Al Jazirah NewsPaper Saturday  09/02/2008 G Issue 12917
السبت 02 صفر 1429   العدد  12917

أهيب بقومي!
إلى متى نتفاخر بهذه الأفعال؟!
فائز موسى البدراني الحربي

 

إنَّ كل ذي عقل سليم ودين صحيح لا يستسيغ أن نتفاخر نحن أهل هذه البلاد بأفعال تتنافى مع الدين وتتعارض مع روح الإخاء الإنساني والإسلامي، ولا يسره أن يكون الفخر في تمجيد بعض السلوكيات القبلية التي كانت سائدة في أيام الجهل والفوضى.. لكنني مثل الكثيرين غيري نُصدَم كل يوم عندما نسمع شعراءنا يتفاخرون بما كان عليه أجدادهم من حياة تقوم على الغزو والسلب، والتباهي بقتل أكبر عدد من الخصوم، وسحق أجسادهم، وترك جثثهم للذئاب المفترسة والطيور الجارحة، حتى لو كان الخلاف على ناقة حرشاء العراقيب، أو قطعة أرض جرداء رمضاؤها تشوي الجربوع.. من المحزن والمخجل أن يكون هذا هو القانون الذي يعتزون به ويؤكدونه على لسان شاعرهم العامي الذي يقول:

الموت لو غبنا عنه ما يغيبي

هذي حلاته دون حرش العراقيب!

أو عندما يقول الآخر:

ذبحنا ورا العشوا ثمانين لحية

نضرب على حد الجماجم عنوقها

أو عندما يقول:

وعند القهد طاحت ثمانين لحية

تكسر حناديها وتفرس ذيابها

وما أشبه النماذج الشعرية السابقة بقول الشاعر العربي الجاهلي:

شفا نفسي وقد سَقِمَتْ زماناً

نساء النمْرِ تصرخ كُلَّ فجْرٍ

أو قول الآخر:

أصبحوا بالكُلاَب تعتفر الضُّبْعُ

عليهم وعاديات الكِلاَبِ

أو قول الثالث في معركة جاهلية همجية تجاوزت قتل الرجال إلى بقر بطون النساء الحوامل وغير الحوامل:

بَقرْنا منكُمُ ألفي بَقِيرٍ

فلم نتركْ لحاملةٍ جنينا

أو قول الآخر مفاخراً بقبيلته:

نحن بني زيد بن عمرو في الذرى

لا نطعن الطعنة إلاَّ في الكُلَى

ما أسوأ أن نتفاخر بمثل هذه الأعمال البشعة، وخصوصاً في هذه الأيام التي ينبغي أن تتفاخر الأمة فيها بالبناء والتحضر، وأن تتباهى بما حققه المتعلمون النابهون من أبنائها في مختلف ميادين الحياة، لا فرق في ذلك بين أبناء الحاضرة والبادية، حيث نجد منهم مبرزين نالوا إعجاب العالم في المجالات الطبية والاختراعات العلمية، وتقدموا في الميادين الإدارية والاقتصادية وأعمال الخير الإنسانية الأخرى.

إنَّ لدينا بفضل الله من المكارم والإنجازات الماضية والمعاصرة ما هو أفضل من قتل الشيوخ، وسفك الدماء، وترميل النساء، وأخذ الغنائم من الإبل والخيل والأغنام.. فالأسر والقبائل لديها من الأفعال الحميدة والخصال الكريمة كالكرم والإيثار وإعانة المحتاج ونصرة المظلوم، وإصلاح ذات البين، ما يحق للأحفاد أن يفاخروا به إن كان لا بد من المفاخرة.

لقد برز من أبناء كل أسرة وقبيلة رجال كرام لهم إسهامات في خدمة وطنهم ومليكهم من عسكريين وصلوا أعلى المراتب، وموظفين تسنموا أعلى المناصب، ورجال تربية وتعليم تخرج على أيديهم أجيال وأجيال.. فليت شعراءنا وكتابنا وخصوصاً في مواقع الإنترنت يبرزون هذه الجوانب المضيئة بدلاً من اجترار بطولات المعارك الدامية، وإبراز الوجه الجاهلي القبيح.

أليس من أبنائنا من يجوب الأجواء يقود طائرات الإخلاء الطبي، وزملاؤهم يجوبون الطرق والصحاري على سيارات الإسعاف يتسابقون لإنقاذ مريض، وإيقاف نزف جريح؟

فلماذا نسكت عمن يزرعون القلوب والكُلَى، ونتغنى بمن يطعنونها برماحهم لقطع شرايين الحياة فيها؟..

أليس من العقل والحكمة أن نباهي بأولئك الذين يزرعون الحياة، بدلاً من الذين زرعوا الموت والخراب، وأبلى عظامهم التراب؟


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد