Al Jazirah NewsPaper Monday  18/02/2008 G Issue 12926
الأثنين 11 صفر 1429   العدد  12926
الرئة الثالثة
اليابانيون والإدارة: الهرم الياباني
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أزعمُ بدءاً أن الإنسان الياباني الحديث معجزةُ هذا العصر في الوقت الذي يرى فيه كثيرون أن (زمن المعجزات) قد آل إلى ذمّة التاريخ، وتتجسد (معجزة) الإنسان الياباني في قدرته الخارقة على قهر جرح الكبرياء باستسلامه للقوات الغازية لبلاده في ختام الحرب الكونية الثانية، وتدمير بعض مدنه تدميراً، ولقد فوجئ العالم بهذا الإنسان ينفض عنه غُبار الحُزن ويقهر عار الهزيمة لينهض عملاقاً في ميادين العلوم والتقنية والصناعة المعقّدة المصاحبة لذلك، ويكتسب بذلك (وسام) صناعة السلام عبر ابتكاراته وإبداعاته التي لا تنتهي!!

* * *

* هذا ما يعلمه كثيرون من الناس عن الإنسان الياباني عبر الشواهد التي تزخر بها ذاكرةُ الزمان ومساحةُ المكان، لكن القليل منهم قد لا يعلمُ أن لهذا الإنسان تفوقاً من نوع آخر في مجال (الإدارة)، وأحسب أن هذا التفوق مكمّل لمعادلة (المعجزة) التي اقترنت به منذ النصف الثاني من القرن الماضي وحتى الآن!

* * *

* والحديث عن الإدارة في اليابان يؤسس لكثير من التأمل، فالنموذج الياباني كان ولم يزل شُغلاً شاغلاً للعديد من منظري الإدارة وممارسيها، في الشرق والغرب سواء، ويتكئ هذا النموذج على مرجعية الخبرة.. الممزوجة بالموروث الثقافي، ومن ثمَّ فقد أفلح اليابانيون (عملياً) فيما أخفق فيه الأمريكيون وغيرهم (نظرياً)، بمحاولة الرَّصد العلمي لهواجس وبواعث السلوك الإنساني في الإدارة، المسير منه.. والمخير وما ينشأ منه استجابةً لفطرة الإنسان ونموه النوعي، وما يطرأ امتثالاً لإرادة صاحب قرار!

* * *

* وأعتقد بما يشبه اليقين أن اليابانيين كانوا وما برحوا أقلَّ شعوب العالم (سفسطةً) وتنظيراً للإدارة، ولذا بات من المألوف أن يوفد الأمريكيون وغيرهم من الشعوب بعُوثاً منتظمةً للتعرُّف على أسرار التجربة اليابانية في الإدارة، عبر الممارسة الفعلية لا التصور المرسوم في الكتب!

* * *

* ومهما يكن من أمر، يظلُّ اليابايون رواداً على أكثر من صعيد ولأكثر من سبب، وتظل تجربتهم الإدارية في أدقِّ خصوصياتها تتمتع بقدر من غموض يستعصي على بعض أدوات التنظير والتحليل، وهي مزيجٌ عجيبٌ من (كيمياء) الشخصية المحلية والموروث السلوكي والثقافي مصهوراً بالإنجاز التقني المهيب، والأهمُّ من ذلك، أن اليابانيين دون سواهم من شعوب الأرض، يفعلون كثيراً.. ويقولون قليلاً.. ويدعون غيرهم يسهر جراء ذلك ويختصم.. عبر مساجلاتٍ مقروءةٍ ومسموعةٍ.. لا تنتهي.

* * *

* أما بالنسبة لنا في هذه الرقعة من العالم.. فأرى أننا لسنا ملزمين باستيراد الخبرة الأمريكية أو التجربة اليابانية أو سواهما والانكفاء على أيٍّ منهما، بحثاً عن صيغة تدبير أو ترتيب أو (ترميم) لبيتنا الإداري، فنحن قادرون على استنباط نموذجٍ خاصٍ نستقي مفرداته من موروثنا الروحي والتاريخي والثقافي، حيث يوجد الإلهام النقي.. وتتوفر القدوة الحسنة، والإرادة الصادقة للتحول إلى مسار أكثر صواباً.. ثم لا يضيرنا بعد ذلك أن ندرس النماذج الأخرى شرقيةً كانت أو غربيةً، دراسة المتأمل الواعي والناقد معاً.. فنقتبس منها ما يوائمنا، وندع ما عدا ذلك!

* * *

* باختصار، نحن مطالبون بأن نُعْمِلَ عقولنا فيما نقرأ أو نسمع.. فلا (نتقوقع) داخل زنزانة الجهل تقوقعاً يحرمنا لذة الاكتشاف، ولا ننبهرُ بما يقوله أو يفعله الآخرون انبهاراً يسلبنا نعمةَ التمييز والاختيار، ثم، ننتهي بتسليم إرادتنا لتبعيةٍ تضلُّنا.. وتَضُرُّنا في آن!



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5141 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد