Al Jazirah NewsPaper Wednesday  20/02/2008 G Issue 12928
الاربعاء 13 صفر 1429   العدد  12928

دفق قلم
النقد البنَّاء
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

 

للنقد البنَّاء دوره الكبير في التقويم والتوجيه، وأثره الفعَّال في التصويب وتصحيح الأخطاء، لأن العمل البشري مهما كان متقناً لا يمكن أن يخلو من نقص، أو يسلم من خطأ، ولأن البشر بحاجة ماسة إلى تجارب بعضهم، وآراء أصحاب العلم والخبرة منهم، ولهذا تغدو الأمَّة التي تنمو فيها روح النقد البناء، وتنتشر فيها الصراحة غير المؤذية، والتوجيه القائم على سلامة الصدر وحسن النية أمة قوية ناضجة، قادرة على التجاوز الصحيح لما قد يعترض طريقها من الحواجز، وهذا ما تميزت به الدولة الإسلامية التي بناها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واتبع نهجه فيها الخلفاء الراشدون.

ولقد تأمَّلت السنتين المباركتين اللتين حكم فيهما عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- فوجدت فيهما من الوضوح والصراحة، والنصيحة، والنقد البنَّاء، وعدم الاتهام في النيَّات، ما جعلهما سنتين متميزتين في تاريخ العصر الأموي، وما كان سبباً في استقرار الأمور، وسلامة الأحوال، وانتشار الإحساس بالراحة والأمن وهدوء البال، حتى استغنى الناس وأصبح من الصَّعْب على القائمين على توزيع الزكاة أن يجدوا من يستحقها.

والنقد لا يمكن أنْ يكون بناء نافعاً إذا قام على قصد الإساءة، وعمد إلى تضخيم السلبيات، والتقليل من قيمة الإيجابيات، والمبالغة في تقويم الأخطاء، والإثارة التي تخلِّف آثاراً نفسية سيئة في النفوس، وتوغر الصدور.

ومشكلتنا في عالمنا الإسلامي مع النقد مشكلة عويصة، فالناس فيه بين إفراط وتفريط، يحول النقد إلى معارك ضارية لا ينتصر فيها أحد، ولا يستفيد منها الناس، ولا تصحح بها الأخطاء، ولذلك نرى رأي العين كيف تشتعل معارك النقد بين الناس في مجالات مختلفة، ويكثر الخلاف وتعلو الأصوات، ويتبادل الناس الاتهامات دون أنْ نرى حلولاً عملية لكثير من القضايا والمشكلات، أو تصويباً واضحاً للأخطاء.

إننا حينما ننظر إلى حالتنا في عالمنا الإسلامي، وحالة العالم الغربي في جانب النقد البنَّاء، والتوجيه القائم على الحجة والدليل، وتقبل النقد بصدر رحب، سنجد أننا متخلفون في هذا المجال مع أننا من أولى الناس بمراعاته، والتفاعل معه والإبداع فيه، لأن قدوتنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الذي مهد لنا طريق النصيحة والنقد البناء، وفتح لنا آفاقه، ورسم لنا حدوده ومعالمه.

لقد وقر في نفوس كثير من الناس في عالمنا الإسلامي -خاصة أصحاب المسؤوليات وولاة الأمر- أن توجيه النقد المفيد خروج على حدود التسليم والطاعة، وأصبح هذا الإحساس سائداً حتى في العلاقات الخاصة بين أفراد الأسرة الواحدة، فنقد الابن لأبيه بالحق خروج على طاعته، أو انفلات من ضوابط التقدير، ونقد التلميذ لأستاذه، ونقد الأستاذ لمديره، ونقد الموظف للمسؤول، ونقد الضعيف للقوي، كل ذلك أصبح ضمن دائرة حمراء مرسومة في أذهان معظم الناس.

إن النقد البناء من أهم وسائل التطوير والبناء، ومن أقوى أسباب التفاهم والتلاحم والوفاء، ويبقى علينا أن نعلم أنفسنا وأولادنا الطريقة الصحيحة للنقد البناء الهادف الذي يرمي إلى الإصلاح، ويبتعد عن سوء النية وقصد الإساءة، وأن نتعلم أيضا الطريقة الصحيحة لتقبل النقد، والاستماع إلى النصيحة والإفادة من ذلك في تقويم الحياة وتطويرها وتصويب الأخطاء.

إشارة:

أبى الفضل إلا أن يكون لأهله

وهل تنتمي إلا إلى الروض أزهار

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد