Al Jazirah NewsPaper Friday  25/01/2008 G Issue 12902
الجمعة 17 محرم 1429   العدد  12902
رحيل عام وإطلالة عام آخر
د. عبدالله بن سليمان العمار

في لحظة تداخل الزمن ما بين رحيل عام وإطلالة عام آخر، تختلط المشاعر ما بين أسى الوداع وبهجة الميلاد، فالأيام والشهور تسير بانتظام في حياة الإنسان والكل ينظر للأيام ومسيرتها بحسب حاله وما يدور في ذهنه من خواطر وعمل ومواعيد وذكريات... إلخ، وقد قيل إن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، فأوقاتنا وأيامنا تمر بسرعة عكس ما نظن، وأصبحنا نودع السنوات كأننا نودع الشهور ونودع الشهور كأننا نودع الأيام ونودع الأيام وكأننا نودع اللحظات وهكذا دواليك.

ومع رحيل عام وإطلالة عام آخر تتزاحم الرؤى وتتكدس الصور في الأذهان، حين نتذكّر صوراً ووجوهاً غيَّبها الرحيل من زمن الفناء والزوال إلى زمن الأبدية والخلود، تاركة سيرتها العطرة ومآثرها ومواقفها النبيلة، ضاربة الأمثال لنا بأن الإنسان في النهاية موقف إما موقف الشرف والمجد أو موقف الذل والعار.

رحل العام بكل ما فيه من مضحك ومبكٍ، رحل العام وهو يحمل في طياته الحلو والمر، الجميل والقبيح، الأحزان والأتراح، فإذا فكرنا في العودة إلى أحداث كل عام عربي فنجدها أسوأ من سابقه، كما لو عاد الإنسان ولو للحظات إلى مخزون ذاكرته من الأخبار المصورة التي تغذينا بها وسائل الإعلام المختلفة ليشعر وكأنه في غابة يسكنها وحوش من آكلي البشر، كثيرة هي الأعوام التي مرّت أو سُرقت من أعمارنا ونحن غارقون في شعور بليد شعاره الانتظار والركون متخذين شعار محلك سر، فالأيام والسنون تمر والأحداث والخطوب تتوالى علينا، وما تزال جراح أمتنا تنزف وتزيد فيها الأوجاع والألم ومآسيها تتوالى وظلمتها تشتد، لكن لنسأل أنفسنا هل ما مضى كان بالفعل مدعاة حزن وهموم؟ أم أن هناك نظرة أخرى تفاؤلية وباقة أمل يمكن إلقاؤها على الأحداث الماضية ومن ثم استصحابها للنظر إلى العام الجديد؟..

ولنا أن نتساءل كيف يا تُرى سيكون عامنا الجديد؟ وهل ستتواصل معه الهموم وتتوالى الأحزان أم سيشهد عامنا هذا بشريات فرح وسرور؟ فمع إطلالة كل عام يتطلع الناس بأحلامهم وآمالهم إلى القادم الجديد وما يحمله من مستقبل محاولين تجاوز ما خلفه العام المنصرم من فشل وإحباطات لمن لم يحالفهم الحظ؛ لتحقيق بعض آمالهم سواء على المستوى الشخصي أم على المستوى العام، كما أنه لا بد أن يكون للإنسان مع نهاية كل عام من وقفات محاسبة مع النفس لأخذ العبرة، بين مجد مجتهد سعيد وبين كسول خامل شقي، فالعبرة تكمن في الاستفادة من أيام قضاها الإنسان، تعلم في كل يوم فيها دروساً من الممكن أن تدفع به نحو الأمام في سنواته القادمة، أو تتراجع به إلى الخلف، هذه العبرة تتطلب موضوعية وتفاؤلاً قبل ولوج بوابة عام جديد، فالحياة بقدر أسفنا على ما مضى، وليست بقدر تشاؤمنا من المستقبل الآتي وما أودعناه في سنواتنا الماضية من إخفاقات وفشل، والحياة بقدر اجتهادنا في التخطيط الجيد لحياة نتطلع إليها، حياة تحفل بذكريات تستحق أن نتذكرها وتستحق أن نرويها لغيرنا، لأنها تستحق أن نعيشها، هذا هو الإنجاز الحقيقي لكل إنسان يودع عاماً ويستقبل عاماً جديداً كصفحة بيضاء يسطر فيها أولوياته ويمحو فيها أخطاءه التي إن كررها وحملها من عامه الماضي إلى عامه الجديد كان كمن يقضي حياته، ليس ليحيا إنما ليعيش فحسب، فالحياة الحقيقية كما أسلفنا ليست ما يعيشه أحدنا، وإنما هي ما يتذكره وكيف يتذكره ليرويه للآخرين، لكن الأسوأ من كل الاحتمالات هو غياب الأمل والاستسلام لعوامل اليأس والإحباط والفشل، وإذا كنا لم نستطع توقع الأسوأ في الأعوام السابقة، فما الذي يجعلنا أقدر على التنبؤ بعدم وجود الأحسن في المستقبل القادم، إن بعد العسر يسراً وبعد الظلمة فجراً وغداً مشرقاً، ولكل شيء نهاية، وفي واقعنا رغم كل سلبياته، ما زالت هناك شموع تقاوم العتمة والظلام وبراعم تغالب أمواج القحط وأعاصير الدمار، قد يطول الانتظار ويتأخر الحصاد، لكن الفجر قريب بإذن الله حاملاً معه بشائر الخير، فالأحلام الكبيرة تحتاج لوقت، فلا تتحقق في عام أو عدة أعوام، ولا بد أن يبقى الأمل حياً في نفوسنا، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!



e-mail:aammar@saudiedi.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد