Al Jazirah NewsPaper Sunday  10/02/2008 G Issue 12918
الأحد 03 صفر 1429   العدد  12918

موازنة نفسية
د. سلمان بن فهد العودة

 

من الجيد لك أن تحاول الاسترخاء، والتأمل قليلاً في هذه الحياة، وأن تبتهج بأحداثها ومعادلاتها؛ حتى لو استدعى ذلك أن تعود قليلاً للوراء، خطوة أو خطوتين.. يقول الله جل وعلا: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}(1) سورة الشرح، ويقول سبحانه وتعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6)وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7)وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8)}الضحى....

....ليس خطأ أن تجرب الابتعاد عن روتينك اليومي المكرور من أجل تفعيل اهتمامات جديدة وتنشيطها؛ لتعود عليك بالهدوء النفسي، والاندماج العاطفي، مع ما حولك، ومن حولك، حتى وإن كانت حديقةً صغيرة تضج بالحياة والتجدد، أو قطرات ندى تتساقط على غصن أو ورقة، أو نغمات عصفور يغرد في الصباح، وهو يستقبل بين أغصانه يوماً جديداً مشرق الألوان، أو كلمات بائع متفائل يستقبل الحياة برضا وثقة وتوكل على رازق الحيات في جحورها والطيور في وكورها.

وليكن بمقدورك أن تفهم إشارات جسدك واحتجاجاته، وصرخات شرايينك، وهي تنادي بالحذر من الإرهاق والعناء، يقول المولى سبحانه وتعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7)وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}الشرح)، ويقول جل وعلا: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(28)سورة الرعد.

فلا تنهك ذاتك، ولا تحملها ما لا تطيق؛ فإن لجسدك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً.

إن قالب البشرية أكثر استيعاباً وأريحية لأجسادنا وعقولنا من تلك الطموحات الملائكية، والأحلام الخيالية، فالقاعدة أكثر ثباتاً وأينع ثمرة من الاستثناءات.

ويحسن أن تترك في عقلك ساحة خالية؛ تحسباً لما لا يتوقع، فقد يفيدك هذا في وقت ما.

ولتكن مستعداً لقبول المطبات التي تواجهك، إذا لابد منها لكل سائر في الطريق، أي: لكل حي.

إن النجاح الممتع هو ذاك الذي يجعل بمقدورك أن ترى فيما تحصل عليه أفضل ما في الحياة، فتمنح نفسك حمايةً داخلية مما قد يمنعه عنك المستقبل الغامض.

وإن ذلك لكفيل بأن يضفي عليك هالةً جميلة تضيء لأناس قد لا تشعر بهم أبداً، وهم يسيرون خلفك أو في ركابك أو يقتبسون من نورك.

دع عنك جذب النفس ودفعها من الاندماج مع من هم دون مستواك، فلكل منّا سمات خاصة يتفرد بها، وهي التي تميزه عن سائر الناس، وبالتالي قد تقتبس أنت ممن هم دونك وهجاً يمنح ملامحك نسمات روحانية، أو يوقد لك النار التي تشعل مصابيحك، وكم هو حي ومؤثر أن تظل متعلماً في جميع أطوارك دون تواضع ولا كبرياء!

لست بحاجة إلى أن تقضي حياتك في خطوات سريعة متلاحقة، أو في استقصاء مجهد لتشعبات الحياة وصورها ومعانيها.

إن قليلاً من الفطرة التلقائية يمنحك كماً يفوق الوصف من المعاني والدروس، وهكذا هي الحياة تغدو سهلة لينة سمحة حين نتعاطاها بروح العفوية.

ولو تفكرت لوجدت أن إطالة التأمل والنظر والحيرة أكثر من اللازم قد تحيد بك عن المعنى الصحيح إلى المعنى الخاطئ.

آمن بأن الحياة لغز ممتع، وزد إيمانك صلابة بأن أي حدث سيئ سيبزغ منه حدث إيجابي متى ما كنت صبوراً ومستعداً لمواصلة الهدوء والمرابطة.

ليس عليك أن تكون ساذجاً لتمر من خلالك السلبيات وتجتازك، بل الحق أن أكبر السلبيات هي اعتقادك بأنك يمكن أن تمر عبر دروب الحياة دون أن تتعرض لهزات، أو تواجه مرتفعات حيناً، ومنخفضات حيناً آخر.

دواؤك فيك وما تشعر

وداؤك منك وتستنكر

وتحسب أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

يقول الله سبحانه وتعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}(11) سورة التغابن، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ).

ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}(22)سورة الأحزاب.

والحمد لله أولاً وآخراً.

salman@islamtoday.net
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6847 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد