Al Jazirah NewsPaper Tuesday  05/02/2008 G Issue 12913
الثلاثاء 28 محرم 1429   العدد  12913
شيء من
المجتمع المدني والديمقراطية
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

يُعرّفون الديمقراطية بأنها (حكم الشعب نفسه بنفسه)، ومن خلال الانتخابات يجري التمثيل النيابي، وتحت قبة البرلمان يتحاور النواب، وما تراه الأكثرية يقر، وما ترفضه يرفض. أما الحقوق الخاصة للأفراد فلا علاقة لها بالأكثرية والأقلية، حيث لا تجيز الديمقراطيات على مختلف أنواعها وتوجهاتها لمن يملك الأغلبية أن (يُصادر) الحقوق المبدئية للأقليات. كما أن (الفصل) بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية يعتبر أحد الأسس التي لا يعمل الحل الديمقراطي إلا بها.

في لبنان انتهت بهم الديمقراطية إلى الحروب الأهلية، والأزمات الاقتصادية، و(التخلف) على جميع المستويات. السبب في رأيي أن الديمقراطية والطائفية نقيضان. فلا يمكن أن تقر الطائفية، ولو بشكل جزئي، وتطبق في ذات الوقت نظاماً ديمقراطياً. لذلك يمكن القول إن اجتثاث الطائفية من لبنان هو بمثابة شرط الضرورة الذي لا يمكن تجاوزه لنجاح الحل الديمقراطي.

تاريخ التجارب السياسية في المنطقة يقول إن الدول الأكثر ديمقراطية (نسبياً) هي الدول الأكثر أزمات سياسية. السبب أن التقسيم القبلي والطائفي لا يمكن أن يتماهى مع الحلول الديمقراطية. وهذه التقسيمات، ولأسباب موروثة، هي تقسيمات ضاربة في جذور هذه المجتمعات، وتحتاج إلى أجيال لاجتثاثها من البنية الاجتماعية. ومن أجل أن تبني مجتمعاً تستطيع الآلية الديمقراطية أن تعمل فيه لابد أن يكون هذا المجتمع مجتمعاً (مدنياً) حقيقياً، بمعنى أن القفز إلى الآلية الديمقراطية دون تهيئة المجتمع (مدنياً) لن ينتهي بفشل التجربة السياسية فحسب، وإنما قد يؤدي إلى تفجير المجتمع وتفككه، وهنا أس المشكلة.

دعونا نأخذ العراق كنموذج. العراق في عهد البعث كان مرتعاً للفساد الإداري والمالي ومصادرة الحقوق، بينما كان الأمن مستتباً تماماً. وعراق ما بعد البعث كان أقرب دول المنطقة للديمقراطية وصيانة الحريات والشفافية، غير أن ذلك كان على حساب الأمن، ليثور السؤال: أيهما الأهم: الأمن أو الديمقراطية؟

حماس وصلت إلى الحكم من خلال صناديق الانتخابات، وهاهي (غزة) التي تسيطر عليها حماس ترزخ تحت حكم شرذم الفلسطينيين، وجوّعهم، واغتال عن سابق تصور وتصميم من قبل القادة التي أتت بهم صناديق الانتخابات أي أمل في السلام، وفي الدولة الفلسطينية (الموحدة) والمستقلة، وأصبح الهروب من غزة، ومن سلطة حماس، أمل يراود فلسطينيي غزة الذين يتضورون جوعاً، ولا ينتهون من مشكلة إلا ليقعوا في مشكلة أخرى، ولا من تشييع جثمان شهيد إلا لتشييع آخر.

أعي، كما يعي كل كاتب موضوعي، أن التجربة الإنسانية أثبتت أن الديمقراطية هي الحل الأنسب، أو على الأقل أفضل الحلول السيئة، غير أن تفعيلها لتحقق أهدافها، تحتاج إلى (ثقافة مدنية) كشرط ضرورة، وهذا ما تفتقده شعوب المنطقة للأسف. فالديمقراطية تتطلب أن تنتقل المجتمعات الناطقة بالعربية من فكر القبيلة وأفضلية الأصل، وفكر التعصب للطائفة، إلى مجتمع تتكون مؤسساته حسب معطيات المهنة، أو المصلحة، أو الخدمات الاقتصادية والاجتماعية، بغض النظر عمن يكون أعضاء هذه المؤسسة أو تلك عرقياً أو طائفياً.

المجتمع المدني أولاً، دون ذلك لا يمكن للآلية الديمقراطية أن تكون قادرة على العمل، وترسيخ الاستقرار، مهما كانت الرغبات صادقة.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد