Al Jazirah NewsPaper Friday  15/02/2008 G Issue 12923
الجمعة 08 صفر 1429   العدد  12923
في ردها على تقرير سيداو.. هيئة حقوق الإنسان:
المجتمع هو المقرر الأول لقيادة المرأة ولا يوجد نص شرعي أو قانوني لمنعها

«الجزيرة» - خالد الحارثي

أصدرت لجنة سيداو التي ناقشت تقرير المملكة عن تنفيذ اتفاقية التمييز ضد المرأة التي وقعتها المملكة، وتمت مناقشته في أعمال الدورة الأربعين للجنة، بالمقر الأوربي للأمم المتحدة في جنيف يوم الخميس 17-1-2008م.

وأبدت اللجنة قبل سرد ملاحظاتها تقديرها لحكومة المملكة العربية السعودية على هذا التقرير الذي اتسم بحسن التنظيم واتباع الخطوات المطلوبة في إعداد التقارير الدولية.

وقد تفهمت اللجنة طبيعة القيم التي تحكم المجتمع السعودي المسلم فذكرت أن حكومة المملكة العربية السعودية تلتزم الإسلام منهج حياة، وتطبِّقُ تشريعاته بشكل شامل، إلا أنه قد فات على اللجنة ملاحظة أن تطبيق الشريعة قد ضمن تحقيق أهداف الاتفاقية المتمثلة في المساواة والعدل وضمان حقوق المرأة الأمر الذي قد ضمنه لها دين الإسلام الذي اشتملت تشريعاته على تلك الحقوق باعتبارها واجبات تؤدى من قبل المسلمين الذين ارتضوا هذا الدين منهجاً وطريق حياه لا يمكن مخالفته مما يجعل التحفظات على الاتفاقيات أو بعض بنودها أمراً ضرورياً يتم تحريره وتدوينه قبل التوقيع وتثبته صيغ المراسيم الملكية وقرارات مجلس الوزراء المعلنة للموافقة على الانضمام لأي اتفاقية، وهذا أمر تمارسه جميع الدول عندما تتحفظ على بند أو بنود من الاتفاقية التي تريد الإنضمام إليها، ومن الملاحظ فإن لجنة سيداو تحرص عند مناقشة تقارير الدول رفع التحفظات التي تضعها تلك الدول ومن ذلك طلبها رفع التحفظ العام الذي نص على عدم التزام المملكة العربية السعودية بأي حكم لهذه الاتفاقية عندما يتعارض مع أي حكم شرعي.

وفي هذه الاتفاقية فإن هذا التحفظ لا يمس صلب الاتفاقية أو يقلل من حجيَّتها أمام الجهات القضائية والتنفيذية، بقدر كونه إجراء احترازي وقائي في وقت تتطور فيه مفاهيم حقوق الإنسان بشكل متسارع من خلال التفسيرات والتأويلات التي أعقبت دخول الصكوك الدولية لحقوق الإنسان حيز التنفيذ، ومنها هذه الاتفاقية والتي ربما تجاوزت في بعض الأحيان المدلول اللفظي لتلك النصوص، بل ربما أصبح التفسير هو القاعدة على رأي بعض خبراء اللجنة الفرعية، وبالتالي فإن التحفظ هو إجراء احترازي في المقام الأول لما قد يطرأ من تفسيرات لهذه الاتفاقية قد تتعارض في تفاصيلها مع نص شرعي معمول به في المملكة. التي تستند على الشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية والحدود والجنايات والمعاملات. وتكفل للجميع بما فيهم المرأة حق الانتصاف أمام جهات التقاضي المتعددة مثل المحاكم ودواوين الأمن والمظالم واللجان العمالية وغيرها.

وغالباً ما يكون التحفظ من قبل كثير من الدول وهو حق لها لأنه متعلق بسياستها الداخلية وسن قوانينها التي تضمن لها الحماية داخلياً لأسباب اجتماعية وأمنية.

وقد ذكر تقرير لجنة سيداو عن المملكة عدداً من الجوانب الإيجابية حيث قال (نقدر حرص حكومة المملكة للمشاركة بوفد رفيع المستوى وبحجم يمثل جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والذي ترأسه نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان) كما ذكر التقرير (أن المشاركة الفاعلة لأعضاء الوفد من الرجال والنساء كان لها أثر إيجابي واضح في الحوار بين اللجنة وأعضاء وفد المملكة).

وأثنت اللجنة على الإجابات المكتوبة الخاصة بقائمة القضايا والاستفسارات التي رفعتها مجموعة العمل بعد قراءة التقرير قبل نقاشه. وأشادت بالردود المباشرة والصريحة أثناء جلسات الحوار وما صاحبه من تقديم رئيس الوفد، وردود أعضائه على أسئلة اللجنة.

كما قدمت اللجنة التهنئة لحكومة المملكة العربية السعودية على قيامها بتأسيس آليات مؤسسية لحماية المرأة ضد العنف؛ وخاصةً تأسيس اللجنة العليا لشؤون المرأة. وصياغة قانون العنف الأسري، وما تبع ذلك من تأسيس ثلاث عشرة لجنة في عام 2004م لحماية المرأة من العنف في جميع مناطق المملكة، بالإضافة إلى صياغة قانون العنف الأسري، وكذلك إيجاد تشريعات وأنظمة جديدة تخص حقوق المرأة، مشيرة بعين الرضا إلى سعى الدولة إلى إحصاء القضايا التي صدرت بها أحكام شرعية ضمن محاكم الأحوال الشخصية والأسرية، ومشيدة بصدور الموافقة على إنشاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وتأسيس هيئة حقوق الإنسان.

وقد كان ما حققته المملكة من إنجازات للبنى التحتية والمستوى الرفيع للخدمات الاجتماعية والصحية التي تمولها الدولة بالإضافة إلى خدمات التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته محل تقدير وثناء اللجنة.

ونوهت اللجنة بما تضمنته مواد النظام الأساسي للحكم وخصت بالذكر المادة التي تنص على أن أي اتفاقية تصدر بمرسوم ملكي تعتبر جزءاً من النظام المحلي، وأن الاتفاقيات الدولية تعطى الأسبقية على الأنظمة المحلية.

وقدرت اللجنة جهود الحكومة السعودية في محاربة الاتجار بالنساء والفتيات. وأثنت على التحسن الملحوظ فيما يتعلق بعدد المشاركات في سوق العمل خصوصاً في القطاع العام، وصدور (قانون العمل الجديد) وما يشكله من نقلة نوعية في تنظيم العلاقات في مجال العمل بين جهة العمل وبين العاملين فيه، وأثنت على تمثيل المرأة في اللجان الاستشارية بمجلس الشورى. كما قدرت اللجنة ما أسمته ب(التقدم الكبير) في مجال تعليم وتطوير المنهج المدرسي.

ورغم أن التقرير يثني على جهود الدولة في تحسين البنية التحتية للرعاية الصحية والتعليمية إلا أنها أظهرت - لجنة سيداو - قلقاً خاصاً باحتمال حاجة المرأة للأذن من وليها للوصول إلى المرافق الصحية والتعليمية، رغم أن المرأة في المملكة تمارس جميع شؤونها باستقلالية تامة كالتحاقها بالجامعة واختيار تخصصها وممارسة كل ما يتعلق بشؤونها باستقلالية تامة لدرجة أنه لا يستطيع أحد مهما كانت صلة قرابته التدخل فيما يخصها حتى إن كان طلب كشف دراجاتها في الجامعة إلا بإذنها وهو عكس ما ورد في التقرير من عدم حصولها على الخدمات الصحية والتعليمية باستقلالية.

والمقارنة في الجدول (*) توضح اللبس حول ما ذكره التقرير عن ارتفاع نسبة الأمية للمرأة في المملكة العربية السعودية، هذا إذا ما وضعنا في الاعتبار أن تعليم البنين سبق تعليم الفتاة، ودخل في نسبة الأمية للنساء أمهات وجدات بدأ تعليم الفتاة بعد تجاوزهن سن التعليم النظامي، رغم التحاق الكثير منهن في نظام تعليم الكبار. والجهود الكبيرة المنجزة في الوقت الراهن في مكافحة الأمية لدى الجنسين وبشكل خاص لدى النساء سوف يقلص هذه الفجوة بإذن الله.

وقد توقف التقرير أمام عدم السماح بقيادة المرأة للسيارة لأنها تحد من حريتها، وتقيد حركتها، والحق أن هذه المسألة لم يقف أمامها نصٌّ شرعي أو قانوني وإنما ترجع في الدرجة الأولى إلى رغبة المجتمع وتوجهه، وهي - كما ذكر ولاة الأمر - متروكة للمجتمع، لكي يقرر فيها رأيه. فمتى رأى المجتمع الحاجة لذلك فسيكون دور الدولة في ضمان توفير المناخ الملائم لهذا القرار بما ينسجم مع مبادئ الشريعة الإسلامية وتعاليمها التي ترتكز عليها الدولة.

أما ما ذكرته إحدى التوصيات حول نقص البيانات والإحصاءات فهو محل اهتمام هيئة حقوق الإنسان من خلال عملها على حث جميع الجهات لتوفير تلك البيانات وتحديث ما هو قائم واستكمال جوانب النقص.

وقد تطرق التقرير إلى وضع العمالة المنزلية وعدم شمولها بقانون العمل الجديد وعدم تمكينهن من رفع شكاوى للانتصاف، ومدى تمتعهن بحقوقهن التي نصت عليها الاتفاقية. وفي هذا الجانب نوضح أن وزارة العمل قد أصدرت العديد من الكتيبات للخادمات لتوضيح حقوقهن وتمكينهن من تقديم الشكاوى والحصول على المساعدة من المحامين في حال وجود انتهاك لحقوقهن من قبل أرباب العمل، كما يتم إعلامهن بالإجراءات القانونية اللازمة إذا رغبن في العودة إلى بلدانهن. كما صدر مؤخراً العديد من الأنظمة حول كيفية التعامل مع هذه العمالة وحماية حقوقهن، ومن هذه الأنظمة ما نص على أن من يعامل الخادمة معاملة لا إنسانية أو ينتهك حقاً من حقوقها يعاقب بالمنع من الاستقدام لمدة خمس سنوات وفي حال تكرار هذه الانتهاكات يمنع من الاستقدام للأبد، إضافة إلى ما يتعرض له من عقوبات جنائية تضمنتها الأنظمة القضائية والجنائية أمام جهات الانتصاف المتعددة مع ضمان تسليم الخادمة جميع حقوقها قبل مغادرتها البلاد. وفي الحقيقة أن مثل هذه التصرفات التي قد تتعرض لها العمالة هي تصرفات قد توجد في مجتمع المملكة كأي مجتمع آخر.

وقد أورد التقرير ملاحظة عن انخفاض مستوى تمثيل المرأة في الحياة العامة والحياة السياسية على المستوى المحلي والوطني والدولي خصوصاً في مواقع صناعة القرار، وهذا أمر لا يتأتى تحقيقه إلا من خلال حصول المرأة على التعليم والتأهيل اللازمين رغم تحققه بدرجات كبيرة عبر تاريخ تعليم الفتاة القصير، والأمثلة التي توضح هذا التدرج كثيرة؛ إذ إن المرأة في المملكة قد وصلت مراحل متقدمة في السلم الوظيفي العام وأصبحت في درجة وكيل وزارة ورئيس جامعة في المرتبة الممتازة، وهذه الدرجة الوظيفية درجة عالية في السلم الوظيفي تلي درجة الوزير مباشرة، تمكن المرأة من اتخاذ القرار بصورة مباشرة. وفي العمل الخاص هناك من وصلت إلى مستويات عالية في إدارة مشاريع اقتصادية كبيرة، كما أتاح لها النظام فرصة إدارة مؤسستها الخاصة. أما على المستوى الدولي فقد وصلت المرأة إلى منصب دولي رفيع في هيئة الأم المتحدة مساعد لأمينها العام. ويؤكد ذلك الفقرة الثالثة من قانون العمل الذي صدر عام 2007 الذي يؤكد على أن الرجال والنساء سواء في الحق على الحصول على عمل.

أما فيما يتعلق بالانتخابات فهي ثقافة جديدة على المجتمع بشكل عام إلا أن ذلك لا يمنع مشاركة المرأة في الانتخابات، إذ لم ينص أي نظام أو تشريع على هذا المنع. وتجدر الإشارة إلى أن ذلك الحق قد مُورس في عدد من الحالات حيث تم انتخاب المرأة في الغرف التجارية ورئاسة وعضوية بعض الجمعيات العلمية. وسيساعد موافقة مجلس الشورى على إقرار نظام مؤسسات المجتمع المدني على ممارسة الانتخابات والتثقيف بها.

والهيئة تقدر وتشكر للجنة ما جاء في تقريرها من توصيات مثل الإبلاغ عن التدابير والآليات المتخذة في أنشطتها المرتبطة بتلك التوصيات، والنتائج التي سوف يتم تحقيقها في التقرير الدوري القادم، والتوصية بتعميم الملاحظات الختامية الحالية إلى كل القطاعات ذات العلاقة وخاصة مجلس الشورى والقضاء، وتبني قانون عمل يختص بالعمالة المنزلية، وسن تشريع وطني شامل ومحدد عن ظاهرة المتاجرة بالبشر لضمان حماية الضحايا ومساعدتهم، وتوفير معلومات وإحصاءات عن تعليم المرأة والفتيات يشمل القادمات من المناطق الريفية، والتوعية بالاتفاقية وبنودها من خلال توسيع نطاق النشر، فهي توصيات ستكون موضع الدراسة والاهتمام من قبل هيئة حقوق الإنسان، وستنعكس على تقاريرها المستقبلية بإذن الله علماً أن كثيراً من تلك التوصيات قد أخذ مكانه في حيز التنفيذ.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد