Al Jazirah NewsPaper Tuesday  29/01/2008 G Issue 12906
الثلاثاء 21 محرم 1429   العدد  12906
فيما أبانت القراءة الاقتصادية أن خفض سعر الفائدة بلا فائدة
توقعات باضطراب البورصة الأمريكية وتدهور الدولار وانحدار أسعار النفط

«الجزيرة» - د. حسن الشقطي

لم يكن يخطر ببال العديد من دول العالم أن الأزمة الجديدة التي حلت بالاقتصاد الأمريكي من جراء تخلف كثير من الأمريكيين عن سداد مديونيات سكنهم ستمتد آثارها إلى هذا الحد.. حيث كانت غالبية الدول تعتبر أن هذه الأزمة هي أزمة محلية ترتبط بالولايات المتحدة وحدها، وأنه لا توجد احتمالات لتأثر اقتصاداتها بها. إلا أنه بدأت تظهر قدرتها المتسعة مؤخراً على النيل من الأخضر واليابس داخل وخارج الولايات المتحدة حتى وصل الأمر إلى حد توقع حدوث كساد عالمي وليس مجرد ركود أمريكي. نسعى هنا لتقييم الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة، والسعي لتحديد مدى قدرتها على الخروج من الأزمة؟ لتحديد ملامح السيناريوهات المحتملة لهذه الأزمة؟ وتأثيراتها على دول الخليج؟

تقييم وضع الاقتصاد الأمريكي:

البعض يأخذ مخاوف الركود من جراء الرهن العقاري على أنها مجرد مخاوف مر الاقتصاد الأمريكي بأزمات مثيلة لها في السابق، فحالات الركود التي شهدها الاقتصاد الأمريكي عديدة وبعضها جاء ضاريا، ومع ذلك فقد استطاع تجاوزها.. إلا أن الوضع هذه المرة مختلف، و يكاد يفوق المرات السابقة، فهي ليس مجرد أزمة رهن عقاري يعاني منها بضعة آلاف من الأمريكيين، ولكنها أزمة فقدان السيولة وغياب المقدرة الشرائية، بدأت فيروساتها تتغلغل في مكامن الاقتصاد الأمريكي، حتى وصلت إلى التفاعل البيولوجي مع أزمات أخرى كامنة، من أبرزها أزمة تفاقم الدين الفيدرالي.. لذلك من الضروري تقييم هذه الأزمات معا للتعرف على الأثر الحقيقي لها على الاقتصاد الأمريكي.

عجز الميزانية

مع بداية انتخاب الإدارة الأمريكية الجديدة في عام 2001 كانت الميزانية الأمريكية تسجل فائضا وصل إلى 236 مليار دولار في عام 2000، إلا أن هذا الفائض بدأ يتقلص تدريجياً مع توغل الولايات المتحدة في حروبها الجديدة حتى تحول إلى عجز، حيث وصل إلى حوالي 163 مليار دولار في عام 2007م.

تفاقم الدين الفيدرالي

حسب بيانات U.S. National Debt Clock يقدر حجم الدين الداخلي في27 يناير 2008 بنحو9.2 تريليون دولار مرتفعا من نحو 5.7 تريليون دولار في عام 2001م. كما تشير هذه البيانات إلى أن هذا الدين يتزايد بنحو 1.43 مليار دولار يوميا، نتيجة فوائد خدمته. الأمر الذي أدى إلى وصول هذا الدين إلى حدود خطيرة - كما حدث في خمسينات القرن الماضي - في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، حيث وصل إلى مستوى يفوق 60% من الناتج المحلي الإجمالي، ويأتي ذلك بعد التحسن الملحوظ الذي طرأ عليه في عهد الرئيس كلينتون.

من هم دائنو أمريكا؟

ينقسم دائنو الاقتصاد الأمريكي إلى قسمين، يتمثل القسم الأول في الصناديق الحكومية الائتمانية مثل صناديق التقاعد وصناديق التدوير والأوراق المالية التي يصدرها بنك التمويل الاتحادي، أي أن جميع دائنو هذا القسم أمريكيون تقريبا (أفراد ومؤسسات). أما القسم الثاني، فهي الديون على الجمهور العام، وهي تضم الديون المنبثقة عن الأسهم والسندات في ملكية الجمهور العام للشركات، وهذا الجمهور قد يكون مواطنين محليين أو أجانب، كما يضم هذا القسم المستثمرين الأجانب أو دولاً أو مؤسسات أجنبية أخرى ومتعددة. كما يصنف هذا الدين إلى صنفين آخرين من حيث قابلية التداول السوقي، إلى جزء متداول سوقيا، وهو يبلغ 4.5 تريليون دولار، أهم عناصره هو الاكتتاب التجاري، وقسم آخر غير متداول سوقيا يقدر بنحو 4.7 تريليون دولار، أهم عناصره (Government Account Series (GAS. ويشير أحد تقارير ال(CNN) إلى أنه من بين إجمالي الديون، فإن الديون المستحقة للمستثمرين الأجانب على أمريكا تبلغ 2.23 تريليون دولار. وتحتل اليابان المرتبة الأولى بين الدول الدائنة حيث يصل إجمالي الديون المستحقة لها (586 مليار دولار)، ثم الصين (400 مليار دولار) فبريطانيا (244 مليار دولار)، ثم السعودية والدول المصدرة للنفط (123 مليار دولار).

كما موضح بجدول (2)

التزاوج بين أزمة الرهن العقاري وأزمة الدين الفيدرالي

أي دولة بها كم محدود من السيولة المتاحة للاقتراض، ورغم أن الولايات المتحدة بدأت تقلص من سعر الفائدة ومن ثم سعر الاقتراض، إلا أنها في ذات الوقت تبنت أسلوب الاقتراض الداخلي بكثافة، من أين تأتي هذه القروض الداخلية؟ إنها قروض من الأفراد أو مؤسسات ثم تتطرق إلى ما هو أبعد من أفراد أجانب ثم مؤسسات أجانب، وبالتالي فإن الحكومة الأمريكية كانت تزاحم الأفراد في الاقتراض الداخلي، بمعنى أنها تقدم لهم باليمين تسهيلات للاقتراض، وتحرمهم بالشمال بلجوئها هي ذاتها للاقتراض، وربما هي تقوم بهذا التخفيض من أجل ذاتها ولحصولها على اقتراض بأسعار ميسرة. أي أن السياسة المالية للدولة هي في ذاتها أحد أبرز أسباب أزمة الرهن العقاري.

بنك الاحتياط الفيدرالي يحتاط بتخفيض الفائدة.. ولكن بلا فائدة!

أعلن بنك الاحتياط الفيدرالي عن أربعة مرات لتخفيض سعر الفائدة خلال فترة 4 شهور فقط، بل إن هذه المرة تأتي بعد تخفيض سابق لم يمر عليه سوى أسبوعين. جاءت هذه التخفيضات كما يلي:

1 - خفض 0.50 نقطة في سبتمبر 2007 لتصبح 4.75%.

2 - خفض 0.25 نقطة في 31 أكتوبر 2007 لتصبح 4.50%.

3 - خفض 0.25 نقطة في 8 يناير 2008 لتصبح 4.25%.

4 - خفض 0.75 نقطة في 22 يناير 2008 لتصبح 3.50%.

وعلى ما يبدو أن الاقتصاد الأمريكي قد اكتسب مناعة ضد تأثير مفعول هذه التخفيضات التي باتت غير مؤثرة وغير قادرة على إنعاش مكامن ركوده.

تخفيض سعر الفائدة.. بلا فائدة

رغم تخفيض سعر الفائدة ووصوله إلى مستوى متدن (3.5%) ورغم انخفاض تكلفة الاقتراض لتسهيل سداد المقترضين الأمريكيين، إلا أن الأزمة تتفاقم لما يلي:

1 - أن أعداد الأمريكيين المتعثرين هم في ازدياد.

2 - الهبوط المستمر في أسعار العقارات.

3 - التزايد المستمر في خسائر البنوك نتيجة تعثر المقترضين العقاريين.

4 - التزايد المستمر في خسائر شركات التأمين.

أي أن تخفيض سعر الفائدة ذهب هباء نتيجة ضخامة حجم مديونيات الأفراد المتراكمة منذ فترات طويلة.. بل إن تخفيض سعر الفائدة في حد ذاته لم يكن مقبولا وحده لأنه يقوم على سداد الدين بالاقتراض، وهي نفس السياسة التي أدت إلى تفاقم الدين الفيدرالي العام. وعليه، فلا أمل في تخفيف وطأة المشكلة لدى كل مستهلك أمريكي سوى من خلال تخفيض استهلاكه نتيجة انخفاض مقدرته الشرائية..

ماذا إذا استمر الركود في تزايد كما هو الآن؟

مؤخرا طرح الرئيس الأمريكي خطة تحفيز للاقتصاد بمبلغ 150 مليار دولار، إلا أن أسواق المال قابلت هذه الخطة بتشاؤم حاد أدى إلى تساقطها واحدة تلو الأخرى.. والتساؤل الذي يثير نفسه، كيف يمكن علاج أزمة (الرهن العقاري) بمبلغ 150 مليار دولار، وهي مشكلة تفوق في حجمها التريليون دولار؟ بالطبع ليس في الإمكان ذلك بهذا المبلغ الزهيد.. ومن ناحية أخرى، حتى إذا رغبت الإدارة الأمريكية في تحفيز الاقتصاد بمبلغ يعادل قيمة الأزمة، فهل هي قادرة على تدبيره؟

إن الوضع الحالي يدلل على ما يلي :

1 - ضخامة تكاليف الحرب في العراق وأفغانستان.

2 - عجز في ميزان المدفوعات.

3 - ضخامة واستفحال الدين الفيدرالي.

4 - ازدياد معدل البطالة.

5 - انخفاض القدرة الشرائية.

6 - تعثر العديد من البنوك والمؤسسات التمويلية.

جميع هذه العوامل من المتوقع أن تقود إلى هبوط قوي في معدلات الطلب على السلع والخدمات، هنا يتوقع أن تضطرب البورصة الأمريكية، ومن ثم مزيد من الانحدار للدولار الأمريكي، يعقبه تدهور حاد في أسعار النفط. وهنا مكمن الخطورة على الاقتصاد العالمي وخاصة الاقتصاد الخليجي، حيث إن اقتصاداتها لا تزال تعتمد على الإيرادات النفطية في إدارة عجلة التنمية من ناحية، كما أن أسواقها المالية لا تزال ناشئة ومن ثم فهي عرضة للتأثر القوي لأي تغيرات في الأسواق الأمريكية، وخاصة أسواق الإمارات المتحدة .. ولكن من جانب آخر، فإن هذه الأزمة قد تعود بإيجابيات واسعة على الاقتصاد السعودي الذي هو بمأمن عن مخاوف انسحاب الاستثمارات الأجنبية، بل إنه قد يستفيد من هذا الركود بعودة استثمارات السعوديين المهاجرة نتيجة تفضيلها التقوقع داخل الحدود الآمنة .. لكن مع ذلك فإن ظهور ملامح تفاقم أزمة الركود في الاقتصاد الأمريكي ربما تحتاج إلى التفكير الجاد في تجهيزات وقائية لإدارة الأزمة حال استفحالها ولضمان عدم التضرر من سلبياتها، وإلا فإن الرياح قد تحمل معها ما لا تشتهيه السفن.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد