Al Jazirah NewsPaper Saturday  09/02/2008 G Issue 12917
السبت 02 صفر 1429   العدد  12917
وزير الشؤون الإسلامية في حوار مفتوح مع أئمة وخطباء جازان:
لاحظوا سلوكيات الشباب الذين يميلون ل(الانعزال) و(التكفير)

الجزيرة - الرياض

أبرز معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ أهمية الوظيفة الشرعية التي يقوم بها أئمة المساجد، وخطباء الجوامع تجاه المجتمع المسلم وإرشاده، وتوعيته بمختلف القضايا والمسائل الدينية والدنيوية، مشدداً على أهمية أن يكون الإمام والخطيب متفاعلاً مع جماعة المسجد، وعارفاً بأحوالهم، وناصحاً لهم، ومتصدياً لأي أفكار منحرفة.

وبيّن معاليه أنه من السنّة أن يكون الإمام مؤثراً في جماعة المسجد لا يصلح أن يكون الإمام منعزلاً عن جماعة المسجد، لا يحدث عليهم الأحاديث النافعة في الأوقات التي اعتاد الناس على سماع الأحاديث فيها بعد صلاة العصر وقبل صلاة العشاء، أو ما أشبه ذلك وفي تتبع المتخلف منهم، وفي معرفة أحوالهم وأحوال المصلين، وهنا يظهر لنا بجلاء أهمية دور الإمام في ملاحظة الناس في المسجد فإذا لاحظ من الشباب مثلا من يميل إلى فكر منحرف كأفكار التكفير، وبين الذين يميلون إلى الانعزال ويكفرون الناس، أو يكفرون بعض الناس، أو يكفرون الدولة، أو يكفرون بعض أهل العلم أو ما أشبه ذلك فإن عليه أن ينتبه لذلك لأنه هو، وهو ينظر إلى الناس في المسجد ويراه يعرف أن هذا من حالة كذا وكذا في الغالب إذا كان بينهم فيأخذه مع من يعاونه من أهل المسجد طلباً للعلم، أو من أهل الوجاهة فينصحون هؤلاء لأنه كما هو ظاهر وبين فإن الكثيرين ممن مالوا واختطفتهم يد الإرهاب والغلو كانوا يصلون في المساجد وبدأ لهم الأمر شيئاً فشيئاً فلم يُنتبه لهم فذهبوا مع أصحاب الغلو والتكفير والعياذ بالله.

وقال: ولذلك من واجب الإمام أن ينتبه لمسجده، وان يكون مراعياً لما عليه السنّة والجماعة، وان ينصح بذلك وإذا كان عجز فلا بد أن يبين الرديء الضال للمسؤولين في هذه الوزارة حتى يبعثوا دعاة، ويبعثوا الناصحين لهؤلاء فيرشدوهم إلى الطريق إذا ضلوا، وهذا يتفرع عنه مهمة كبيرة للمسجد ولإمام المسجد ولخطيبه لأن هذا الفكر فكر التكفير والتفجير والعياذ بالله الذي حل بالناس منذ عقدين من الزمن وظهر بقوة في هذه الآونة الأخيرة هذا المعتقد الباطل الفاسد والمذهب الذي يجب أن يلاحقه الإمام، أن يلاحقه الخطيب بتكرار ما يتصل به من النصوص التي تحذر من الغلو، و تحذر من التكفير، وتدعو إلى لزوم الجماعة، والى الأخذ عن أهل العلم ولزوم السنّة، وعدم الانفراد والشذوذ وما أشبه ذلك وهذا يحتاج إلى تكرار، لأنه إذا قال الإمام أو الخطيب مرة قد يأتي التأثير من هؤلاء مرة أخرى ثم ينسون ما قيل لهم لهذا نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسألة لزوم الجماعة أبدى فيها وأعاد وكررها في مناسبات مختلفة.

جاء ذلك في سياق الكلمة التي وجهها معاليه لأئمة وخطباء الجوامع، والدعاة وطلبة العلم في منطقة جازان وذلك خلال لقائه بهم في قاعة الاجتماعات بفندق حياة جازان.

وشدد معاليه - في سياق كلمته - على عدد من المسائل، منها وجوب توحيد الله - جلّ وعلا - والبعد عن الشرك ومسائله، مشيراً إلى أن النصوص في ذلك كثيرة، ومسالة إتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - عدم الابتداع ولزوم السنّة، والمسألة الثالثة لزوم الجماعة والسمع والطاعة وقد قال الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسائل الجاهلية بعد أن ذكر هذه المسائل الثلاثة قال بعدها وقد أبدى فيها - عليه الصلاة والسلام - وأعاد، وهذا ظاهر من السنّة لظهور شأن هذه المسائل والحاجة ماسة إليها لأنها قد تنسى، وينسى العلم فتذهب ويقع الناس في ضدها في الباطل، إما في الوقوع في بعض الشرك أو وسائله ، أو ضعف التوحيد من القلوب أو بترك السنن واتيان البدع أو بترك الجماعة والذهاب إلى الشذوذ، والعياذ بالله ولهذا كان من الواجب على الخطيب والإمام في المسجد أن يتنبه لذلك وأن يبدى فيه ويعيد في مناسبات مختلفة حتى يقر ذلك في الأذهان ويصبح حقيقة واضحة لا لبس فيها وينقلها الحاضر لمن سيأتي بعده من أبنائه وأحفاده إلى آخره فتبقى السنة وتذهب البدعة.

وأوصى معاليه الخطباء بألا ينظروا إلى الخطبة على أنها وظيفة، بل يكون النظر اليها على أنها عبادة وأن الخطيب الأول في هذه الأمة هو محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام - وأن التأثير كل جمعة يكون عن طريق الخطبة، فأصل خطبة الجمعة عبادة عظيمة لذلك قال جمع من أهل العلم: إن خطبتي الجمعة بدل عن ركعتي الظهر، فقصرت صلاة الجمعة الى ركعتين لأجل الخطبتين كما قال جمع من أهل العلم وهذا يعني شدة أمر هذه الخطبة العناية بها بالإلقاء وبالتأثير على الناس وصدق القصد وادعو ربك فيما بينك وبينه ادعوه كثيرا في ان يلهمك الرشد والصواب والتأثير على هؤلاء الناس.

كما أهاب معاليه بالخطباء بأن يعتنوا بالخطبة كثيرا وخاصة في المسائل التي يحتاج الناس إليها في حياتهم، داعياً الخطيب إلى أن يكون فاعلا وليس منفعلا، وأن يكون مؤثرا وليس متأثرا فقط، وأن يعيش الماضي والحاضر والمستقبل وألا يستغرق في اللحظة الحاضرة، مشيراً معاليه إلى أن الخطب التي يكون فيها حماس غير منضبط، أو يكون فيها معالجة غير ناضجة لأحداث وقعت في بلاد المسلمين، أو نحو ذلك، أو في الإنكار على بعض المنكرات الواقعة تبين أن الإشكال هو في هذا المدخل النفسي الخفي وهو الاستغراق في اللحظة الحاضرة بحسب تعبير هذا العصر وفي عبارة أهل العلم يقولون عدم إدراك المآلات، والحكمة بإجماع من عرفها انها النظر من المآل أو من أعظم معالمها النظر من المآلات، فالمستغرق من اللحظة الحاضرة حماساً واندفاعاً وتأثراً وتفاعلاً هذا يفوته الحكمة ويفوته التأثير على الناس التأثير الشرعي المطلوب ولذلك فإنه من المطلوب على الخطيب أن يكون أكثراستعاباً لواقع المسلمين حاضراً وماضياً ومستقبلاً وأكثر استيعاباً لحال المخاطبين فإن الخطبة كلمة توجه الى مخاطب فلابد أن تكون الكلمة صحيحة وان يكون المتلقي له قلب صالح لذلك. وقال: ولذلك من لم يع حال المستقبل للكلام في حال المصلين ولا مستواهم ولا حال فهمهم ولا استيعابهم فانه يبعد عن الصواب، فالناس يحتاجون إلى كلام هادي ينتفعون منه، أما أن تشحن الناس هذه القنوات الفضائية بأخبارها والأكثر منها يكون صحيحاً ولكن نكون معه مؤثرين بعد التأثير مؤثرين بالحكمة ومنفعلين فاعلين بعده بالحكمة، فالكلمة تهدي أو تضل ولذلك رسالات الأنبياء تسمع ودلائل نبوتهم ترى لهذا اثر الكلمة التي يقولها الإمام والخطيب.

وشدد معاليه على أهمية وجود رؤية مستقبلية قوية يكون فيها الإصلاح عبر رسالة المسجد ويكون فيها الإصلاح عبر الخطبة الحكيمة المتزنة التي تنقل الناس شيئاً فشيئاً من مرتبة إلى أخرى في مدارج إياك نعبد، وفي مدارج العلم، وفي مدارج الوعي، وفي مدارج الفقه والسلوك والخلق الكريم والتربية المحمدية المأمولة، لهذا ينبغي ان يتأمل الخطيب دائما في مآلات الكلام يقول هذه الكلمة تنفع أو لا تنفع، هذه الكلمة ماذا سيفهم منها إذا كان سيفهم منها شيء غير جيد فاللغة فيجب البحث عن كلمة من مشكاة النبوة ابرك وأعظم.

وواصل معاليه قائلاً: ومن المسائل المتعلقة بالخطباء مسألة الدعاء، الدعاء بالخطب، أو في القنوت في رمضان، وقنوت النوازل، والدعاء عبادة عظيمة، بل الدعاء هو العبادة كما صح ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان الأمر كذلك فإننا نتذكر قول عمر رضي الله عنه: (إنني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء فإذا وفقت بالدعاء جاءت الإجابة)، وفي سورة الأعراف يقول الله تعالى : {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} يعني المعتدين في الدعاء، مستعرضاً معاليه بعضاً من هذه الأدعية التي فيها اعتداء إما على حكمه الله - جلّ وعلا -، أو اعتداء على قدر الله وقضائه، او اعتداء على حق خلقه بما أوجبه سبحانه وتعالى على نفسه وما أشبه ذلك.

وكان معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ قد بيّن في بداية كلمته أن المسجد هو أفضل بقاع الله في الأرض كما اخبر بذلك جبريل عن ربه - جلّ وعلا - أحب البقاع إلى الله المساجد والمسجد هو أول صرح أهتم به النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أقام دولة الإسلام في المدينة مهاجراً فكان أول ما بدأ به المسجد بناء وإعماراً واهتماماً والله - جلّ وعلا - يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ)، وهذا فيه المديح لقيام الأئمة وولاة الأمور، وقيام الناس بشأن المسجد قبل أي شيئاً آخر، لذلك ذكر عدد ممن صنعوا وكتبوا في التخطيط العمراني لبلاد المسلمين في صدر الخلافة الراشدة في العراق والشام ومصر أنه عند تخطيط أي مدينة أمر الخلفاء أن يجعلوا مرتكز ذلك المسجد ثم تكون البيوت حوله وتوضع الطرق التي توصل إليه وذلك أن المسجد كما هو معلوم فيه إعلاء التوحيد في الأذان، وإعلانه عملياً في الصلاة.

وقال معاليه: إن عبادة الله وحده لا شريك له هي أساس الإسلام الذي بعث به الأنبياء جميعاً، {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} والمسجد فيه التعبد بأعظم الأركان العملية ألا وهي الصلاة ولذلك لم يترك نبينا - عليه الصلاة والسلام - الإمامة والخطابة مع كونه نبياً ومع كونه رسولاً ثم مع كونه إماماً للمسلمين فهو عليه الصلاة والسلام النبي الرسول وهو الإمام وولي الأمر وهو أيضا إمام جامع المدينة، وخطيبه، وإمامته، وخطابته - عليه الصلاة والسلام - ليست لأجل كونه نبياً رسولاً، لذلك اخذ من هذا أهل العلم إن القيام بالإمامة والخطابة أفضل من الأذان، وهي عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما اختاره - عليه الصلاة والسلام - فهو الأفضل في حقه عليه الصلاة والسلام في هذا المقام، وفي حق من اقتدى به من أمته.

وواصل معاليه قائلاً: وإذا كان الأمر كذلك فإن الإمام والخطيب يقوم بمهمة شرعية وعظية يقتدي فيها برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو صاحب اثر واقتداء، بالإمام والخطيب الأول - عليه الصلاة والسلام - وأول ما يظهر قوله - عليه الصلاة والسلام - عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين والمهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور باقتفاء السنة، والحري باقتفاء السنة بذلك هو من نظر في حاله - عليه الصلاة والسلام - في الخطبة وبالإمامة، أما الإمامة فإنك إلى ما جاء في صحيح الأحاديث أنه عليه الصلاة والسلام كان يحافظ على وقت الصلاة، وكان يتابع المؤذن في أداء الصلاة في وقتها ويأمره وينهاه ذلك أن من مهمات الإمام أنه يتعاون مع المؤذن بمراقبة الوقت وعدم التأخير فيه.

وقال آل الشيخ : إن الوقت كان يُدرك بالنظر واليوم هو بالحساب، وأجمع أهل العلم أنه لا شيء على من أخذ الوقت، وقت الصلاة بالحساب وذلك لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} فبين العلامة وهي الدلوك والغسق ولم يبين الوسيلة خلاف الصيام فإنه قال: (صوموا لرؤيته) ولم يقل صوموا لولادة الهلال أو لانتهاء الشهر أو ما أشبه ذلك، ففي الصيام علق الوسيلة بالرؤية، وأما في الصلاة فالله جلّ وعلا قال: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} لهذا أجمع أهل العلم على الأخذ بالحساب في أوقات الصلاة سائغ وإذا كان الأمر كذلك فإن الحساب هو ما اعتمده أهل العلم في العمل بالحساب وقد يختلف الحسابون في بعض الوقت كما هو معلوم وعندهم معادلات معروفة يحسبون بها الوقت وقد تختلف الدرجة التي تكون فيها المعادلة وقد تزود وتنقص قليلا ومؤذن المسجد والإمام يتابعه في ذلك ليس له أن يخالف ما عليه العمل في عامة بلادنا، ولذلك لا يترك الوقت للاجتهاد يقول هذا الفجر لا يطلع إلا وقت كذا خلافاً لما في التقويم والآخر العصر لا يكون كذا إلا بحساب كذا بل قال لي بعضهم: إن الظهر فيه غلط في الحساب مع أن الظهر وهو زوال الشمس من أظهر الأوقات لكونه ما بين طلوع الشمس إلى غروبها تحسب الزمن ثم تقسمه على اثنين لأن زوال الشمس يكون بذلك .

وأكد معاليه أن من واجب المؤذن والإمام الانتباه للوقت وألا يكون بين المساجد خلاف، هذا يؤذن مبكر، وهذا يؤذن متأخر، وهذا يقول كذا وهذا يقول كذا، وخاصة في وقت الفجر فلا يلتفت إلى من خالف رأي الجماعة لأن المسألة اجتهادية والأخذ بما عليه الفتوى والاعتماد من ولاة الأمر ولي من المنازعة في ذلك.

وأردف معاليه قائلاً: أما الأمر الثاني فهو أن الإمام السنة فيه وفي حقه أن يكون مراعياً للمأمومين فإن كانوا يحبذون الإطالة أطال بهم على ما جاء في السنة، وإن كانوا يحبون التخفيف المنضبط بالسنة أيضاً خفف بهم امتثالاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أيكم أم الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة، فهناك ضعيف وكبير وصاحب حاجة وتعلمون قوله - صلى الله عليه وسلم - (أفتّان أنت يا معاذ) فالإطالة إذا كانت في الجماعة من هو ضعيف وكبير أو كان ذا حاجه فإنها لا تشرع فيؤخذ بالأدنى من السنة مثل أن يقرأ المغرب بقصار المفصل وبالعشاء بأوساطه وبالفجر بطواله أو أوساطه أو قصاره.

وبعد انتهاء معالي الشيخ صالح آل الشيخ من كلمته قرأ فضيلة مدير عام فرع الوزارة بجازان عدداً من الأسئلة التي تقدم به بعض الأئمة والخطباء حيث أجاب عليها معاليه.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد