Al Jazirah NewsPaper Monday  28/01/2008 G Issue 12905
الأثنين 20 محرم 1429   العدد  12905
وفي النفس مساحات
نادر بن سالم الكلباني

الناس يظهرون حرصهم البالغ على ما يرونه حقاً لهم، ويدافعون عنه بكل ما يستطيعون وما يملكون من قوة وقدرة، لكنهم عندما تتبدل مسارات الأمور لا يظهرون حرصهم على الإتيان بواجباتهم ومسؤولياتهم ولو بنسبة بسيطة مما يظهرونه من حرص في حقوقهم، ويعولون كثيراً على طيبة وتسامح وصبر غيرهم وينسون أن لكل شيء في هذه الدنيا مساحته، فللصبر مساحته وللعطاء وللتحمل مساحته، ولكل شعور وأمر مساحته التي يحتلها في أرواحنا ونفوسنا، هذه المساحات تصغر وتكبر بحسب قوة المشاعر وقدرتها على الاستبداد والتفرد على غيرها، فكبر مساحة الحب يكون على حساب مساحة الكره، ومساحات الحزن والألم تكون على حساب مساحات السعادة والسرور، وهكذا تكبر مساحات أشياء في نفوسنا وتصغر مساحات أخرى، ولا شيء يستفز استبداد المشاعر غير الطيبة في نفوسنا ويحثها على كسب المساحات التي انحسرت عن طيب المشاعر أكثر من تكرار طرق الأذى وتكرار حدوث الألم خصوصاً ان جاء من قريب أو عزيز، فالصخرة لا يكسرها معول من أول طرقة لكنها بتكرار الطرق تنكسر، والعود القائم لا ينخره قضم أرضه، لكنه بتكرار القضم ينخر ويسقط، كل الأمور بتكرار طرق أمر عليها تتحول وتتبدل، حتى القلوب الصافية والنفوس المحبة بتكرار أذيتها وبتكرار الطرق على ما يؤلمها تتغير وتتبدل، فلا تكون كما كانت عليه.

الناس - بعضهم - وبأنانية مفرطة لا يصبرون على غيرهم، لكنهم يعولون كثيراً على صبر غيرهم عليهم حتى وإن تجاوزوا كل الحدود، ويستندون على طيبة غيرهم حتى وإن حملوه فوق قدرته، مع أنهم لا يبادرون بالطيبة ولا يحرصون عليها إن تعلقت الأمور بهم، ويقاتلون غيرهم للحصول على ما يرونه حقوقهم دون الاهتمام بواجباتهم مع غيرهم، حتى إذا انحسرت في أرواح غيرهم بتكرار ما يلحقهم منهم من أذى مساحات الطيبة والتسامح والعطاء واستبدت في نفوسهم مشاعر أخرى لا يرضونها، تناثرت الكلمات وطالتهم الألسن وهي تلومهم على تبدل أحوالهم.. منطق لا أفهمه.. والله المستعان.



naderalkalbani@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد