Al Jazirah NewsPaper Sunday  03/02/2008 G Issue 12911
الأحد 26 محرم 1429   العدد  12911
دفق قلم
هل كان لا يعلم؟
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

كنت جالساً جلسة خاصة مع شخصية اعتبارية، وشرَّقت بنا الأحاديث وغرَّبت في مجلسنا، فالحديث ذو شجون - كما يقولون - ، ولماَّ حطَّت بنا ركاب الأحاديث عند الحديث عن حاجات الناس وأوضاعهم الاقتصادية، واحتراق أوراق الأسهم حتى أصبحت رماداً، وغلاء الأسعار، والفقر المدقع الذي يعشِّش في بيوت أسرٍ كثيرة في المجتمعات الغنيَّة المترفة. رأيت صاحبي يقلِّب عينيه مستنكراً، ويهزُّ قدمي متعجِّباً، ويتأوَّه آهة متضايق، ويلعب بأرقام جوَّاله لعِبَ متشاغلٍ، بدا لي أنه يريد تغيير مجال الحديث؟ فقلت له: كأن الحديث عن المحتاجين ضايقك؟ وكأنما هدمت بهذا السؤال سدَّاً بين لسانه وبين الكلام، فقد انطلق متحدِّثاً بصورة عجيبة متعجِّلة، محاولاً بإسراعه في الكلام أنْ يعبر عن أكبر كمّية من المشاعر التي تكتنفه في تلك اللحظة، حتى وصلت به السرعة إلى الثرثرة، والاضطراب، ثم إلى الفأفأة والاحتباس، ثم إلى إطلاق سؤاله القنبلة الذي هزَّني من الأعماق: وهل هنالك محتاجون إلى هذه الدرجة؟ يا له من سؤال مفجع، لكنني سأتركه جانباً وأشير إلى بعض ما قال في كلامه (المثرثر) الطويل، فقد قال: الناس كُسَالى، لا يبذلون الأسباب، ولا يكدّون ويتعبون، ولهذا فهم فقراء محتاجون، مشكلة كثير من الناس أنه يريد من الأغنياء أن يصرفوا عليه، وكأنه واحد من العائلة، وأن يوصلوا مساعداتهم إلى منزله، وهناك من تجده لابساً أحسن لبس، وظاهراً بأفضل مظهر، ومع ذلك يتظاهر بالحاجة والفقر، مستَدِرَّاً عَطْف الذين تعبوا وواصلوا ليلهم بنهارهم حتى حصَّلوا الثروة التي حصَّلوها بعرق الجبين، ولولا كدُّهم وتعبهم لما ملكوا الأموال التي جمعوها. إن كثيراً من المساكين والفقراء يغلبهم الطمع، فيكذبون على الأغنياء، ويتباكون عندهم حتى يحصلوا على المال بدون تعب من الذين تعبوا حتى حصلوا على هذا المال.

نحن لسنا وكلاء آدم على ذرّيته، فعلينا أنفسنا وأهلنا، وعلينا إخراج الزكاة بطرقنا الخاصة، ولسنا مسؤولين عن هؤلاء المحتاجين الذين لا يسعون في الحياة وإنما يريدون الحصول على المال والثروة، وهم نائمون.

هكذا كان توجُّه صاحبي في الحديث، وهو جزء يسير من كلام كثير ترجمته لكم بهذه الصياغة، وإلاَّ فإن كلامه كان من الاضطراب والتشتُّت اللفظي والمعنوي بمكان.

قلت له: أولاً: المال ليس لك وإنما هو مال الله منحك إياه، وسيسألك عن كل صغيرة وكبيرة فيه، وثانياً، ألم تطلع يوماً مَا على أحوال فقراء ومحتاجي المدينة التي تسكنها عن قرب؟ ألم تسمح لسيارتك الفارهة أن تجوب شوارع أحيائهم الضيِّقة لتشاهد بأم عينيك ما هم عليه من الفقر والفاقة؟!

قال: لم أفعل ذلك، وأنا - أصلاً - أعتقد أن في الموضوع مبالغة تتجاوز حدود المعقول المقبول.

قلت: فإذا أخبرتك الآن أنَّ في مدينتك أسراً ليست بعيدة عن منزلك الفاخر هذا لا تجد لقمة العيش، ولا تستطيع أن تفي باحتياجات واحدٍ من أبنائها، أو بناتها المدرسية، ولا تتمكن أن تجلب إلى أولادها كسوة الشتاء من الملابس المستعملة فضلاً عن الجديدة، إذا أخبرتك بهذا هل تصِّدق؟

كان قد أصابه الذُّهول، وأبدى رغبته في إنهاء الحديث.

إشارة: إذا كان بعض الأثرياء على هذا المستوى من الجهل بحال الفقراء فمن أين يأتي العلاج؟

www awfaz.com


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد