Al Jazirah NewsPaper Wednesday  20/02/2008 G Issue 12928
الاربعاء 13 صفر 1429   العدد  12928
أضواء
البوابة الشرقية... بوابة تغيير الهوية (1)
جاسر عبدالعزيز الجاسر

في الربع الأخير من القرن العشرين كان الكتَّاب العرب وخصوصاً القوميين منهم يطلقون على العراق البوابة الشرقية للدولة العربية. وفي السياق التاريخي يُعدُّ هذا المسمى مطابقاً لدور العراق القومي، فكان بحق محطة النضال والكفاح العربيين ضد الأقوام الغازية للحياض العربي، فقد كان العراقيون أول من يتصدى للغزوات الطامعة في الأرض العربية، وتحملوا جراء ذلك الكثير من الحروب والمعاناة، هكذا كان دورهم مع التتار والمغول والفرس وغيرهم من الأقوام الأخرى. أيضاً ومن خلال هذه البوابة انتشر الإسلام في آسيا بسيوف العرب الذين كانوا مبشرين أكثر مما كانوا فاتحين، فنشروا العدالة والمساواة والثقافة، وجددوا الحضارة بروح الإسلام وإدارة المسلمين المتسامحة.

الآن يكاد الوضع ينعكس في العراق، فالبوابة الشرقية أصبحت بعد الاحتلال الأمريكي، وتدمير الدولة العراقية، أصبحت بوابة غربية للتمدد الإيراني في الأرض العربية، ومثلما انطلقت الجيوش العربية من الجنوب العراقي والفرات الأوسط تحولت هذه المناطق في زمن الاحتلال وغياب الدولة العراقية الجامعة إلى الفعل المعاكس، فالعروبة محاربة ومستهدفة، والغزاة الجدد يطورون وسائلهم ويتكاثرون ليس بالنسل فقط بعد أن (جاوروا) قبور الأئمة الاثني عشرية، بل بتدفق المدربين والمعدين لمهمة محددة هي محو الهوية العربية من جنوب العراق وفراته الأوسط كمرحلة أولى ليتم بعد ذلك سلخ العراق من محيطه العربي. فبعد انهيار الدولة العراقية الجامعة، واستباحة الحدود وخاصة مع إيران، تدفقت العناصر الإيرانية للأرض العراقية مصاحبة لجموع العراقيين ذوي الأصول الإيرانية الذين كانوا قد أجلوا من العراق أبان الحكم السابق. ولأنهم كانوا قد شكلوا أحزاباً ومليشيات عسكرية في إيران آنذاك لمحاربة النظام السابق، فقد دخلوا العراق بأحزابهم ومليشياتهم وأسلحتهم ومدربيهم والمساندين لهم والداعمين لهم من رجال المخابرات وعناصر التحول الديمغرافي الذي بدأ عمله منذ الأيام الأولى للغزو الأمريكي والذي لم يكن مقصوراً على الحليف البريطاني فقط، بل صاحبه غزو إيراني من الحدود الشرقية من منطقة كردستان حيث فتحت حدود السليمانية مروراً بمحافظة ديالى والكوت والعمارة وأخيراً البصرة. ولأن قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني كانت بحاجة إلى حليف لمواجهة المقاومة الوطنية العراقية، العربية الهوية، فقد شجعت قوات الاحتلال الأمريكي البريطاني الغزاة الإيرانيين بالتدفق إلى الأراضي العراقية، وغضت النظر عن نوعية العائدين هل هم عراقيون، أم انضم إليهم مئات الآلاف من الإيرانيين، وقد سكت الأمريكيون عن الغوغائيين الذين نهبوا ممتلكات الدولة التي هي ملك العراقيين وجلهم من العائدين من إيران ومن رافقهم، وتعرضت المؤسسات الحكومية والمتاحف والبنوك إلى السرقة والنهب في بغداد والموصل والبصرة، حيث قامت المليشيات المسلحة وخاصة (قوات بدر) التي قادها ضباط مخابرات إيرانيون بالنهب والسرقة كما كشفت تحقيقات قوات الاحتلال فيما بعد، لتفرض هذه المليشيات بمساعدة الأحزاب الشيعية الطائفية التي أسست في إيران ويرأسها زعماء من أصول إيرانية أمراً واقعاً اعتبر فيه مجرد الانتماء وسمة العروبة اتهاماً يصبح صاحبه ملاحقاً ومعرضاً للقتل كأولى مخططات طمس الهوية العربية في محافظات الجنوب والفرات الأوسط.

امتدت موجة فرض الأمر الواقع لتصل بعد البصرة والكوت والعمارة إلى الناصرية والديوانية وباقي محافظات الفرات الأوسط، لتبدأ مواجهة عشائر الجنوب العربية التي سنتحدث عنها غداً.



jaser@al-jazirah.com.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 11 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد