الحرص على المظهر الحسن أمر مرغوب ومطلوب والكلّ يبحث عنه، لكنّ المبالغة فيه أمر قد يؤدي إلى مخاطر لا تحمد عقباها. كثيراً ما يراودنا السؤال هل هذه الثورة التجميلية في عياداتنا ومراكزنا الطبية حتى في الصحافة والفضائيات أمر إيجابي أم لا؟ أعتقد أنه إيجابي إذا كان التشخيص والعلاج قد بنيا على أساس علمي مدروس, أمّا لو كان المنطلق والهدف الأساس في ذلك هو تجاري كما نشاهد ونلمس في كثير من الأماكن - فللأسف - إنه أمر سلبي بامتياز. لعلّ ما دفعني اليوم أن أكتب حول هذا الموضوع بالذات هو حالة ليست بكثيرة الشيوع في عيادات أمراض الجلد والتجميل والحمد لله، لكننا نصادفها من وقت إلى آخر. وهي اعتقاد المريض أنه يعاني من تشوه ما في وجهه (ميلان الأنف، ضخامة الشفة، صغر الخدّ، بقع بنّية على الوجه) واللائحة طويلة.. عادة ما يجلس الأخ المريض ثم يطلب من الطبيب النظر ثم التحديق في وجهه من الجهات الأربع مستعيناً بكل التقنيات المتوفرة لديه، علّ الطبيب يستطيع أن يصطاد عيباً هنا أو هناك.
وعندما نقوم بفحص المريض بدقة وعناية يتضح لنا أنه لا يوجد شيء غير طبيعي. وما اعتقاد المريض هذا بأنه يعاني من تشوه ما في وجهه إلا بمرض معروف جدا لدى الأوساط الطبية يسمى (الديسمورفزم Dysmorphism وكثيراً ما أجد نفسي محتاراً ومتردداً كيف سأشرح لمريضي وأخبره بصراحة تامة أن لا شيء عنده؟ لكن أمانتي كانت وستبقى هي الركيزة الأساس عندي ولو كلفني ذلك غضب المرضى أو قلة الرضى. لأنني في كل الأحوال أشعر تماماً أني قد زرعت الراحة في نفوس مرضاي أولاً ثم في نفسي مهما كانت التحديات.
ومع كل محاولاتي الجادة تلك لابد وأن ترافقني بعض الحالات من غضب المريض بقوله: (يعني تكذبني يا دكتور...!) وأحيانا وللأسف الشديد يحدث جدل بيزنطي لا طائل منه ولا نهاية فيه. لكن الذي يؤلمني ويحز في نفسي شديداً هو ماذا لو (طاح) أخينا المريض بين يدي طبيب آخر؟
لا أقول أن الأمانة الطبية تنقصه بل ربما تكون مهزوزة عنده، وأخذ ذلك الطبيب يسير على هوى المريض بقوله (نعم) في كل شاردة وواردة لترى وصفات علاجية وجلسات من الليزر والتقشير، وربما عمليات جراحية، وكل ما يخطر في بالك قد خطت بخطاها على وجه ذلك المريض.
إن هذه الحالات قليلة ولله الحمد. وأنصح من ابتلي بعيادته بمثل هؤلاء المرضى أن لا يخلّ بأمانته من أجل إرضاء المريض.
ولا بد من الإطاحة بهذا المرض وهو (الديسمورفزم) ومعالجته بحسب الحالة حتى لو اضطر الأمر إلى إحالة المريض إلى الطبيب النفسي.
استشاري طب وجراحة الجلد والعلاج بالليزر