدريس علوم الإدارة.
والإحصائيات تقول أيضاً إن هناك الكثير من المراكز البحثية والمعاهد والمؤسسات التي لها علاقة في البحث العلمي الإداري بجانب المعاهد الإدارية الحكومية ووكالات الوزارات للأبحاث والتطوير الإداري.
لقد حان الوقت بشكل جدي ومباشر لأن يتم أخذ ما طلبه خادم الحرمين الشريفين في التغيير نحو الأحسن في المعاملات الإدارية وتبسيط وتسهيل معاملات المواطنين.
بالله عليكم ألا يمكن أن نستورد النظم الإدارية العالمية مثلما نستورد العلوم التقنية والفنية الأخرى؟
ونقوم بتعديلها بما يتناسب والبيئة المحلية آخذين في الاعتبار انضمام المملكة إلى منظمة التجارية العالمية وما يتبعها من تغييرات إجبارية إن صح القول للأحسن.
ألا يمكن أن تقوم هذه المؤسسات التعليمية وتقف موقف رجل واحد في إحداث نقلة نوعية في تغيير هذه الأنظمة الإدارية.
كم هم أعضاء هيئة التدريس في هذه الجامعات المؤهلين الذين يحملون الشهادات العليا في مجال التطوير الإداري؟ وكيف يتم الاستفادة منهم بشكل مهني وعملي سريع؟
بل كم هي الوزارات التي لديها الاستعداد لكي تقوم فوراً بعمل بعض ورش العمل وليست مؤتمرات وندوات وشعارات مع الجامعات والمراكز العلمية ووضع خطة زمنية على مدى السنوات المقبلة ولنقل خمس سنوات في تنقية النظم الإدارية من البيروقراطية وتحويلها لنظام جديد يتوافق مع التطور التقني والحضاري التي تعيشه المملكة.
هل قامت اللجان الاستشارية الإدارية المكلفة في مجلس الشورى السعودي في تبني فكر الملك عبدالله رعاه الله وتقديم مقترحات لتبسيط الإجراءات ولمناقشتها وتبنيها ورفعها لهذه الوزارات لتبنيها.
هل تبادر هذه اللجان في استدعاء بعض الوزراء المعنيين في الدولة للمناقشة والمشاورة في كيفية وضع النقلة النوعية الإدارية وتسيير الإجراءات؟
أتمنى من قلب مخلص لهذا الوطن أن نجد تحركاً فورياً من أصحاب القرار في الوزارات المختلفة ومؤسسات التعليم العالي والكم الهائل من خبراء الإدارة الذين تخرجوا وعادوا إلى الوطن أن يسهموا بشكل فوري لترجمة الفكر النوعي لخادم الحرمين الشريفين يحفظه الله وأن نرى ذلك قريباً وقريبا جداً؟
والله الموفق
e-mail: aturkist@ksu.edu.sa