Al Jazirah NewsPaper Friday  25/01/2008 G Issue 12902
الجمعة 17 محرم 1429   العدد  12902
ما أعظم دروس الهجرة
مصطفى محمد كتوعة

ما أحوجنا إلى أن نقف لحظات لنتأمل دروس الهجرة النبوية الشريفة، ونعي دروسها، ونتدبر جوانب مضيئة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالنبي الكريم الهادي البشير خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة المنورة بعد أن أذن له الله عز وجل بذلك، وبعد أن ضرب المثل الفريد للصبر، وتحمَّل صلى الله عليه وسلم وعانى ما عاناه من الأذى من أهله وذويه من أهل الشرك محتسباً؛ حتى تكون كلمته سبحانه وتعالى هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.

في أول كل عام هجري حري بالعقلاء اغتنام هذه المناسبة العظيمة وغيرها من المناسبات الإسلامية؛ ليقفوا عندها ويتدبروا في دلالاتها ومعانيها؛ ليستفيدوا من كل تلك الجوانب العطرة المضيئة في السيرة النبوية الشريفة في هذا الحدث الإسلامي الذي فرَّق بين الحق والباطل، وكان إيذاناً بقيام الدولة الإسلامية الأولى. فهذه الدروس تصلنا بالسيرة النبوية العطرة، وحري بنا أن نُعلِّمها لأولادنا في مثل هذه الأيام المباركة.. فقبل 1428هـ عاماً أكرم الله عزَّ وجلَّ الحبيب صلى الله عليه وسلم بالهجرة من حرم إلى حرم، وكلتا المدينتين ذات فضل وبركة، وهما أحب المدن إلى الله تعالى، ثم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ففي مكة المكرمة كانت نشأته، والثانية كانت إليها الهجرة الشريفة، وفيها مثواه الطاهر. وقد اختار الله تعالى أم القرى لمكان بيته الحرام، واختار سبحانه المدينة المنورة لمسجد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فحددهما وعيَّنهما وأذّن الرسول الكريم في الناس بالحج إلى الأولى، وبالهجرة إلى الثانية، فكانت في حياته صلى الله عليه وآله وسلم قبل الفتح واجبة، وصارت بعده مندوبة.. مدينتان مقدستان جعلهما الله تعالى حرماً آمناً، فحُرِّم الصيد، وحُرِّم قطع الشجر، وحُرِّم التقاط لقطتهما، وحُرِّم حمل السلاح للقتال، وسفك الدماء فيهما.

إنَّ الأمة وهي تستقبل عاماً هجرياً جديداً لتحدوها الآمال في النهوض من كبوتها وعثراتها؛ لتقوى على مواجهة التحديات، وبناء المجتمع الصالح، وبناء حضارة كما فعل السلف الصالح بالفتوحات الإسلامية والنهضة العلمية.. فالهجرة حركة ونهوض ويقظة ومدرسة عظيمة للحياة السوية.

هذه اللمحات المضيئة من الهجرة النبوية من الواجب أن نحرص كل الحرص على أن نستفيد من دروسها بالعودة إلى الله والتوبة النصوح، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غمار المعارك يتوب إلى الله ويستغفره، ويجأر إلى الله بالدعاء، وأن نمارس الجهاد الأكبر، جهاد النفس، وفي الحديث الشريف الذي يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه يتوب إلى الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة، ويعلمنا أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كل هذا لنتعلم العبودية الخالصة لله عز وجل، وأن نعلم أن الأخذ بالأسباب هو سبب الفلاح، وأن نتقي الله في ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وفي وطننا الغالي الذي يسخر جهده وإمكاناته لخدمة الإسلام والمسلمين وضيوف الرحمن، ويهتدي بهدي الشريعة السمحاء والوسطية البناءة. والأساس في الأمر هو العزيمة والتوكل على الله عزَّ وجلَّ حق التوكل وإخلاص العبادة لله عزَّ وجلَّ.

نسأل الله الهداية، وأن نكون ممن تكون هجرتهم إلى الله ورسوله. وكل عام وأنتم بخير.. وأن يعيد هذه المناسبة الجليلة على وطننا وأمتنا وهي تنعم بالخير والنصر والأمن والأمان، إنه سميع مجيب.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد