Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/01/2008 G Issue 12904
الأحد 19 محرم 1429   العدد  12904
صالح العجروش رجل المواقف
عبدالهادي الطيب

حقيقة أنا حزين.. فقد صدمني خبر وفاة الشيخ صالح العجروش. وفي اللحظة التي علمت فيها بالخبر المحزن.. تداعت لخاطري صور عديدة لهذا الرجل الطود.. دون مبالغة أو مجاملة.. فقد كان طودا شامخا وشخصية آسرة لكل من عرفه أو تعامل معه. ومهما أشدت بمواقف الرجل فإنني لن أزيد عما قاله رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك.

فقد ذكر في رثائه للشيخ صالح ما يوفيه حقه في حدود المساحة المتاحة.. ولو أنه ترك لقلمه العنان لما أجزأته صفحات الجريدة.. وذلك بحكم صداقة وزمالة مؤسسة على صدق العزيمة وحسن النية وتحدي المعوقات. لقد كان لي الشرف والحظ الطيب أن عاصرت بعض ما ذكره الأستاذ خالد.. وإن لم يكن في البداية.. لكنه كان مع انطلاقة الجزيرة اليومية. كانت الجزيرة 8 صفحات وإجازتها الأسبوعية يوم الثلاثاء.. وهو اليوم الذي كانت تصدر فيه وهي أسبوعية. فأصبح الوضع معكوسا.. الجريدة تصدر كل يوم وتحتجب الثلاثاء ثم توالى التطوير بعزيمة فائقة وتخطيط طموح من الركنين الكبيرين في الجريدة صالح العجروش وخالد المالك ومن خلفهما مجلس الإدارة والعاملون آنذاك كل من موقعه. فألغيت الإجازة الأسبوعية بعد أن تعرضت للتغيير مدة من الزمن من الثلاثاء إلى الجمعة. ثم ألغيت نهائيا إلى يومنا هذا وصارت تصدر يومية دون انقطاع.. وزاد عدد الصفحات إلى 12 ثم 16 وهكذا إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن بعددها الأساسي للصفحات دون الملاحق.

يقول المثل: يد وحدها لا تصفق.. فكانت يدا الجزيرة هذين الرجلين.. صالح العجروش - رحمه الله - وخالد المالك - حفظه الله - والمسيرة التاريخية للجزيرة تشهد بذلك.. دون انتقاص من جهود أي شخص آخر زرع شجرة أو نبتة في حديقة الجزيرة اليانعة وهم كثر..

ومن مآثر الشيخ صالح العجروش رحمه الله التي لا ينساها (الجزيريون) عادته في كل عيد. كان إذا عاد إلى مكتبه بعد إجازة العيد يمر على المكاتب جميعها لمعايدة منسوبيها ولا يستثني أحدا. كما أنه كان يعرف كل العاملين في الجريدة بأسمائهم ويسأل عن أحوالهم إن طرأ عارض لأحدهم.

ذات يوم دخل إلى مكتبي في قسم التصحيح - حيث كنت مسؤولا عن القسم - ولما لم يجدني جلس مكاني وأخذ في توجيه الملاحظات التي رفعت من معنويات المصححين فلما حضرت أثناء ذلك ابتسم وقال: (خلاص مالك لزوم اليوم.. أنا قمت بما يلزم) وذات يوم آخر حدث هذا الموقف الطريف: ابني (المعتز) رحمه الله جاء للجريدة يريد مني شيئا.. ولم أكن قد وصلت مكتبي بعد.. فجلس مكاني في المكتب ينتظرني.. وقد كان -رحمه الله- يشبهني كثيرا.. فدخل الشيخ صالح إلى المكتب.. ومن بعيد أخذ يتحدث بما أتى من أجله ويوجه الكلام لي باعتبار أني جالس.. فضحك الزملاء من الموقف.. فسألهم لماذا تضحكون؟ فأجاب أحدهم: إن الجالس هو الابن وليس الأب. فشاركهم الضحك.. وكان - بعدها - كلما رآني يسألني: (هو أنت وإلا ابنك؟) موقف آخر من مواقفه الرائعة في العدل والإنصاف.. عند توزيع مكافآت القائمين على مسابقة الجزيرة الثقافية الكبرى التي وضع أساسها الأستاذ خالد المالك ثم شاء الله ألا يكملها بسبب استقالته وكان ذلك عام 1404هـ كان هناك اقتراح من بعض المسؤولين الجدد في الجريدة أن تكون المكافآت متفاوتة تزيد أو تنقص حسب مكانة كل شخص خارج إطار العمل في المسابقة وليس حسب مجهوده الذي قام به.. لكن الشيخ صالح وبصفته المدير العام اعترض وساوى بين الجميع في المكافأة رغم اعتراض البعض من ذوي الشأن.. لكنه لم يأبه باعتراض أحد وصرف للجميع سواسية.

يروي لي أحد أصدقائي أنه لا ينسى موقف الشيخ صالح العجروش مع مجموعة من طلبة جامعة بيروت العربية الذين مروا بموقف صعب ماديا في بيروت ذات سنة فأسعفهم بما يفرّج كربتهم ودفع عنهم المبالغ التي كانت مطلوبة منهم دون النظر إلى جنسياتهم حيث كان بينهم سعوديون وفلسطينيون وأردنيون. لقد كان -رحمه الله- كريما حيث الكرم يجب أن يكون.

أعود فأقول لقد حزنت كثيرا لوفاة هذا الرجل الشهم وكأنه واحد من أهلي الأقربين.. لكنها مشيئة الله الذي لا راد لمشيئته. رحم الله أبا خالد وعزائي لأبنائه وبناته ولأسرته الكريمة ومحبيه وأصدقائه ولكل من يعرفه. مع دعائي لله الكريم أن يجعل الجنة مثواه (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد