Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/02/2008 G Issue 12920
الثلاثاء 05 صفر 1429   العدد  12920
وأخيراً.. بدأ القطاع الحكومي يعي دوره الحقيقي في تنظيم قوى السوق الإسكانية
د. عقيل محمد العقيل

قال لي أحد الأصدقاء إنه دفع أكثر من 300 ألف ريال على شكل إيجارات لشقة استأجرها قبل عشر سنوات، حيث كانت قيمتها لا تتجاوز المائتي ألف ريال، وأنه خرج منها خالي الوفاض دون أن يملك أي نسبة من تلك الشقة وقيمتها تتجاوز الـ400 ألف ريال حالياً، وهو يتحسر على ذلك؛ حيث إن غياب نظام الرهن العقاري في المملكة حرمه من إمكانية رسلمة كل أو جزء من الإيجارات التي دفعها طوال عشر سنوات.

ولا شك أن غياب نظام الرهن العقاري أدى إلى غياب سوق الرهن العقاري تماماً والاكتفاء بسوق الإيجار، حيث لا خيار أمام الشباب حديثي الزواج إلا استئجار شقة من أحد الملاك تذهب إيجاراتها إلى غير رجعة مهما طالت مدة الإيجار، في حين ينعم سكان الدول المتقدمة ببديل آخر وهو شراء الشقة المناسبة بنظام الرهن العقاري، حيث تتراكم الأقساط (بدل الإيجارات) كمدخرات لهم يمكن لهم أن يرسملوها متى شاؤوا ذلك.

نظام الرهن العقاري يربط العلاقة بين كافة أطراف قوى السوق الإسكانية على قاعدة تمكن الجميع من الربح Win Win Situation)، حيث يتحفز المطور العقاري لتطوير كميات كبيرة ومتنوعة من المساكن لعلمه أن الحاجة تتحول إلى طلب لوجود شركات التمويل الإسكاني (بنوك الرهن العقاري) التي ترفع من قدرة المواطن (المستفيد) الشرائية ليستطيع شراء الملائم من المساكن بمقتبل العمر بأقساط شهرية تقارب قيمة الإيجارات التي يدفعها إلى غير رجعة، كما أن شركات التمويل الإسكاني التي تحقق أرباحاً معقولة تستطيع إعادة تمويل نفسها من خلال بيع الصكوك الإسلامية المدعومة بالرهونات العقارية إلى الكتل المالية الكبرى أو إلى المستثمرين من أصحاب المدخرات في السوق المالية التي تنشط هي الأخرى بسوقي السندات الأولية والثانوية.

نظام الرهن العقاري يحرك دورات مالية متتالية بين قوى السوق الإسكانية التي ترتقي بالسوق الإسكانية لإنتاج مساكن عالية الجودة متعاظمة القيمة تصلح كضمانات طويلة الأجل، وهو ما يعني تمكين البلاد من بناء الثروات وعدم تبديدها في أحياء ومساكن متهالكة بمرور الزمن، كما ترتقي بعناصر السوق الإسكانية مثل شركات إدارة الأملاك التي تلعب هي الأخرى دوراً كبيراً في صيانة الأملاك وتعظيم قيمتها، وكل ذلك بطبيعة الحال يحرك الكثير من الأنشطة المصاحبة لنمو النشاط العقاري، ويوفر فرصاً وظيفية متزايدة تنعش الاقتصاد الوطني وترفع من معيشة المواطنين.

وكل ذلك يعني أن نظام الرهن العقاري ينظم العلاقة بين قوى السوق الإسكانية ويفعلها بما ينميها لتكون سوقاً قوية قادرة على تلبية الطلبات في الوقت المناسب بما يجنب الاقتصاد الوطني أي تضخمات محتملة في هذا القطاع ذي الآثار المباشرة وغير المباشرة على كل فرد وكل نشاط تجاري أو صناعي في البلاد.

قبل عدة شهور نشرتُ مقالاً اعترضت فيه على دخول المؤسسة العامة للتقاعد كممول مباشر من خلال برنامج مساكن على اعتبار أن هذا البرنامج الذي لن يشمل إلا فئة قليلة من المواطنين لا يجب أن ينطلق من مؤسسة لا يجب أن تكون بحال من الأحوال مقدمة خدمة، كما أنه برنامج يضر بقوى السوق الإسكانية التي في بداياتها، حيث بدأنا نلحظ تأسيس شركات تمويل إسكانية متخصصة، نسأل الله أن تزيد كمّاً ونوعاً لتحفيز المطورين لإنتاج المزيد من الوحدات الإسكانية لتأسيس أرضية صلبة لتطبيق نظام الرهن العقاري. واليوم بعد أن وقّع الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز العساف وزير المالية رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة مذكرة تفاهم لتنشيط التمويل الإسكاني في المملكة مع كل من: المؤسسة العامة للتقاعد، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، مؤسسة التمويل الدولية IFC عضو مجموعة البنك الدولي، تتضمن تقديم المؤسسات الأربع تمويلاً طويل الأجل لمؤسسات التمويل الإسكاني السعودية المرخصة من مؤسسة النقد العربي السعودي بمبلغ إجمالي قدره 1.5 مليار ريال موزعاً بالتساوي على تلك المؤسسات، لا يسعني إلا أن أشد على يد هؤلاء جميعاً مهنئاً إياهم ونفسي والمواطنين على هذا الاتجاه الذي من شأنه تعزيز قوى السوق الإسكانية وتحقيق استدامته التي تجنب المواطنين التأثرات بموازنة الحكومة المتذبذبة بتذبذب أسعار النفط المورد المالي الرئيسي في بلادنا.

ختاماً أود أن أؤكد على أن هذه الخطوة التي جعلت من الكتل المالية داعمة لقطاع التمويل الإسكاني لا منافسة له، تعتبر نقلة نوعية وطريقة مثلى لمشاركة القطاع الحكومي وأذرعته في تعزيز قوى السوق الإسكانية، حيث ستعزز آليات التمويل الإسكاني وتحفز المزيد من المستثمرين للدخول في هذا المجال المهم والحيوي الذي سيدفع بدوره بالمزيد من المطورين العقاريين لإنتاج المزيد من المساكن المتنوعة لموازنة المعروض والمطلوب لتهدئة الأسعار ولتوفير المأوى الملائم

للمواطن في الوقت المناسب بما يحقق الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للمساكن. ولا شك أنها خطوة رائدة ومهمة لتحفيز السوق المالية لتفعيل دور الصكوك الإسلامية (السندات المهيكلة بما يتوافق وأحكام الشريعة) لإعادة تمويل شركات التمويل الإسكاني كما هو متبع عالمياً.



alakil@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد