Al Jazirah NewsPaper Tuesday  29/01/2008 G Issue 12906
الثلاثاء 21 محرم 1429   العدد  12906

إبراهيم العنقري.. رجل الدولة وصديق الجميع!
محمد بن أحمد الشدي

 

توفي قبل أيام معالي الصديق الأستاذ إبراهيم بن عبدالله العنقري بعد مشوار طويل في خدمة وطنه. لقد عرفت الفقيد في وقت مبكر من عملي الصحفي وجمعتني به مؤسسة اليمامة الصحفية في عضويتها وكان يعمل وكيلاً لوزارة الداخلية. ثم بعد ذلك وزيراً للإعلام، وعملت بالقرب منه رئيساً للتحرير فترة عقد من الزمان، ومر علينا وبلادنا الكثير من الأحداث المهمة الداخلية والخارجية.. وكان رجلاً ثابتاً عاقلاً ليس له أي هدف إلا خدمة وطنه وصداقة أهل وطنه دون تفريق من هو! ومن أين هو، يحترم الجميع، ولا يجرح أحداً بقول أو بفعل.. يحارب الشللية ولا يحب (الغمغمة)، وله أسلوب واضح وصارم في العمل.. رجل دولة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وهو يشبه عدداً من رعيل الوزراء الذين سبقوه أو زاملوه من أمثال أصحاب المعالي عبدالله بن عدوان، ومحمد عمر توفيق، وحسن آل الشيخ، وعبدالوهاب عبدالواسع، ومحمد أبا الخيل، وعبدالعزيز السالم.. وغيرهم ممن يتصفون بصفات رجل الدولة في صمته وسمته.. وفقيدنا صامت جداً حتى أنه قال لي يوماً وأنا أزوره في بيته بالملز على أثر وعكة صحية قوية: والله يا أخي محمد إنني آخر رجل يصلح وزيراً للإعلام، فأنا نادر الحديث أو التحدث وضحك.. بل إنه ذات مرة ومن باب المداعبة طلب من أحد زملائه الوزراء وكان حاضراً أن يلقي كلمته في حفلة أقامها لعدد من الصحفيين العرب، لكن فقيدنا إبراهيم قام وألقى كلمة ممتازة، رحمه الله، ولا يجب أن ننسى أن الأستاذ العنقري اشتغل بالكلمة في بداية حياته العملية، فقد عمل مع الشيخ حمد الجاسر الذي تربطه به صلة قرابة، عمل معه سكرتيراً لتحرير اليمامة إبان صدورها في مصر عام 1372هـ وكان الأستاذ إبراهيم طالباً للعلم هناك.. ثم بعد ذلك انتظم في كتابة عمود أسبوعي بعنوان (في المرآة) في جريدة البلاد السعودية يوم أن كانت تصدر بهذا الاسم.

لقد عمل أبو مازن في أعمال كثيرة، وكان لديه ثلاثة أسلحة يتسلح بها: العلم، والتواضع والشخصية المهابة، وقبلها بالطبع إخلاصه غير المحدود لبلده يبرز ذلك في جميع تصرفه المنزه عن كل غرض.

وعندما تم تعيينه وزيراً للإعلام خاف الكثير من الصحفيين الذين لا يعرفونه عن قرب خافوا من شخصيته القوية، ولكنهم سريعاً ما غيروا رأيهم عندما اقتربوا منه.. فقد كان، رحمه الله، ودوداً جداً مع الناس وله ابتسامة مريحة ولهجة قروية محببة. وقد أمر مدير مكتبه بألا يرد مَنْ يسأل عنه، وقد أَنعش ومكَّن جهاز وزارة الإعلام برجال أفذاذ مثل الأستاذ عبدالرحمن كاتب، والسيد ماجد الحسين والأستاذ عبدالرحمن فهد الراشد، وخالد غوث، وغيرهم الكثير والصفات التي كان يطلبها هي الصدق والأمانة.. وبلا شك فهو وكما ذكرت كانت صلته بالكلمة وكان متذوقاً للشعر.. كان يتابع ما يكتب في الداخل أمثال سعد البواردي، وهشام حافظ، وعبدالله الشباط، وعمران محمد العمران، ويكتب كذلك مقالات معينة لكتاب عرب من أمثال أحمد بهاء الدين وسليم اللوزي، وجلال كشك قديماً وحديثاً يقرأ لفهمي هويدي الذي قال إنه يمزج الفكر بالسياسة. ويستمع إلى فاروق شوشة وهو يقرأ الشعر ويطرب له. وقد سعدت بالعمل مع أبي مازن مرة أخرى في رعاية الشباب عندما كان ينوب عن الأمير فيصل بن فهد، رحمهما الله.. أثناء غيابه وقد فاجأني يوماً وأنا أعرض عليه أوراق عملي بقصاصة عليها بيت من شعر لشاعر العربية الكبير أبي الطيب المتنبي تقول:

على قلق كأن الريح تحتي

أوجهها جنوباً أو شمالا

وقال أريد القصيدة كاملة إذا أمكن؟!.. كان في عمله في الرئاسة وغيرها حازماً صادقاً، وكنت يومها أشرف على النادي الأدبي بالرياض ثقافياً فقط.. وقد قرر معاليه أن يعيد النظر في مجلسه وقال: بما أنك تعرف قائمة مجلس لإدارة النادي.. فآمل أن تحضر لمناقشة بعض الأمور عنها - وقد كان - وهذا دليل حرصه على العمل المستمر.

بعد ذلك تم تعيينه في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وسمعنا ممن عملوا معه كيف هي عاطفته وإنسانيته، وكيف كان ينزل من سيارته عندما يرى مقعداً على باب وزارته، ثم انتقل إلى وزارة البلديات وأقر أعمالاً كثيرةً لكن الذي لا يُنسَى هو اعتماده عدداً من المهندسين السعوديين رؤساء لبلديات المملكة حتى الصغيرة ويقول المهندس علي الحسون مدير مكتبه بأنه أصر على هذه الفكرة ونجح فيها خدمة لهذا الوطن وأهله. ثم انتقل ليعمل مستشاراً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين وظل يحمل ابتسامته الأخوية لمن عرفهم من قبل.

ولقد ذكر لي الأخ الأستاذ صلاح السالم مدير مكتب الفقيد بوزارة الداخلية عن صفاته الحسنة الشيء الكثير لكن من أهمها الإخلاص وإنجاز العمل في وقته. رحمْ الله الأخ إبراهيم وأسكنه فسيح جناته.

ولقد كتب قبلي العديد من أصدقائه وذكروا الكثير من صفاته الحميدة لكن من أهمها أنه لا ينسى صديقاً له، ومنهم من عايشه أكثر من خمسين سنة لم يختلفوا يوماً وهذا نبل منه بلا شك.

نعزي أنفسنا وابنه الأخ مازن وابنته عبير وخالهما الشيخ عبدالرحمن الحليس، وكذلك حفيده راكان المقبل الذي أحزننا أيام العزاء وكذلك حفيده إبراهيم وأقرباءه في قريته التي ولد فيها ثرمداء وأصدقاءه الكثر في المنطقة الغربية التي عاش فيها فترة من عمره.. وإلى كل محبي هذا الرجل الفاضل الذي فقدناه!


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد