Al Jazirah NewsPaper Friday  25/01/2008 G Issue 12902
الجمعة 17 محرم 1429   العدد  12902
ما الوباء القادم بعد إنفلونزا الطيور؟
العقيد د. صالح بن إبراهيم الطاسان- دكتوراة إدارة المستشفيات في التأمين الصحي - قيادة المنطقة الغربية - وزارة الدفاع والطيران

في السنوات الأخيرة ظهر الكثير من الفيروسات والبكتريا فجأة .. وسرعان ما تنتشر هذا الأوبئة أو الأمراض وتصبح هاجساً يتحدث عنه العالم بأسره!! دون الخوض أو الاجتهاد منا في معرفة السبب الحقيقي وراء هذا المرض (بعد الله), على سبيل المثال وليس الحصر: فيروس غرب النيل WNV التهاب الكبد Hepatitis C الايدز HIV وايبولا Ebola الذي سجل أول ظهور له في قارة إفريقيا, جنون البقر BSE الذي سجل أول ظهور له عام 1986م ببريطانيا, أيضاً هناك الجمرة الخبيثةAnthrax الذي سجل أول ظهور له عام 2001م بالأرجنتين, وهي سريعة التكاثر فإذا ما استطاع فريق الحصول على بعض خلايا من بكتريا الجمرة الخبيثة، فإنه يمكن تركها تتكاثر في بيئة غذائية مناسبة حيث تعطي جيلا ًجديداً من الخلايا كل عشرين دقيقة، وبعد مرور 10 ساعات من الانقسامات المتتالية لخلايا هذه البكتريا الممرضة، يصبح عددها نحو بليون خلية، ولك أن تتخيل عددها إذا استمر الانقسام تحت الظروف المثلي لمدة أسبوع واحد فقط!! وهناك الالتهاب الرئوي اللا نمطي سارز SARS الذي سجل أول ظهور له عام 2002م, وحمى الضنك Dengue وحمى الوادي المتصدع التي ظهرت في المنطقة الجنوبية بجيزان التي تعتبر كسلاح بيولوجي لسرعة انتقالها من الحيوان إلى الإنسان سواء عن طريق تناول لحومها أو أحد منتجاتها أو وجودها في محيط بيئتنا اليومية. وأخيرا إنفلونزا الطيور الذي سجل أول ظهور له في آسيا عام 1997م، ومنذ ذلك الوقت توفي مئات الأشخاص بسبب هذا الفيروس، جاء موت معظمهم بسبب تعاملهم مع طيور مصابة بالعدوى، والخطر يكمن هنا في إمكانية تغيير شكل الفيروس من نمط إلى آخر مما يصعب علاجه بصورة سريعة، ومن ثم ينتشر بسرعة ليصيب الملايين. وقد يستخدم كسلاح بيولوجي فتاك لوجود نوعين خطيرين جدا (H7 N7 H5 N) على الإنسان, ولكن إذا وقع الوباء بالفعل فإن العالم يبدو غير مستعد لمواجهته، فصناعة الأمصال المضادة للإنفلونزا لا تتجاوز 300 مليون جرعة سنويا، ولذلك فإن إمكانية توزيع عدد من الأمصال ليكفي سكان العالم تبدو مستحيلة، ومن المشكوك فيه أن تكون أي من دول العالم الغنية فضلا عن الفقيرة قادرة على توفير احتياجات مواطنيها.

يقول مدير مركز بحوث الأمراض المعدية د. ميشيل أوسترهولم:

إنه لا يمكن تجنب حقيقة وجود وباء قادم، ولكن يمكن فقط التخفيف من آثاره. ويرصد المركز حتى الآن 10 أوبئة للإنفلونزا اجتاحت العالم على مدى 300 سنة.

وحتى يومنا هذا لا تزال الأمراض المعدية هي القاتل الأول للإنسان، ففي العالم يوجد اليوم 39 مليون مصاب بالإيدز، وبلغ مجموع موتى الإيدز حوالي 25 مليون إنسان، وأصيب في عام 2003م حوالي 9 ملايين إنسان الملاريا والدرن، توفي منهم مليونان، ولكن الإنفلونزا يستحق اهتماما فريدا، فمن بين 1500 ميكروب معروف تسبب الأمراض للإنسان تظل الإنفلونزا على القمة بمعايير الوفيات الإجمالية، وحتى في الظروف العادية فإنه يموت كل عام حوالي مليون ونصف مليون إنسان حول العالم بسبب الإنفلونزا.

وإذا تفشى وباء الإنفلونزا لا قدر الله, فإنه سيغير العالم بين عشية وضحاها، فستنخفض التجارة والسياحة والسفر إلى درجة التوقف، وسيتقلص النقل الداخلي بنسب كبيرة، وتصل التجارة الدولية والإقليمية والوطنية إلى حالة شلل وانهيار تام، وقد حدث شيء قريب من ذلك عام 2003م عندما انتشر وباء سارز، وأصاب على مدى خمسة أشهر فقط حوالي 8000 شخص، مات نحو 10% منهم.

وهناك مشكلة أخرى لا تقل خطورة عن الأمصال، وهي أن المستشفيات غير قادرة على التعامل مع هذا الوباء في حالة وقوعه لا سمح الله، وغير قادرة سريريا لاستيعاب مرضى إنفلونزا الطيور، خاصة ونحن مقبلون على موسم الحج, ونحتاج إلى تفعيل إجراءات الحجر الصحي، والمنظمات العالمية التي تعمل في هذا المجال، مثل منظمة الصحة العالميةWHO ومنظمة الأغذية والزراعةFAO التي تعمل بميزانيات منخفضة بالكاد تكفي لتشغيلها, فضلا عن ما ستتحمله من أعباء جديدة إضافية ومكلفة.

وهناك أنواع أخرى من الإنفلونزا كان يظن أنها اختفت مثل H2H2 التي ظهرت عام 1957م وتسببت في مقتل أربعة ملايين شخص ثم اختفت نهائيا عام 1968م، ولكنها ظهرت مرة أخرى في عام 2001م، ومازالت بعض الشركات الخاصة بحوزتها عينات من هذه الإنفلونزا الخطيرة, وربما تحتفظ بها لأغراض تجارية وليست عسكرية, ليتم بيع أمصالها العلاجية عند الضرورة!!

فيتعين علينا أن لا نغفل عنها وان نبحث في المعامل ونحلل في المختبرات وندرس ونفسر هذه الظاهرة وما شابها في المعاهد ومركز الأبحاث المتقدمة وان لا نعتبرها (بحسن نية) أنها وباء عادي، ثم نفاجأ به في يوم من الأيام كسلاح استراتيجي فتاك لم نعمل استعداداتنا واحتياطاتنا وأساليب الحماية منه، إضافة إلى الاستعداد الجيد في التصدي له. حيث إن مهمة جمع المعلومات الطبية وهي ما يسمى داخل الجيش الأمريكي بالاستخبارات الطبية التي تهدف في المقام الأول إلى بيان أهمية جمع المعلومات المتوافرة عن الأمراض المعدية والمستوطنة والتهديدات الطبية الأخرى بالكرة الأرضية، إضافة إلى المناخ والتضاريس والنباتات والحيوانات والحشرات الضارة بالإنسان والعوامل البيئية الأخرى المؤثرة على حياة الإنسان التي يتم تحليلها وتقييمها وتفسيرها ومن ثم إنتاجها وتوزيعها كاستخبارات طبية، حيث نخشى كما يخشى أوسترهولم أن تقع الكارثة بالفعل دون استعداد، وسيأتي برأيه يوم يكون فيه الوباء قد أتى وذهب، وربما تشكل اللجان لتحدد إلى أي مدى قام قادة ومسؤولو الحكومات والقطاع الصحي بمواجهة الكارثة والاستعداد لها. ويبقى السؤال حائرا .. ماذا بعد إنفلونزا الطيور؟





altassan2000@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد