Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/01/2008 G Issue 12904
الأحد 19 محرم 1429   العدد  12904

غزة: آلام وآمال
د. سعد بن محمد الفياض

 

إنها مأساة العالم المتحضر، مأساة العالم المتشدق بالسلام، إنها مأساة توضح لنا بجلاء زيف الشعارات ووهن القرارات، ومدى التلاعب بالمصطلحات، إنها مأساة الظلم والعدوان، مأساة تسلط القوي على الضعيف، مأساة تضرب بالقرارات والمعاهدات الدولية عرض الحائط، مأساة تبين أننا في عصر انقلبت فيه الموازين حتى أصبح المعتدي الظالم صاحب حق مشروع!!.. نعم نحن في عصر استعراض القوى والتفنن في تطبيق أنواع العقوبات حتى ولو وصلت إلى حد جرائم الحرب التي تحرمها الأديان السماوية، والأعراف والقرارات الدولية، نعم إنها مأساة يشاهدها العالم ويتابعها صوتا وصورة على مدار الساعة، يتابع فصولها ويستعرض مراحلها دون أن يحرك فيه ساكناً أو يسكن فيه متحركاً، بل يتفنن المخرجون الإعلاميون في إخراجها حيث أصبحت مادة دسمة لبرامجهم:

أو ما بكيتم من بكاء صغيرة

أو ما رحمتم حرقة الأيتام

أو ما حلفتم في المجالس أنكم

تستشعرون فظاعة الآلام

تهوي مآذننا على شاشاتكم

وتمزق الأجساد بالألغام

صارت قضيتنا حديث رجالكم

ونسائكم وحديث كل غلام

صارت مدافعنا ورجع أنيننا

صورا تروق لمخرج الأفلام

مشاهد وصور مأساوية، مشاهد لأطفال غزة الأبرياء الذين لا ذنب لهم، مشاهد الأرامل والثكالى والمرضى، إنها صور تعري حقيقة هذا الإنسان في هذا القرن الذي يدعي الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وكرامته، وكأن هذا الشعب المضطهد ليس إنسان له كرامة وحقوق تشمله المعاهدات والقرارات الدولية، شعب يحاصر ويمنع عنه أبسط الحقوق، شعب يقصف بالصواريخ وتهدم عليه البيوت ويقطع عنه الكهرباء والماء والطعام. يحرم أطفاله من الدواء ومن أجهزة الأوكسجين، شعبٌ الجرم الذي اقترفه هو أنه اختار صنادق الاقتراع منهجا ديمقراطيا يسير عليه والحرية مطلبا ينشده والحقوق هدفا يقصده ومع ذلك فإن هذه التنازلات كلها لم تشفع له عند دول القرار، نقول هذا ونحن نشاهد الأجواء المظلمة، والأحوال القاتمة والتي يزداد فيها الصهاينة عتوا وفسادا، وتقتيلا وتخريبا، حصار أكل الأخضر واليابس، انقطاع للكهرباء والماء، منع للوقود، إنها كارثة بل موت بطيء حكم على سكان غزة، بعد أن بحت أصواتهم يناشدون العالم أن يوقف هذه العنجهية التي تنتهجها والإرهاب الذي تسلكه إسرائيل والتي لا تحترم أي معاهدات أو قرارات ومع ذلك فهم صامدون صابرون مطمئنون ثابتون لأن يقينهم بالله قوي، وإيمانهم بمبادئهم ثابت لا يتزعزع يعلمون أن مع العسر يسرا، والفجر الصادق لا يأتي إلا بعد الظلمة الحالكة وكل محنة في طيها منحة، والحصار يصنع الأبطال، الحصار يضع النقاط على الحروف. نبراسهم في ذلك {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ}وشعارهم {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ...} فصبرا يا أهل غزة، صبرا يا نساء غزة صبرا يا أطفال غزة فإن الفرج قريب والنصر آت والعاقبة للمتقين.

Saad.alfayyadh@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد