Al Jazirah NewsPaper Monday  18/02/2008 G Issue 12926
الأثنين 11 صفر 1429   العدد  12926

لمن تُدَقُّ الطبول ؟
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

منذ اغتيال السيد رفيق الحريري قبل ثلاث سنوات والأوضاع الداخلية في لبنان تسير من سيِّئٍ إلى أسوأ. وفي الأسبوع الماضي وصل القلق في نفوس المحبِّيِن لذلك البلد الجميل، المخلصين لأمتهم إلى درجته القصوى، وذلك.....

.....عندما انطلقت من أفواه بعض من ابتلي بكونهم بين زعمائه تهديدات هوجاء تنذر بعواقب لا يعلم كارثيتها إلا الله. وبدا لأولئك المحبِّيِن والمخلصين أن تلك التهديدات بالقضاء على الأخضر واليابس بمثابة دقِّ طبول حرب أهلية.

عرف كاتب هذه السطور لبنان منذ أن زاره طالباً قبل نصف قرن تقريباً، كان بلد الجمال؛ ساحلاً وسهلاً وجبلاً، وكان بلد الحرية الفكرية في محيط عربيّ يندر في كثير من أقطاره وجود تلك الحرية. وما زال لبنان متَّشحاً بذلك الجمال وإن حاول من حاول تشويه ما يتِّشح به. وما زال أيضاً، موطن تلك الحرية الفكرية وإن مسَّ نضارتها شيءٌ من مساوئ الراشين والمرتشين.

عندما كنت أدرس في بريطانيا أوائل السبعينيات من القرن الميلادي الماضي كانت هناك حرب أهلية بين الكاثوليك والبروتستانت في ايرلندا الشمالية. كان الكاثوليك يريدون أن يكون شمال إيرلندا جزءاً من جمهورية ايرلندا، وكان البروتستانت يريدون أن يبقى ذلك الجزء الايرلندي ضمن المملكة المتحدة. وكانت الصحف البريطانية؛ وهي تتحدَّث عن تلك الحرب، تلوم القائمين بها، وتضرب المثل على التعايش بين الطوائف والأديان بالوضع في لبنان، الذي يعيش الجميع فيه متآخين رغم اختلاف أديانهم وطوائفهم. لكن لم تمض سنوات قلائل إلا وقد أصاب سكان ذلك البلد الجميل ما أصابهم. فأصبح المتعايشون متحاربين، ومُنيَ الجميع بالخسارة الفادحة. وكنت قد عبَّرت عن تلك الحرب بأبيات ضمن قصيدة موجهة إلى زميلي وصديقي الشاعر السوري الدكتور نذير العظمة؛ قائلاً:

مثلما في قلبك الحرِّ جراحاتٌ خفيَّه

في فؤادي- أيها الشاعر- تجتاح رزيَّه

كلُّنا في الهمِّ أشلاء مآسٍ يعربيه

أيُّ قلبٍ لم تمزِّقه من الحزن شظيّه؟

قهقهات الموت في بيروت روحٌ همجيَّه

حرَّك الشيطان في أرجائها ألف سريَّه

وسيوف العُرْب تجتزُّ رقاباً عربيّه

لم يَدَعْ بتَّارها شيخاً ولم يترك صبيَّه

أيُّهم لبنان في وجدانه أسمى قضيَّه؟

كلّهم يقتل باسم الشعب والشعب الضحيَّه

وكان من نتائج تلك الحرب الأهلية الهوجاء - إضافة إلى نجاح الكيان الصهيوني في إخراج مصر من ميدان المواجهة معه نتيجة اتفاقية كامب ديفيد - أن تشجِّع قادة ذلك الكيان، واجتاحوا لبنان، وأشرف شارون المجرم على مجزرة صبرا وشاتيلا، وأُجبرت قوات الفلسطينيين على مغادرة بيروت. وكان من زعماء لبنان من رحَّبوا بقوات الصهاينة، ومنهم من كوَّن جيشاً سمَّاه جيش لبنان الحر. وكان ذلك الجيش- في حقيقة الأمر- ذراعاً لأولئك الصهاينة ضد لبنان بخاصة وضد الأمة العربية بعامة.

وقد كتبت حينذاك قصيدة عن تلك الأحداث عنوانها (تساؤلات أمام العام الجديد) وهي تصوِّر مشاعر جريح فلسطيني على أبواب الحفل بعيد الميلاد، مقطعها الأول كما يأتي:

الصبايا

والقناديل وبحر من شبابْ

وغناء يصل الأرض بأعناق السحاب

وكؤوس تمكنت من رشف آلاف الشفاه

وحبيب يعبر المجهول في عيني حبيبه

لوحة سحرية الفن على صدر المدينه

لبست أجمل زينه

لعناق الأمل الورديّ في عام جديد

ومن مقاطعها تعبير ذلك الجريح عما كان يرجوه كل عام:

كنت أرجو أن أرى لي

في فلسطين بيارق

أن تعيد القدس من جيشي فيالق

أن أرى يافا الشجيَّه

تتباهى

مثلما كانت عروساً عربيّه

ومن مقاطعها:

وانقضى بالأمس عام

وئدت فيه أحاسيس الكرامه

علَّمتني فيه أمريكا المهانة

علَّمتني كيف أصغي لترانيم اليهود

كيف تختار الزعامات لشارون السجود

كيف تهدي جنده المحتلّ باقات الورود

وخاتمة القصيدة:

أيُّ عام ذلك العام الجديد؟

ما الذي تخفيه من أسراره

سود الليالي؟

تركت من قبله بيروت آلاف السواعد

وأقام الغدر في صبرا وشاتيلا مجازر

كم لنا في غيبه الفتَّاك

من صبرا وشاتيلا

وبيروت جديده؟

ومضى ربع قرن، أو أكثر بقليل، على تلك الأحداث المرعبة وكتابتي تلك القصيدة. وخلال تلك المدة تمَّت أمور منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي. فمما هو إيجابي تعمير كثير مما دُمِّر في الحرب الأهلية الهوجاء، وتمكُّن المقاومة التي ساندتها أكثرية الشعب اللبناني من طرد قوات الاحتلال الصهيوني لجنوبي لبنان إلا النزر اليسير، واندحار ما كان يسمى جيش لبنان الحرّ وهروب فلوله إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل الكيان الصهيوني. ومن السلبيات غياب بعض زعامات مسلمة وغير مسلمة كانت جديرة بالاحترام والتقدير، وخلف من بعدها خلف يصدق عليها المثل الشعبي القائل: (الضوّ ما ترِّث إلا رماد). بل ليت لها طهارة الرماد ونظافته وما فيه من فائدة مهما كانت قليلة.

ومن هؤلاء الخلف البلوى على وطنهم وأمتهم أولئك الذين أشير - في بداية هذه المقالة - إلى انطلاق تهديدات هوجاء من أفواههم.

كفى الله لبنان البلد الجميل، منارة الحرية الفكرية، من عواقب أقوالهم وأفعالهم، وحمى الله أمتنا من بلاويهم ومساوئهم.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد