Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/01/2008 G Issue 12904
الأحد 19 محرم 1429   العدد  12904
شيء من
نِعمَ القرار
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

القرار الذي اتخذته السلطات في المملكة بالسماح للمرأة بالسكن في الفنادق دون محرم هو عين العقل، ويواكب عصر التطوير والإصلاح الذي يقوده الملك عبدالله بكل اقتدار وتمكن. كنا نقول - وما زلنا - إن هناك كثيراً من القضايا التي يُمارس فيها الرجل السعودي (وصايته) على المرأة بالشكل الذي يُصادر ليس حقوقها فحسب، وإنما (إنسانيتها) أيضاً.

والذين يرفضون مثل هذا القرار هم مجموعة من المتشددين، الذي يفترضون من حيث المنطلق (سوء النية) في المرأة، فيذهبون إلى أن قراراً كهذا سيساعد على انتشار قضايا (قد) تمس أخلاقيات المجتمع مساساً سلبياً. غير أنهم ينسون أو يتناسون أن مثل هذه المحاذير (الافتراضية) تسلب من المرأة - أيضاً - حقها في السكن الذي هو حق (مبدئي) تقره كل شرائع الأرض، وليس شريعتنا الغراء فقط. وليس كل امرأة بالضرورة لديها مَحرم، فهناك من النساء من لا يتوفر لهن محرم لسبب أو لآخر، و(يضطرون) إلى السفر بعيداً عن مكان إقامتهن، فلا يجدن سكناً إلا الفندق، وعندما يُمنعن من السكن في الفنادق إلا بمَحرم معنى ذلك أن ينمن في الشارع!

وما زلنا نتذكر قصة المرأة التي نشرتها إحدى الصحف مؤخراً، والتي نامت مع ابنتها في (التاكسي) لأنها لم تجد فندقاً يسمح لهما بالسكنى؛ فالأنظمة كانت تشترط على من تريد أن تسكن في الفنادق أن يُرافقها محرم.

ويجب أن نعي أن ثمة أموراً كثيرة يجب أن نتركها لاختيار الفرد، ولا نفرضها عليه فرضاً؛ فهو في نهاية الأمر (المُكلف)، وهو بالتالي الذي يُقدر الضرر والضرورة انطلاقاً من أن (الضرورات تبيح المحظورات)، و(الضرر يُزال)، أو (الضرر يُدفع قدر الإمكان).

وعندما نفترض (سوء النية)، وننطلق منه، ونبني عليه ضوابط قراراتنا المدنية، فإننا سنصل بالمجتمع إلى درجة لا تطاق، ولا تتناسب البتة مع ضرورات العصر، ناهيك عن حقوق المرأة؛ فافتراض سوء النية كمنطلق سيجعلنا - مثلاً - نمنع اختلاط الرجال بالنساء في المسجد الحرام، لأن مثل هذا الاختلاط (قد) يُفضي إلى مُحرم. ونحظر على الطبيب علاج المرأة لأنه (قد) يشتهيها ويقع ما حرم الله. ونمنع الطبيبة من علاج الرجل لأنها (قد) تشتهيه ويقع ما حرم الله. ونمنع محلات الماكياج للمرأة لأن الماكياج (قد) يُظهر مفاتن المرأة للرجل الغريب، ويُغري بارتكاب المُحرم!؛ والمحصلة أننا لو أعملنا (قد) الشكيّة أو الاحتمالية في قضايانا بالطريقة التي يُعملها المتشددون، وانطلقنا منها، واعتبرناها مَرجعاً لا يجوز تجاوزه سداً لذرائع، فالأفضل أن نسجن النساء في البيوت ولا يبرحنها إلا إلى القبر، و(نخلص)!

وهذا القرار الصائب جاء بعد قرار الهوية بالصورة الفوتوغرافية الذي أدخل المرأة كصاحبة هوية مستقلة إلى المجتمع بعد أن كانت خارجه. وما زلنا ننتظر مثل هذه القرارات الإصلاحية المتعلقة بحقوق المرأة، وأملنا أن تصدر سريعاً. ولنتذكر أن المرأة في نهاية المطاف هي أمك وزوجتك وابنتك وأختك، وليست (فقط) تلك الداعرة أو الفاجرة كما يتصورها البعض؛ والظلم الذي يقع عليها هو ظلم يقع على أقرب الناس إليك؛ وهل هناك ظلم أشد وأقسى من مصادرة حقوق الإنسان؟.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد